مقالات مشابهة

الاستخبارات الغربية ودورها المحوري في الحرب.. شراكة كاملة مع آلة القتل الإسرائيلية

لعبت الاستخبارات الغربية دوراً مفصلياً في الحرب على غزة ولبنان، سواء في عمليات محاولة تحرير الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، أو في الهجمات المعقدة التي استهدفت المقاومة الإسلامية في لبنان خلال الأشهر الفائتة، ولا سيما في الاغتيالات التي نفذها سلاح الجو في “جيش” الاحتلال الإسرائيلي وأدّت إلى استشهاد عدد من القيادات الأساسية في المقاومة أبرزهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

وقد تأكد دور الاستخبارات الغربية في الحرب من خلال عدد من التصريحات التي أدلى بها مسؤولون غربيون عقب بعض هذه الهجمات، وتبنوا فيها إلى حد كبير المساهمة في العمل الاستخباري الذي أدّى إلى تنفيذ عدد من الضربات ضد أهداف حساسة المقاومة في لبنان.

إذ نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية عن مسؤول أميركي، عقب الضربة التي شنها الاحتلال في الضاحية الجنوبية وأدت إلى استشهاد القائد الجهادي في حزب الله فؤاد شكر، وبعد ردّ المقاومة عبر استهداف قاعدة غاليلوت، أن الولايات المتحدة “قدمت مساعدة استخباراتية للضربة التي وجهتها إسرائيل ضد حزب الله”.

ولكن هذه التصريحات وغيرها شكلت “الرأس الظاهر” من جبل الجليد، فقط أكّدت العديد من الهجمات الأمنية التي تتالت ما صدر من التصريحات والتحليلات، بأنّ المقاومة في لبنان وطوال السنوات الماضية، لم تكن تتعامل ضدّ جهة استخبارية واحدة، بل ضدّ عدد غير مسبوق من أجهزة الاستخبارات التي تعاونت لمحاولة القضاء على قدراتها. وقياداتها، بالإضافة إلى تقنيات غير مسبوقة في أعمال التفخيخ وعبر استعمال تكنولوجيا مدنية توجب القوانين الدولية أن تبقى بعيدة عن أي استعمال هجومي قد يحمل أخطاراً كبيرة ضد المدنيين.

القدرات الاستخبارية الإسرائيلية غير كافية

وأشار بريت ماكغورك، مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، في أكثر من مقابلة عقب تصعيد العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، ولا سيما بعد موجة الاغتيالات والتفجيرات، إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي المسؤولة الرئيسية عن حرب الاستخبارات التي سمحت للعدو الإسرائيلي بالقيام بالاستهدافات الدقيقة لشخصيات قيادية في المقاومة.

وفي مقابلة تلفزيونية الشهر الفائت، أكّد ماكغورك أنّ القدرات الاستخبارية الإسرائيلية “غير كافية لتحقيق المستوى الذي كان ضرورياً للوصول إلى قيادات المقاومة بهذه الطريقة”. وأشار ماكغورك إلى أنّ “الولايات المتحدة فقط هي القادرة على استعمال تقنيات معقدة كمراقبة شاملة للبصمات الصوتية”، بالإضافة إلى بصمة الوجه واستعمال تقنيات مراقبة جوية غير تقليدية عبر الأقمار الصناعية للوصول إلى جمع معلومات كافية للقيام بعمل من هذا النوع.

فشل استخباري أمام المقاومة الفلسطينية

كما يشير الفشل الاستخباري الكبير الذي لحق بالاحتلال و”جيشه” في السابع من أكتوبر 2023 وما بعده إلى أنّ العدو الإسرائيلي ليس بمستوى القدرة على القيام برقابة شاملة وتحقيق خرق أمني واسع على نطاق واسع، حتى على نطاق قطاع غزة المحاصر والواقع بكامله في قلب الجغرافيا الفلسطينية المحتلة وضمن مجال عمل أعقد التقنيات الإسرائيلية في التجسس والتتبع والرصد والاستطلاع.

