في هجوم وصفته وسائل إعلام العدو الصهيوني بـ”الأكثر دموية” منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” المباركة.. وجّه حزب الله ضربة موجعة لجيش العدو الصهيوني باستهدافه معسكر تدريب لواء غولاني، أحد أبرز ألوية النخبة، عبر سرب متطور من الطائرات المُسيرة.
ولم تكن العملية التي جاءت في عمق الكيان الغاصب جنوب حيفا، مجرد هجوم عسكري عابر، بل رسخت معادلة ردع جديدة، وأثبتت أن المقاومة اللبنانية باتت تمتلك قدرات عسكرية واستخباراتية تضعها في موقع المبادرة والسيطرة على مسار الصراع.
وجاءت هذه الضربة الاستراتيجية، التي هزت أركان المنظومة العسكرية الصهيونية، لتؤكد أن حزب الله لا يزال القوة الفاعلة التي تقلب موازين القوة، وتعيد تشكيل معادلات الردع في المنطقة.
وعلى ما يبدو أن الهجوم تم بسرب من الطائرات المُسيرة المتطورة القادرة على تجاوز دفاعات العدو والوصول بدقة الى الهدف، إضافة لذلك فإن قدرة هذه الطائرات على التسلل وتوجيه ضربات مباشرة تشير إلى أن حزب الله قد طور استراتيجيات جديدة تتجاوز التقليدية، مما يضعه في موقع قوة أكبر في مواجهة كيان الاحتلال.
ومن خلال استهداف معسكر تدريب لواء غولاني الصهيوني، أحد أهم ألوية النخبة في جيش العدو الصهيوني، اختار حزب الله هدفاً يحمل رمزية استراتيجية عالية، إذ أن هذا اللواء يلعب دوراً محورياً في العمليات البرية الصهيونية، خاصة في المواجهات مع المقاومة.
ولم تكن هذه العملية تقتصر على استهداف عشوائي، بل كانت هجوماً محسوباً وموجهاً إلى قلب النظام العسكري الصهيوني، وتحمل أيضاً تأثيراً نفسياً كبيراً على جيش العدو والمجتمع الصهيوني بشكل عام.
كما يحمل استهداف لواء غولاني، وحدة النخبة في جيش العدو، رسالة واضحة بأن حزب الله قادر على إصابة قلب القوة البرية الصهيونية وإحداث خسائر مباشرة في صفوفها، مما يؤثر على الجهوزية القتالية لهذه القوات في أي مواجهة مستقبلية.
ويعزز استهداف معسكرات التدريب من حالة عدم الأمان داخل الكيان الغاصب، حيث لم تعد الضربات تقتصر على الحدود أو الجبهات القريبة، بل وصلت إلى مراكز عسكرية حساسة في العمق، كما أن اختيار الهدف في منطقة بنيامينا يؤكد أن حزب الله يمتلك قدرات استخباراتية متطورة لتحديد مواقع ذات أهمية عسكرية وأمنية داخل العمق.
أيضاً يحمل توقيت الضربة أهمية كبيرة، حيث تأتي في ظل تصعيد العدوان الصهيوني على لبنان، وخاصة الهجمات التي طالت المدنيين في الضاحية الجنوبية.
ويعد لواء غولاني من أقوى الألوية في جيش العدو الصهيوني، وهو اللواء الوحيد الذي استمر في العمليات العسكرية منذ تأسيسه، وله أهمية كبيرة لدى قادة الكيان المُحتل، إذ أصبح بمنزلة رأس حربة.
لكن هذا اللواء تلقى ضربة موجعة أمس الأحد خلال تناول جنوده العشاء في صالة الطعام بقاعدة للتدريب بالقرب من بنيامينا جنوب حيفا.. فعلى حد تعبير ناشطين بمواقع التواصل الاجتماعي، كان الجنود يظنون أن هذا العشاء كغيره، لكن المفاجأة أن مسيرة أطلقها حزب الله اخترقت الدفاعات الجوية الصهيونية وسقطت وسط طاولات الطعام، فجعلته العشاء الأخير بالنسبة لأربعة جنود صهاينة لقوا مصرعهم، فضلا عن إصابة 67 آخرين.
واحتفى روّاد مواقع التواصل الاجتماعي بالعملية التي شنّها “حزب الله” على القاعدة العسكرية للواء “غولاني” في مدينة بنيامينا الأحد.
وبدأت الصور ومقاطع الفيديو تنتشر من موقع الحدث، الذي وصفه مغردون بأنه موقع لأكبر عملية مؤلمة أصابت كيان الاحتلال منذ معركة “طوفان الأقصى” التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام، في السابع من أكتوبر 2023.
