صعد كيان العدو الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، غاراته على لبنان، حيث شنت طائراته سلسلة من الغارات على مناطق متفرقة بالضاحية الجنوبية لبيروت. بالمقابل أمطر “حزب الله” مستوطنات الشمال بهجمات صاروخية متفرقة وأسراب مسيرات متطورة، في وقت سابق لتوقيع اتفاق ايقاف اطلاق النار من الجانبين.
وشنت طائرات الاحتلال سلسلة غارات مكثفة بدأت بعد أن أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي إنذارات بقصف مبانٍ في الضاحية. وبالتزامن، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه قتل قائد منظومة العمليات في جبهة الساحل بحزب الله في غارة على مدينة صور.
وفي الجنوب، تعرضت بلدات وقرى لعدة لغارات وقصف مدفعي، مما أسفر عن ضحايا. وقالت وكالة الأنباء اللبنانية إن 3 أشخاص استشهدوا وأصيب آخرون جراء قصف استهدف منزلا في جبشيت بقضاء النبطية. كما أفادت بأن غارة إسرائيلية عنيفة استهدفت منازل في بلدة دير قانون رأس العين وسوتها بالأرض. وأضافت ان غارات إسرائيلية استهدفت محيط بلدات طيرحرفا وشمّع والقليلة ومنطقة الحوش جنوبي لبنان.
بالمقابل، أعلن حزب الله قصف مستوطنات الشمال برشقات متفرقة من الصواريخ النوعية. كما أعلن المهاجمة بسرب من المسيّرات الانقضاضية ثكنة معاليه غولاني وموقع حبوشيت على قمة جبل الشيخ بالجولان المحتل، واستهدف بالصواريخ تجمعا لقوات الاحتلال الإسرائيلي في مستوطنة أفيفيم.
وأفادت القناة 14 الإسرائيلية بأن صواريخ أطلقت من لبنان استهدفت بشكل مباشر موقعين في كريات شمونة بإصبع الجليل. فيما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن السلطات تتعامل مع تسرب للغاز من مبنى تضرر بشكل بالغ عقب القصف الأخير على كريات شمونة، في حين أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن 5 صواريخ أطلقت على هذه المستوطنة مما تسبب في أضرار بمبانٍ عدة.
وفي تطورات ميدانية أخرى، أعلن متحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي عن إصابة جندية بجروح خطيرة إثر انفجار مسيّرة أطلقت من لبنان باتجاه جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، انفجرت طائرتان مسيّرتان أطلقهما حزب الله صباح اليوم في موقع للجيش الإسرائيلي بجبل الشيخ، مما أسفر عن وقوع إصابات.
وكانت صفارات الإنذار دوّت قبيل ذلك في عدة مستوطنات بالجليل الأعلى بينها في يرؤون وأفيفيم. وفي وقت مبكر اليوم الثلاثاء، أصيب 3 أشخاص، وتضرر مبنى جراء سقوط صواريخ في نهاريا أطلقها حزب الله.
نهر الليطاني واشتباكات
وكان أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن قواته وصلت إلى نهر الليطاني جنوبي لبنان، في حين أوقعت هجمات لحزب الله بالصواريخ والمسيّرات إصابات وأضرارا شمالي إسرائيل. ونشر متحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على موقع “إكس” صورا لما قال إنه وصول قوات إسرائيلية لنهر الليطاني.
من جهتها، قالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي إن قوات من لواء غولاني وصلت إلى منطقة نهر الليطاني على عمق 10 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية، بينما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الوصول للنهر هو الأول منذ الانسحاب من لبنان عام 2000.
وفي تطورات المعارك البرية، قالت مصادر لبنانية إن الاشتباكات مستمرة في بلدتي شمّع وطيرحرفا بالقطاع الغربي من الحدود، مشيرةً إلى تعرض المنطقة لغارات وقصف مدفعي. وأضافت أن دبابات الاحتلال الإسرائيلي أطلقت القذائف على الحي الشمالي في بلدة الخيام التابعة لقضاء مرجعيون في النبطية بالقطاع الشرقي، مشيرةً إلى أن عمليات الاحتلال الإسرائيلي الرئيسية تتمركز في هذا الحي.