إذ إنّ جهازاً لم يكن قادراً على توقع هجوم بحجم طوفان الأقصى، اشترك فيه آلاف المقاومين وتخلله بطبيعة الحال جهوزية ميدانية واسعة وتحشدات وتجمعات ونقل لأسلحة وذخائر وآليات بالإضافة إلى اتصالات وتداول معلومات وخطط وربط تشكيلات قتالية ببعضها البعض، الأولى به أن لا يكون قادراً على القيام بذلك ضدّ عدوّ أكبر وأبعد وأكثر تعقيداً على مستوى الهيكليات والتشكيلات وأنواع الأسلحة والقدرات والامتداد الجغرافي وخطوط الإمداد، كحزب الله.

وعلى الرغم من أنّ الإسرائيليين ادّعوا لاحقاً أنّ الفشل كان سببه التركيز على الجبهة الشمالية، فإنّ أداء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المختلفة من “موساد” و”أمان” و”شاباك” بعد 7 أكتوبر لم يبرهن ذلك، بل أثبت أنّ قادة المقاومة الفلسطينية صمدوا لفترات طويلة نسبياً في بيئة قتالية أصعب من لبنان بكثير، وأمام اجتياح لأرضهم وتركيز لجهود غير مسبوقة على اكتشاف أماكن تحصّن أو تخفي قيادات المقاومة الفلسطينية وصواريخها البعيدة المدى وأماكن احتجاز الأسرى.

ولم يتمكن الاحتلال من اغتيال المطلوب الأول له، والمسؤول المباشر عن عملية طوفان الأقصى، رئيس حركة حماس يحيى السنوار، إلا بعد أكثر من عام على ملاحقته، ومن دون أن يكون ذلك مبنياً على معلومات استخبارية بل عن طريق الصدفة خلال اشتباك في رفح تخلله قصف مدفعي.

كما لم ينجح الاحتلال في تحرير سوى عدد بسيط جداً من الأسرى الإسرائيليين، وفشل في الوصول إلى أي معلومات مرتبطة بأماكن احتجازهم أو دفن من مات منهم حتى الآن، فيما تمكنت القسام من استهداف تل أبيب بالصواريخ بنجاح في الذكرى السنوية الأولى لطوفان الأقصى، برغم كل المزاعم الإسرائيلية عن تدمير قدرات المقاومة الصاروخية.

الغرب والجماعات التكفيرية.. شراكة في العمل ضد المقاومة

كذلك أشار عدد من التقارير الغربية إلى أنّ أجهزة الاستخبارات العالمية، وبخاصة الاستخبارات الأميركية والبريطانية، عملت على استغلال الحرب على سوريا والتهديد الذي شكّلته الجماعات التكفيرية الإرهابية المدعومة من الغرب لحزب الله ولبنان، من أجل مراقبة الأعمال العسكرية الذي شنّها حزب الله ضد الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية بدءاً من معركة القصير عام 2013 وهجوم الغوطة الشرقية وصولاً إلى معارك حلب وأطراف إدلب ودير الزور والبوكمال.

وأكّدت التقرير المنشورة أنّ هذه الحرب شكّلت فرصة للاستخبارات الغربية، وقدراتها الواسعة في الرصد والتتبع والتحليل، لدراسة الميدان السوري والعراقي وفهم هيكليات وأساليب عمل المقاومة الإسلامية في لبنان، ونقلها إلى الإسرائيلي ليبني عليها فهمه لحزب الله وخططه في الحرب ضده، بعد أن أظهر الإسرائيلي عجزاً كبيراً في معرفة المقاومة عام 2006 أدّت إلى ما وصفه تقرير في “فورين بوليسي” بشكل موجز بأنه “سلسلة من التعثرات والمفاجآت انتهت بضربة كبيرة للقيادة السياسية والعسكرية والأمنية وتقاذف للمسؤوليات والاتهامات”.