ومع انتشار الصور من صالة طعام جنود لواء غولاني، أطلق ناشطون وسم #العشاء_الأخير، وقالوا إن 13 أكتوبر 2024 هو أكثر يوم يصاب به جنود جيش العدو الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023، إذ أصيب أكثر من 100 جندي صهيوني في المعارك البرية والمسيرات مع المقاومة اللبنانية، وأعداد أخرى في كمائن للمقاومة في قطاع غزة.
ووصف مدونون العملية بالمركبة والمعقدة، بعدما نفذها حزب الله بالعمق الصهيوني، وبعث من خلالها عدة رسائل، أولاها أن قدرات حزب الله التنظيمية والعسكرية أقوى بكثير مما يتصوره العدو.. أما الرسالة الثانية -وفقا لهؤلاء المدونين- فهي أن منظومة الدفاع الجوية ومنظومة القبة الحديدية ثبتت هشاشتها وضعفها أمام مسيرات حزب الله الانتحارية، مما يسبب أزمة في الكيان الغاصب.
وتوالت ردود الفعل داخل الكيان الصهيوني على هجمات حزب الله ضد معسكر لواء غولاني، بعد نجاح مسيرة تابعة للحزب مساء الأحد في اختراق قاعدة تدريب لجيش العدو بمنطقة بنيامينا جنوب مدينة حيفا مخلفة عشرات القتلى والجرحى غالبيتهم في حالات خطرة.
وبحسب ما نشرته صحيفة “أول إسرائيل”، قال قائد الدفاع الجوي الصهيوني الأسبق، العميد متقاعد زفيكا حايموفيتش: إن “إسرائيل” تواجه “إمكانيات معقدة وتحديات كبيرة”.. مضيفاً: “بعد هجوم حزب الله، أدرك جميع اللاعبين الإقليميين الإمكانات والتحديات المعقدة التي تواجهها “إسرائيل” في التعامل معها سوف نرى هذا التحدي مستمرًا”.
بدورها، علقت الصحيفة على الهجوم الذي وصفه معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي بـ”العشاء الأخير” بعد نجاح حزب الله اللبناني في استهداف لواء جولاني، حيث ذكرت الصحيفة في تقريرها، أن الهجوم يعكس “فشل حكومة نتنياهو المستمر”، ويكشف ثغرات القبة الحديدية أمام الطائرات بدون الطيار، التي وصفها تقرير الصحيفة بـ”الرخيصة نسبيا”، مقابل التكنولوجيا الحديثة باهظة التكاليف.
وكشفت إذاعة جيش العدو أن التحقيقات الأولية حول هجوم حزب الله ضد قاعدة لواء جولاني توضح أن الدفاعات الجوية الصهيونية رصدت المسيرة قرب نهاريا وتم تفعيل صفارات الإنذار، إلا أن الدفاعات الجوية فقدت أثر المسيّرة بعد ذلك، لتنجح في الوصول إلى قاعة الطعام في معسكر تابع للواء غولاني وتنفجر.
وكان وزير الحرب الصهيوني يوآف جالانت، قد زار موضع الهجوم صباح الاثنين وقال خلال تفقد القوات: “هذا حدث صعب بنتائج مؤلمة.. يجب علينا التحقيق فيه ودراسة التفاصيل.
وأكدت تقارير إعلامية أن حزب الله نجح في خداع أنظمة الدفاع الجوي الصهيونية من خلال إطلاق رشقة صاروخية وفرت تغطية للطائرات المسيرة، مما سمح لها بإصابة الهدف بدقة.. وتسللت مسيرتان عبر المناطق الشمالية من البحر، وتمكنت البحرية من اعتراض طائرة فوق نهاريا، فيما لم تتمكن من رصد المسيرة الثانية.
وقالت التقارير: إن المستهدف بالهجوم كان رئيس الأركان الصهيوني هرتسي هليفي.. إلا أنه لم يكن متواجداً في القاعدة لحظة سقوط المسيرة، وظهر في اليوم التالي للهجوم من موقع الاستهداف وألقى كلمة أمام جنوده.
ووصفت الأوساط الصهيونية الهجوم بالحدث الصعب والخطير، فيما فتح جيش العدو تحقيقًا لمعرفة أسباب الإخفاق الذي أدى لوقوع كل هذه الحصيلة من القتلى والجرحى.. وجاء الهجوم في أعقاب تهديدات أطلقها حزب الله توعد خلالها الاحتلال بإدخال أسلحة نوعية إلى قلب المعركة.
