تشهد المنطقة تحولات جذرية، أبرزها التطورات المتسارعة في الساحة السورية، وسيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة على دمشق، تحمل في طياتها تداعيات بالغة الأهمية على دول الجوار، وعلى رأسها الأردن.
جغرافية الأردن المتاخمة لسوريا تجعلها أولى المتأثرين بأي تغيير جذري يحدث في دمشق، ما يضع عقل الدولة الأردنية أمام تحديات كبيرة في رسم سياساته المستقبلية، حيث تتزايد حدة النقاشات في الأوساط السياسية والأردنية حول تداعيات السيناريو المحتمل لسيطرة تلك المجموعات على دمشق، وما يترتب عليه من تغييرات في موازين القوى الإقليمية، تساؤلات عديدة تطرح حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين الأردن والنظام الجديد في سوريا، وكيفية التعامل مع التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذا التغيير.
وفي ظل هذه التطورات، تتجه الأنظار نحو دور تركيا وأردوغان، باعتبارهما داعمين رئيسيين للجماعات الإسلامية في سوريا، وكذلك دور جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التي قد تشهد تحولات في علاقتها بالسلطة في ظل التطورات الإقليمية.
إن الأردن يواجه اليوم تحديات كبيرة تتطلب منه اتخاذ قرارات حكيمة وحذرة، حيث يتعين عليه الموازنة بين المصالح الوطنية والأمنية، وبين التطورات الإقليمية المتسارعة، فهل ستتمكن عمان من رسم استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة التحديات الجديدة، أم ستظل تتحرك بحذر وانتظار؟
الأردن بين مطرقة ما تسمى بـ”الثورة السورية” وسندان التحديات الداخلية
يزداد النقاش حدّة وسخونة بين الأردنيين على خلفية تفاعلات وتطورات الحدث السوري، فيما بدأ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بسلسلة مطولة من المشاورات والتوجيهات بحيث يبقى الأردن على اطلاع على أي مستجدات يمكن أن تحصل.
حسب مصادر سياسية أردنية قريبة من مواقع القرار، طبيعة التطور والتدحرج في المسألة السورية تدفع عقل الدولة الأردنية للتأكيد بالخيارات والاتجاهات في المرحلة المقبلة لأن الحدث السوري عنصر مهم جداً في التأثير والمجريات، ولأن الانعكاسات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية لذلك الحدث على الأردن أكبر وأوسع وأعمق من أن تستطيع حكومة أردنية واحدة التفاعل والتعاطي معه بعيداً عن الترتيبات الإقليمية والدولية في السياق، الأمر الذي قد يفسر وجود الأردن ضمن إطار الدوحة للحوار الجديد مع السعودية ومصر.
وبهذا المعنى يمكن تلمّس مسارعة الأوساط السياسية والنخبوية في الأردن لطرح التساؤلات عن الموقف الأردني في الملف السوري قريباً لأن الحدث مُتدحرج بإيقاع سرعة غريبة وليست مألوفة، من هُنا بدأت مبكرا بعض الآراء والاقتراحات من الجزء الذي يتحدث عن المبادرة وفورا على الصعيد الاحترازي والأمني ثم الإقليمي.
الإخوان المسلمون ورقة ضغط في لعبة إقليمية معقدة.. ما الذي ينتظر الأردن؟
تواجه المملكة الأردنية تحديات وجودية في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة، وخاصة في سوريا، وأهمية هذه التطورات تكمن في أن الأردن هو جزء لا يتجزأ من النسيج الإقليمي، ما يجعله عرضة لتداعيات الأحداث الجارية في سوريا.
أحد أبرز التحديات التي تواجه الأردن هو دور جماعة الإخوان المسلمين في المعادلة السياسية، بعد أن “تأخروا” في دعم ما تسمى بـ”الثورة السورية”، استجابة الأردن للضغوط الدولية والإقليمية للمساهمة في “إعادة إعمار” سوريا وتطبيع العلاقات مع النظام الجديد قد تفتح الباب أمام مزيد من المطالب الإصلاحية الداخلية، وخاصة أن المعارضة الأردنية قد تستلهم من تجربة الثورات العربية.
في ظل هذه الظروف المعقدة، يسعى الأردن إلى تحقيق توازن دقيق بين مصالحه الوطنية والتزاماته الإقليمية، هذا الأمر يتطلب اتخاذ قرارات حكيمة وحذرة، مع مراعاة التطورات المتسارعة في المنطقة والاستجابة لمطالب الشعب، كما أن دور الإخوان المسلمين في هذه المعادلة معقد ومتشابك.
فمن جهة، يمكن أن يشكلوا ورقة ضغط على النظام الأردني، ومن جهة أخرى، يمكن أن يكونوا شريكاً في بناء مستقبل البلاد، فعلاقة الإخوان المسلمين بالمعارضة السورية، وخاصة تلك المرتبطة بتركيا، تزيد من تعقيد هذا الدور، حيث يمر الأردن بمرحلة حرجة تتطلب هذه المرحلة أيضاً تقييمًا دقيقًا للأوضاع الإقليمية والتفاعل بمرونة مع التحديات المتغيرة.
وفي هذا السياق يعيش الأردن في ظل حالة من التوازنات الهشة والتناقضات المتعددة، فالتاريخ الطويل للأردن، وتعدد مكوناته الاجتماعية والسياسية، يشكلان مزيجاً من التنوع والتعقيد، حيث يمتاز المجتمع الأردني بتعددية اجتماعية وسياسية واضحة، تتفاعل فيه عشائر بدوية، وفلسطينيون، وجماعات إسلامية، إلى جانب فئات اجتماعية أخرى وطبقة حاكمة، هذه التعددية، وإن كانت غنية وثرية، إلا أنها تخلق في الوقت نفسه تحديات كبيرة للحفاظ على التماسك الاجتماعي والسياسي.
الأحداث في سوريا، ولا سيما صعود الجماعات الإسلامية، تلقي بظلالها الكبيرة على الأردن، فوجود امتدادات لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، ووجود تيارات إسلامية أخرى متعاطفة مع الأحداث في سوريا، يزيد من حدة التحديات الداخلية.
يواجه الأردن تحديات أمنية كبيرة، تتمثل في خطر التسلل الإرهابي، وتدفق الأسلحة، وتهريب المخدرات عبر الحدود، فالمشهد السياسي الأردني يشهد حالة من التوتر، بسبب الخلافات حول توجهات السياسة الخارجية، والتعامل مع القضايا الداخلية، ويتزايد الشعور بالاستياء والغضب في الشارع الأردني، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية، وغياب فرص العمل.
في ظل هذه التحديات، يواجه الأردن عدة سيناريوهات محتملة: تصعيد توتر داخلي قد يؤدي إلى استفادة الإخوان في سوريا، وتصاعد التوترات الإقليمية، ما يؤدي إلى زيادة حدة التوتر الداخلي في الأردن، وظهور حركات احتجاجية تطالب بتغيير النظام، وقد يسعى الأردن إلى تعزيز التعاون مع الدول الإقليمية، مثل مصر والسعودية.
في الختام، يمكن القول إن الأردن يقف على مفترق طرق، وإن مستقبله مرتبط بشكل وثيق بمستقبل جماعة الإخوان المسلمين، فهل ستكون هذه الجماعة جزءاً من الحل، أم جزءاً من المشكلة؟