بينما تقف إسرائيل على «رجل ورُبع» في انتظار ردّ محور المقاومة على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، والقائد في «حزب الله» فؤاد شكر، يتخبّط المجتمع الإسرائيلي بين تقديرات أمنية وسياسية، تبدو أقرب إلى التكهّنات، وسط غياب معلومات دقيقة حول طبيعة الرد وحجمه وتوقيته.
ويفرض هذا الواقع نفسه على أجندة وسائل الإعلام الإسرائيلية، وعلى حياة المستوطنين، ونقاشات المستويين السياسي والأمني، في مصداق لتوصيف الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، الانتظار، على أنه «جزء من الرد». وعبّر أحد المستوطنين، في مقطع مصوّر من داخل منزله، عن الحالة التي يعيشها مئات الآلاف من أمثاله؛ إذ وقف أمام خزانة مملوءة بالمؤن والأغراض، قائلاً: «لقد قتلتنا يا نصر الله، لقد قتلتنا… انظروا، انظروا إلى خزانتي، لم يبقَ مكان في البيت. كل 10 دقائق أذهب وأشتري مزيداً من المؤن».
ويبدو أن حالة الانتظار أرهقت المستوطنين إلى تلك الدرجة التي باتوا يطلبون معها وقوع الردّ، وهو ما عبّر عنه المستوطن بالقول: «قتلتنا يا نصر الله، إن لم تضرب اليوم لا أعلم ما الذي سيحدث لنا… لا يصح هذا الأمر، اضربنا يا رجل». كذلك، امتلأت وسائل الإعلام الإسرائيلية ومواقع التواصل الاجتماعي بسيناريوات الردّ، وهو ما لخّصه مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة «معاريف»، آفي أشكنازي، بالقول إن «الاستخبارات الإسرائيلية تحاول خلق صورة حول الهجوم الإيراني وحزب الله، لا نهاية للسيناريوات: توغّل لقوات الرضوان، أم تنفيذ عملية في فنادق «إيلات»، إطلاق صواريخ من لبنان على أهداف إستراتيجية… معركة الانتظار تخدم المهاجم، والجمهور الإسرائيلي في حالة ضغط أمام قائمة انتظار طويلة.
لم تتبقّ للجمهور أظفار لقصها، (الوضع) يذكّر كبار السن بأيام الانتظار في عام 1967، المدة ما قبل حرب الأيام الستة». وأشارت «القناة الـ13»، بدورها، إلى أن «انتظار الرد من حزب الله وإيران مستمر ومثير للأعصاب»، بينما نقل موقع «القناة السابعة» عن مسؤول سياسي إسرائيلي قوله «إن ما تفعله إيران وحزب الله في هذه الأيام هو ضربة نفسية خطيرة لإسرائيل، وأنا أفكر في تناول الحبوب المهدئة أو المنومة».
ويأتي ذلك فيما يعترف عدد من مسؤولي دولة الاحتلال بعجز الأخيرة عن إيجاد إستراتيجية للتعامل مع التحدّي المتمثّل في إيران و«حزب الله»، وهو عبّر عنه، أمس الأول، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، الذي قال: «لا خطّة لدينا لمواجهة إيران، ونتنياهو متمسك بالبقاء في حكومته»، بينما قال العقيد احتياط في جيش العدو، كوبي ماروم، إن «الإيرانيين حققوا إنجازات قبل أن يطلقوا الصاروخ الأول: استنزاف وخوف في أوساط كثيرين من الإسرائيليين وضرر اقتصادي»، وإن «التصعيد في مواجهة إيران وحزب الله يوضح الحاجة الإسرائيلية الماسّة إلى العمل على عقد صفقة تبادل لحلّ المأزق الإستراتيجي في الشمال، وبناء تحالف مع الولايات المتحدة والدول العربية».
يواصل وزراء ومسؤولون يمينيون التحريض على توجيه ضربة استباقية إلى لبنان.