“إسرائيل” بلا خطوط حمراء أميركية

من جهتها، استمرت الإدارة الأميركية في ادّعاء دور توسّطي بشأن التصعيد على الجبهة بين لبنان وفلسطين المحتلة طيلة الأشهر التي سبقت توسع العدوان. وقد وصل هذا الدور المزعوم إلى حدّه بعد اغتيال “إسرائيل” للقيادي الكبير في حزب الله الشهيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في تموز/يوليو الماضي، والذي جاء عقب ما أشار إليه مسؤولون لبنانيون لاحقاً من “ضمانات وتطمينات” قدّمها الأميركي للبنان بأنّ العدو الإسرائيلي لن يقدم على قصف الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقد ألمح قادة في المقاومة لاحقاً، وأبرزهم الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، إلى أنّ الأميركي مارس خداعاً ممنهجاً للبنان حكومةً ومسؤولين لمحاولة استدراج قادة المقاومة إلى خارج أماكن يتحصنون فيها في الضاحية تسهيلاً لاستهدافهم، ما يكشف بالتالي التعاون الاستخباري والعملياتي بين الولايات المتحدة، بأجهزتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية وليس فقط العسكرية والأمنية، وآلة القتل الإسرائيلية.

واشنطن تراهن على العدوان الإسرائيلي

ومنذ أسبوعين، ذكر تقرير في موقع “بوليتيكو” الأميركي بصراحة أنّ الإدارة الأميركية تؤيد بقوة المسار الإسرائيلي الجديد في الشرق الأوسط، وتصفه بأنه “يصنع تاريخ المنطقة”، وأنّ كلّ دورها هو ممارسة “ضبط ورقابة” على الممارسة الإسرائيلية لخطط العدوان العسكري والأمني الواسع ضد لبنان، لضمان نجاحه بأقل أضرار ممكنة، بالإضافة إلى استمرار الحرب على غزة.

وأكّد التقرير في “بوليتيكو” أنّ “(عاموس) هوكشتاين وماكغورك وغيرهم من كبار مسؤولي الأمن القومي في الولايات المتحدة معجبون بشدة بما تقوم به إسرائيل ويعتقدون أنه سيغير وجه الشرق الأوسط للأفضل في السنوات المقبلة”، في ما يفهم على أنه رهان على ضرب محور المقاومة وحضوره في المنطقة، ومواجهة إيران وقطع دعمها لحركات التحرر والمقاومة في البلدان العربية والإسلامية.

ورغم استمرار الولايات المتحدة بالحديث عن أنها تضع خطوطاً حمراء أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي ونواياه العدوانية تجاه لبنان وشعبه ومقاومته، ولكن ينقل التقرير عن مسؤول أميركي كبير أنّه “من غير الواضح أين يقع هذا الخط الأحمر بالتحديد”، إن وجد بالأصل.

المصالح الأميركية في المنطقة والعالم: “إسرائيل” أولاً

تقف الولايات المتحدة اليوم أمام تحديات كبرى على مستوى العالم، في وجه روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران ودول في أميركا الجنوبية وأفريقيا وغير ذلك. ويعتبر التهديد الذي يمثله حزب الله لكيان الاحتلال الإسرائيلي، والذي صنّفه الاحتلال في أكثر من تقدير استراتيجي بأنه “خطر وجودي”، خطراً ضد المصالح الأميركية في المنطقة بالدرجة الأولى، لأنّ “إسرائيل” بحد ذاتها هي المصلحة الأميركية الأكبر في المنطقة، وراعية وضامنة استمرار المصالح الأخرى المرتبطة بنهب الثروات الطبيعية ومنع الشعوب من الاستفادة منها.