وفي الإطار نفسه، قالت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام إن الهدوء الحذر يسيطر على بلدتي البياضة والناقورة بالقطاع الغربي بعد فشل محاولات تقدم قوات الاحتلال باتجاهها، وذلك وسط قصف إسرائيلي على المنطقة.
وتواصل القتال والقصف المتبادل عبر الحدود، بينما تتواتر التصريحات عن اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار في لبنان.
مفاوضات وقف إطلاق النار
على السياق السياسي، تستعد الحكومة اللبنانية لعقد اجتماع من أجل إقرار اتفاق لوقف إطلاق النار، في حين أكد وزراء في حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن أسبابا “سرية ومعقدة” تدفع لاختيار الاتفاق رغم عيوبه.
وقال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب إنه يأمل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في وقت لاحق من اليوم الثلاثاء. وأضاف أن الجيش اللبناني سيكون مستعدا لنشر 5 آلاف جندي على الأقل في جنوبي لبنان بمجرد انسحاب القوات الإسرائيلية، وأن الولايات المتحدة قد تلعب دورا في إعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الضربات الإسرائيلية.
وأكد بو حبيب أن وجود المقاومة في لبنان مرتبط باستمرار الاحتلال الإسرائيلي، وقال “لا نستطيع أن نوقف المقاومة ما دام هناك احتلال”.
وأفاد مصدر رسمي بإبلاغ الوزراء بالاستعداد لعقد جلسة للحكومة صباح غد لإقرار اتفاق وقف إطلاق النار، وإذا لم يتأمن النصاب القانوني للجلسة فسيعقد لقاء تشاوري للوزراء برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. ونوه المصدر إلى أن عقد جلسة الحكومة يرتبط بموافقة إسرائيل على مشروع اتفاق وقف إطلاق النار.
وأوضح أن لجنة خماسية ستراقب وقف إطلاق النار عند دخوله حيز التنفيذ، مشيرا إلى أن تنفيذ الاتفاق سيتم على مراحل وضمن فترة زمنية تمتد إلى 60 يوما، وأكد أن القرار الأممي 1701 هو المرجعية الوحيدة للاتفاق.
اجتماع الكابينت
وفي داخل كيان العدو الإسرائيلي، نقلت شبكة “إيه بي سي” عن مسؤولين أنه من المقرر أن يعقد نتنياهو سلسلة اجتماعات، اليوم الثلاثاء، لمناقشة الاتفاق المرتقب لوقف إطلاق النار مع لبنان. وأشارت الشبكة إلى أن اجتماعا موسعا للكابينت اليوم قد يجري خلاله التصويت النهائي على الصفقة.
ونقل موقع بلومبيرغ عن مسؤولين صهاينة قولهم إن من المرجح أن يوافق الاجتماع على اتفاق وقف إطلاق النار، كما أكدوا أن الولايات المتحدة ستساعد في الإشراف على تطبيق وقف الأعمال العدائية لمدة 60 يوما. وذكرت وسائل إعلام عبرية أن نتنياهو اجتمع اليوم مع رؤساء بلديات الشمال لإطلاعهم على الاتفاق المرتقب.
بدوره، قال سفير الاحتلال لدى واشنطن مايكل هرتسوغ إن إسرائيل قريبة جدا من التوصل إلى اتفاق مع لبنان، وإن ذلك قد يحدث خلال أيام. ووفقا لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية، أكد هرتسوغ وجود تفاهمات مع الولايات المتحدة تسمح لإسرائيل بالعودة لشن هجمات في حال حدوث اختراق للاتفاق، وأكد أن الاتفاق مع لبنان قد يتيح خفض القيود على شحنات السلاح الأميركي.
ونقل موقع والا العبري عن مصادر أمنية أن اتفاق وقف إطلاق النار بلبنان قد يدفع باتجاه إبرام صفقة تبادل للأسرى والمحتجزين مع حركة حماس.