ويرى خبراء عسكريون أن هجوم بنيامينا هو “ضربة نوعية” بكل المقاييس ولعدة أسباب، وأن “الهجوم أثبت أنه لا يوجد نظام دفاع جوي يستطيع اكتشاف وإسقاط الأهداف بنسبة مائة في المائة، وفي عالم الأسلحة دائما هناك مفاجآت وأمور غير متوقعة”.
وقال هاليفي: “نحن في حرب، وهجوم على قاعدة للتدريب في الجبهة الداخلية هو أمر صعب، ونتائجه مؤلمة”، وذلك أثناء تفقده قاعدة التدريب العائدة للواء جولاني في بنيامينا جنوب مدينة حيفا.
فيما قال المتحدث باسم جيش العدو، دانيال هاغاري، اليوم الاثنين: “سندرس ونحقق في حادثة اختراق طائرة بدون طيار للقاعدة دون سابق إنذار.. إن تهديد الطائرات بدون طيار هو التهديد الذي واجهناه منذ بداية الحرب، ونحن مطالبون بتوفير حماية أفضل، وسوف نحقق في هذا الحادث، ونتعلم ونتحسن”.
ومن التحقيقات التي أجراها جيش العدو، يتضح أن المسيرة اخترقت سقف غرفة الطعام في قاعدة غولاني أثناء تناول العشاء، دون إطلاق إنذار، ما أدى إلى العدد الكبير من القتلى والجرحى.
ونشرت مواقع إلكترونية صورا لعشرات الجنود الصهاينة يساعدون بإخلاء الجرحى، وسط تساؤلات حول كيفية وصولهم إلى المكان المستهدف بهذه السرعة في منطقة ليست مأهولة بالسكان بين بنيامينا ومنطقة وادي عارة.
ويذكر أن المُسيرة كانت من طراز (صياد 107)، قد اخترقت قاعة طعام جنود لواء “غولاني” وهم يتناولون عشاءهم داخل قاعدة للتدريبات العسكرية داخل مستوطنة بنيامينا، القائمة على أراضي قرية الشونة المهجرة منذ نكبة 1948.
وطبقاً لشهود عيان، كانت المسيرة قد أطلقت صاروخاً، قبل انقضاضها منتحرة على القاعدة، لكن جيش العدو ينفي ذلك، ويقول، في بيانه: إن المنظومات الدفاعية رصدت مُسيّرتين من لبنان فأسقطت البحرية، فيما نجحت الثانية بالتهرب جنوباً حتى تفجرت في قاعدة بنيامينا.
وفي كل الأحوال، يرى خبراء عسكريون في كيان العدو، أن المنظومات الدفاعية لا تستطيع مواجهة تهديد المسيرات بشكل تام، لكونها صغيرة الحجم، تستطيع التحرك بمرونة وتغيير المسار بشكل حاد بثانية واحدة، علاوة على كونها تحلّق على ارتفاع منخفض، ما يمكّنها من الإفلات من أنظمة الرصد والكشف.
وتبدو الضربة الموجعة هي الأشد إيلاماً للكيان الغاصب منذ نشوب الحرب، خاصة أنها تصيب لواء غولاني، أحد أقدم وأهم مكونات السلاح البري الصهيوني، منذ 1948، وأنها أعقبت عمليات خلال نهار أمس تسببت بإصابة 28 جندياً.
وتحت عنوان (حرب لا تنتهي)، يحذر المُحلل العسكري البارز في صحيفة “هآرتس” الصهيونية عاموس هارئيل، أن منظومة النار لدى حزب الله بدأت تستيقظ، وتطلق مئات الصواريخ في اليوم على الشمال.
ومضي في تحذيره من المجهول.. قائلاً: “في الجنوب (غزة) يتقدم الجيش دون مقاومة كبيرة حالياً، وللوهلة الأولى هذه ظروف قادرة على تمكين إسرائيل من السعي نحو تسوية سياسية، ومحاولة إنهاء الحرب في الشمال خلال أسابيع، لكن أشك أن ذلك سيحدث في أرض الواقع”.
وكان هارئيل قد سبق وأن حذر، منذ عام، أن الحرب ستتصاعد وستطول وتنطوي على خطورة كبيرة، كونها بلا رؤية إستراتيجية، ودون تصور سياسي، ولاختلاط حسابات صنّاع القرار، وعلى رأسهم نتنياهو.. والآن يتضح أن التهديد في الشمال كان أشد وأعظم مما حصل في الجنوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقرير: مرزاح العسل