الأساطيل البحرية الأميركية للدفاع عن”إسرائيل”

وقد عبّرت واشنطن صراحة عشرات المرات خلال العام السابق عن التزامها الدفاعي المبدئي تجاه أمن “إسرائيل” وفي وجه أي هجمات ضدها من قبل حزب الله أو إيران، وثبتته بقرار تاريخي بإرسال مجموعة حاملة الطائرات “فورد” إلى قبالة السواحل اللبنانية في الأيام الأولى ما بعد طوفان الأقصى، تبعتها “روزفلت” و”أيزنهاور” ثم “لنكولن” واليوم يتحدث الأميركيون عن إرسال مجموعة حاملة الطائرات “ترومان” بموازاة التصعيد مع إيران.

وقد عملت كذلك على محاولة التصدي بشكل مستمر لهجمات اليمن الصاروخية ضد كيان الاحتلال، على الرغم من ما يتضمنه ذلك من تضحية بقدرات صاروخية مكلفة واستراتيجية، في وقت تقترب فيه الحرب في أوكرانيا من عامها الثالث وتبرز فيه الحاجة الغربية والأوكرانية إلى معترضات للصواريخ الروسية.

كما شكل التحالف الأميركي ضد اليمن وعملياته في البحر الأحمر سبباً آخر لإظهار مدى الجموح الأميركي في دعم “إسرائيل” ولو على حساب بعض مصالح واشنطن، فقد أدى التصعيد الذي جلبه الحضور الأميركي العسكري في البحر الأحمر إلى شبه إغلاق لمسار سفن الشحن في البحر الأحمر بشكل عام، وهو إغلاق لم يفرضه اليمن، الذي أكّد أنّ الاستهدافات هي فقط للسفن الإسرائيلية والمرتبطة بـ”إسرائيل”.

سمعة الصناعات الغربية في مهبّ ريح “نتنياهو”

كذلك فإنّ استعمال الاحتلال للتقنيات المدنية في استهداف “حزب الله” عبر تفخيخ أجهزة البايجر لم تكن لتمرّ من دون إذن الولايات المتحدة، التي ستتأثر بشكل كبير بأي ضربة لموثوقية الصناعات التقنية الغربية وسلاسل التوريد، والتي لم تقم بأي ردّ فعل استنكاري على هذا الهجوم.

إذ تركت احتمالية أن تكون البضائع الغربية في السوق العالمية قنابل موقوتة، آثاراً بعيدة المدى على الثقة العالمية بالصناعات الغربية حتى المدنية منها. ولا يخفى أن الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية هي أبرز ما تصدّره الولايات المتحدة إلى العالم، وهي بضائع تقوم بشكل أساسي على موثوقية المصادر وسلاسل التوريد.

وبالتالي، يظهر كيف أنّ الدور الغربي ولا سيما الدور الاستخباري عبر الرصد والاستطلاع والتحليل المعمق للمعلومات الأمنية من جهات عالمية مختلفة، ساهم بشكل كبير في أن يكون العدو الإسرائيلي اليوم قادراً على الظهور بمظهر القادر على تنفيذ اختراقات أمنية واسعة للمقاومة، وبهدف أبعد من النتائج المباشرة لأعماله الأمنية، عبر محاولة إفقاد بيئة المقاومة القريبة والبعيدة شعورها بأمنها وسريتها، وإشعارها بالانكشاف الأمني أمام العدو في محاولة لكسر إرادتها.

ولكن هذا الدور الذي أراده العدو لعدوانه الأمني الواسع في بداية الحرب أحبطته المقاومة وجمهورها حتى الآن، وبات كثر من الخبراء الغربيين بل والإسرائيليين أنفسهم يصرّحون باعتقادهم بأنه وصل إلى حدّه، بعد أن استنفد الاحتلال بنك أهدافه الذي جمعه بمساعدة الاستخبارات الغربية، وبعد عودة المقاومة خلال الأسبوعين الأخيرين إلى العمل بفعالية تصاعدية ضد العدو، كاشفةً عن استعادتها لهيكلياتها التنظيمية، وتعافي غرفة عملياتها ومنظومة القيادة والسيطرة لديها، واحتفاظها بقدراتها الاستراتيجية والفتاكة، التي توّجتها عملية استهداف منزل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو صباح اليوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقرير| هادي حطيط