معارضة
ويأتي ذلك وسط معارضة للاتفاق يقودها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. حيث دعا الأخير إلى الاستمرار في الحرب على لبنان، واعتبر أن الاتفاق المرتقب “خطأ كبير وتفويت لفرصة تاريخية لاجتثاث حزب الله”، وأضاف أن إسرائيل يجب أن ترفض وقف إطلاق النار لأن “حزب الله ضعيف ويتوق إلى وقف الحرب”.
وقال بن غفير “نضيّع فرصة تاريخية لتركيع حزب الله وبإمكاننا الاستمرار في سحقه”، ووصف الاتفاق المرتقب بأنه “اتفاق موقع على الجليد”، وأكد أن حزب الله سيعود للتسلح مرة أخرى. بدوره، قال سموتريتش إن “أي اتفاق لن تكون له قيمة كبرى من الورقة الموقع عليها، والمهم أننا هشمنا حزب الله، وسنواصل تهشيمه”.
كما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن وزير التراث عميحاي إلياهو تأكيده أنه سيعارض التوصل إلى اتفاق مع لبنان، إلا إذا كان الغرض منه هو كسب الوقت حتى تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة مطلع العام المقبل. وتوعّد وزير الدفاع يسرائيل كاتس باستهداف “كل منظمة إرهابية أو محاولة لتسليحها ومنع أي محاولة لتهريب أسلحة”، وأضاف “لن نتسامح مطلقا مع أي انتهاك محتمل لوقف إطلاق النار في لبنان”.
أسباب سرية تدفع الاحتلال لاختيار الاتفاق
في المقابل، قال وزراء في الحكومة الإسرائيلية لصحيفة “إسرائيل اليوم” إن “ثمة أسبابا معقدة وسرية تدفع إسرائيل لاختيار الاتفاق رغم عيوبه”، كما قال مسؤول دبلوماسي لهيئة البث الإسرائيلية إن الاتفاق المرتقب “سيكون هشا لكنه من مصلحة إسرائيل”. ونقلت رويترز عن المتحدث باسم حكومة الاحتلال ديفيد مينسر قوله إن الاتفاق المرتقب سيحافظ على حرية إسرائيل في العمل بلبنان “للدفاع عن نفسها وإزالة تهديد جماعة حزب الله وتمكين عودة سكان شمال إسرائيل إلى ديارهم بسلام”.
بدورها، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت -نقلا عن مصدر وصفته بالمطلع- أن إسرائيل كانت ستواجه على الأرجح قرارا من مجلس الأمن بوقف الحرب في لبنان، وقال إن الحاجة لإراحة قوات الاحتياط المستنزفة في لبنان وقطاع غزة دفعت نحو اتفاق مع لبنان سيمكن إسرائيل من فصل جبهتي غزة ولبنان وإبقاء حماس وحيدة.
وتحدثت وسائل إعلام عبرية عن بعض النقاط الخلافية التي تعرقل التوصل لاتفاق إلى غاية الآن، وأوضح موقع “والا” نقلا عن مصادر أمنية قولها إن الخلاف الرئيسي بين لبنان وإسرائيل يتمثل في تشكيل آلية الإشراف على تنفيذ الاتفاق وصلاحياته. وأضافت المصادر أن هناك 13 نقطة خلافية بشأن الحدود يطالب لبنان بتثبيتها في التسوية، في حين تصر إسرائيل على تأجيل هذه المرحلة إلى وقت لاحق.
وأوضحت القناة الـ14 أن أبرز تفاهمات الاتفاق تتضمن انسحاب حزب الله في جنوب لبنان إلى ما وراء نهر الليطاني ونزع سلاحه في المنطقة بين الليطاني والحدود الإسرائيلية. وتشمل التفاهمات السماح بعودة السكان اللبنانيين غير المسلحين إلى بلدات جنوب لبنان، ومنع عودة عناصر الحزب، إضافة إلى الحفاظ على حرية الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان إذا خرق حزب الله الاتفاق وانسحب الجيش اللبناني.