وفي خضمّ ذلك، يواصل وزراء ومسؤولون يمينيون التحريض على توجيه ضربة استباقية إلى لبنان. إذ نقلت صحيفة «معاريف» عن الوزير وعضو «الكنيست» السابق، أفيغدور كحالاني، قوله: «لو كان الأمر بيدي، لقصفت كل أنظمة المياه والكهرباء والاتصالات والجسور والمطار في بيروت». وهو ما انتقده مفوض شكاوى الجنود السابق، اللواء يتسحاق بريك، كونه سيشكل شرارة حرب إقليمية واسعة ستؤدي إلى تدمير «دولة إسرائيل بكاملها»، قائلاً: «لن نصمد في حرب إقليمية من دون دعم أميركي». وإزاء هذا التضارب في التقديرات، والذي يحفّه انعدام ثقة الإسرائيليين بقيادتهم، يبدو الأمر الوحيد المسلَّم به، هنا، هو أن الرد آتٍ على أي حال، وأنه سيكون «أقوى وأعمق وقاس بشكل غير مسبوق».
ومع التسليم بذلك، انتقل البحث إلى شكل الرد، والذي أشارت آخر التقديرات بخصوصه، وفقاً لما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، إلى أن «السيناريو الأسوأ لإسرائيل هو شن هجوم مزدوج من قِبل إيران وحزب الله اللبناني في آن واحد، بينما تقديرات الأجهزة الأمنية تشير إلى تضاؤل فرص الهجوم المزدوج، وأن ردّ إيران قد يتمثل في هجوم بمئات الصواريخ والمسيّرات، في حين أن حزب الله قد يوجه ضربات رمزية ضد أهداف تقع إلى الجنوب من حيفا». وتحدثت تلك التقديرات عن أن «حزب الله سيكون البادئ في الهجوم الذي قد يستمر ساعات أو أياماً، ويتوقع أن يكون هو الأوسع منذ انتهاء حرب عام 2006»، في حين قالت صحيفة «إسرائيل اليوم» إن «المستوى السياسي يوصي المستوى الأمني والعسكري بمحاولة عدم تصعيد الأمور نحو حرب شاملة في الوقت الراهن».
وبرز، في الأيام الأخيرة، التخوّف الكبير لدى إسرائيل من ردّ «حزب الله» على وجه الخصوص، لأسباب عدة تتعلق بالجغرافيا القريبة بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهو ما يعني سرعة وصول الصواريخ والطائرات المسيرّة إلى أهدافها، على عكس ما سيأتي من إيران البعيدة.
وفي هذا الإطار، تُجمع وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن «حزب الله حازم في شن هجوم أشد وأكبر ضد إسرائيل، وأنه مستعد لتحمل مخاطر وتبعات ذلك، ومن ضمنها اتساع القتال بينه وبين إسرائيل إلى حرب شاملة». وتشير التقديرات، وفقاً لـ «القناة الـ13»، إلى أن «حزب الله سيحاول استهداف مواقع عسكرية بسلاح لم يستخدمه ضد إسرائيل حتى اليوم»، وأن «هجومَي إيران وحزب الله سيكونان منفصلين، ولكن ستكون المدة قصيرة بينهما»، وأن «أنظار الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتجه نحو حزب الله في لبنان بالأساس، وذلك بسبب المسافة القصيرة، ما يجعل تحذير المستوطنين في مدة تسمح لقسم كبير منهم بالنزول إلى الملاجئ والأماكن الآمنة للاحتماء، صعباً».
أما عن الأهداف، فيقدّر الإسرائيليون أن «حزب الله سيوجّه صواريخه نحو أهداف عسكرية – من دون استبعاد انحراف الصواريخ وسقوطها في مناطق مدنية -، لكن ذلك لا يمس بالتزام الحزب بشن هجوم شديد». وذكر المحلّل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن «حزب الله قد يستهدف قواعد الجيش في الشمال، وربما يحاول استهداف منشأة أمنية في وسط البلاد، وهو من سيبدأ بالرد والضربة الأولى في الأيام المقبلة، وستكون الأهداف عسكرية وأمنية وليست مدنية».
وبخصوص الردّ الإيراني، تبدو التقديرات الإسرائيلية مشوَّشة جداً، إذ قالت القناة الرسمية الإسرائيلية إنه «في ما يتعلّق بإيران، فإن الأمور لم تتّضح بعد حول ما إذا كانوا قد اتخذوا قراراً بشأن الرد، وإلى أي مدى يعتزمون التصعيد في ظل مخاطر اندلاع حرب إقليمية واسعة».