التزام أمريكي
وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن ملتزم بالعمل من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، وأكد في بيان تحقيق تقدم في مفاوضات التوصل إلى حل دبلوماسي ومواصلة العمل من أجل هذا الهدف.
وذكر البيان أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين ومجموعة كبيرة من المسؤولين في الإدارة منخرطون بشكل وثيق في جهود الحل الدبلوماسي في لبنان، كما أن مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك سيكون اليوم الثلاثاء في السعودية لمناقشة إمكانية استخدام التوصل إلى اتفاق في لبنان كمحفز لوقف إطلاق النار في غزة.
بدوره، أكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن التوصل لاتفاق يتطلب موافقة واتخاذ خطوات من الجانبين، وأضاف “لقد أحرزنا تقدما كبيرا نحو التوصل إلى حل لكننا لم ننته بعد من ذلك. لا شيء نهائيا حتى يتم الانتهاء من كل شيء. نواصل العمل في مسعى للتوصل إلى اتفاق، ونأمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق، لكننا نحتاج إلى موافقة الطرفين”.
مسؤولون صهاينة يصفون التسوية “بالمحزنة”
الآن، تصف وسائل إعلام عبرية هذه التسوية أو الاتفاق “بالمحزنة”، كما يؤكد ذلك رئيس المجلس المحلي في “المطلة” الذي أكد كذلك أنه سيدعو السكان إلى عدم العودة إلى منازلهم. ويواصل حديثه قائلاً:” من يقول إن أهداف الحرب قد تحققت فهو كاذب.. لماذا تتجه الحكومة الأكثر يمينية التي عرفتها إسرائيل على الإطلاق إلى اتفاق استسلام مع حزب الله وتتفاوض معه؟
منصة إعلامية إسرائيلية ترى أن ما حدث هو اتفاق استسلام الحكومة في الشمال، وهو يُعطي من الآن نتائجه قبل ساعات معدودة من توقيعه، في حين يقول رئيس السلطة المحلية في “نهاريا”: “من هو غير مضطر للخروج من المنزل في الساعات الـ48 القادمة عليه أن لا يخرج”.
صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية رأت أن الحاجة لإراحة قوات الاحتياط المستنزفة في لبنان وغزة دفعت نحو اتفاق مع لبنان. وسلطت الصحيفة الضوء على الدمار الذي لحق بمغتصبات الشمال، جراء صواريخ حزب الله، موضحة أن الدمار في “كريات شمونة” لا يصدق، وأنه لا يكاد يوجد مبنى سليم في البلدات الحدودية مع لبنان، ومعظم المنازل بحاجة لترميم أو هدم. وأشارت إلى أن عدد المنازل المدمرة في الشمال تجاوز 8800 وأكثر من 7000 سيارة ونحو 300 موقع زراعي.
في بداية المعركة أراد العدو الإسرائيلي من خلال ضرب منظومة “القيادة والسيطرة” لدى حزب الله، والانقضاض عليه، وشطبه حتى من الحياة السياسية اللبنانية (تولاها الأميركيون)، عادت لتوقع اتفاق وافق عليه حزب الله.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني خليل نصر الله: ” إن حديثهم عن “إضعاف حزب الله” تبخر أيضاً، يكفي مراجعة أحداث يوم الأحد”، مضيفاً أن “نزع السلاح” لم يعد لها أي مكان في الأدبيات السياسية الإسرائيلية، ولم يعد المستوطنون إلا بموجب اتفاق، كما أن الشرق الأوسط لم يتبدل، ولم تتغير موازين القوى.
ووفق أحدث حصيلة نشرتها وزارة الصحة اللبنانية، أسفرت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على لبنان منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023 عن مقتل 3768 وإصابة ما يقرب من 16 ألفا آخرين، وسقط أغلب الضحايا منذ بدء العدوان الإسرائيلي واسع النطاق أواخر سبتمبر/أيلول.