قام العدو الصهيوني منذ يوم السبت الماضي بتنفيذ استهدافات مختلفة وبمستويات مختلفة، ولكنها جميعاً وإن كانت تدل على شيء، فهي تدل على حجم المأزق الذي وصل إليه الكيان العبري وإخفاقاته في الحرب على غزة. فهو لا يستطيع وقف الحرب، بقرار أحادي الجانب منه، ولا يستطيع الاستمرار بها فقد وصل إلى حد النهايات.
اقتصاده في حالة ركود، سعر عملته يتراجع، 44% من شركاته أغلقت، وسكانه المستعمرون يغادرون. ولذلك يلجأ كما يلجأ دائماً من أجل وقف الحرب إلى المزيد من ارتكاب المجازر وقتل المدنيين، أو بالتوجه نحو اغتيالات القيادات والقادة العسكريين من أجل التأثير على معنويات المقاومين ورفع معنويات جنوده، وما حدث منذ يوم السبت وحتى اليوم يقع ضمن هذا الإطار، خاصة وأنه يبدو أن رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، قد أخذ ضوءاً أخضراً فائق الإشعاع من جميع من التقاهم من القيادات الأميركية في واشنطن بعد خطابه في الكونغرس الأميركي.
في البداية نقف قليلاً عند الحادثة التي استخدمها كذريعة من أجل البدء القيام بسلسلة الاغتيالات والهجومات الإرهابية التي نفذها، مع العلم أن الذريعة التي اختبأ وراءها نتنياهو لتبدأ عاصفة الدعم الغربي الإعلامي له، كانت بحد ذاتها عملاً إرهابياً موصوفاً. فما حدث في مجدل شمس في السبت الماضي، القرية السورية الواقعة في الجولان المحتل، والتي يحمل سكانها الجنسية السورية حصرياً، مع أن كثيرين حاولوا الحديث عن مجدل شمس، مسقطين صفتها السورية، وتحدثوا عن أنها قرية عربية فقط، وهو أمر يثير الريبة.
وعندما بدأت عمليات المقاومة الإسلامية في الجولان السوري المحتل، أثارت حنق المحتل، ووقف عاجزاً إزاءها، كما وقف عاجزاً إزاء جميع العمليات العسكرية النظيفة الكف التي ضربت كيانه المرة تلو الأخرى دون أن تطال ما يسمى بالمدنيين الصهاينة وأطفالهم. وليستغل الهجوم الذي فبركه الصهيوني على أطفال مجدل شمس الذين يلعبون في ملعب لكرة القدم، وما حدث كان واضحاً كوضوح الشمس، ما ضرب الأطفال صاروخ من القبة الحديدية بإعتراف المسعف في نجمة داوود ونقله تلفزيون العربي، ولن نستغرب أن يكون الصهيوني قد وجه الصاروخ باتجاههم بشكل مقصود.
بالتأكيد لن يستطيع الكيان تنفيذ عملية كهذه بأولاده ليلقي التهم على المقاومة أو المقاومات، فالوقاحة لن تصل به ليقدم أطفال الصهاينة ككبش محرقة، فيما هو قادر على فعل ذلك بأبناء العرب من فلسطينيين وسوريين ولبنانيين خلال الأشهر التسع الماضية، تماماً كما قدم أسراه ككبش محرقة من أجل بدء حرب شعواء على قطاع غزة، حرب يخطط لها منذ زمن وجاءت عملية طوفان الأقصى لتفتح الباب أمامه على مصرعيه، فاستغل بذلك دم أبناء الجولان من أجل الثأر لأبناء المنطقة التي منحه إياه دونالد ترامب من خلال الاعتراف بأنه جزء من “إسرائيل”، مع أن الحقائق الثابتة على الأرض أنها أرض سورية محتلة، ومازال المجتمع الدولي يعترف بذلك.
استخدمت جريمة الجولان كذريعة صهيونية من أجل البدء بعملية الاغتيال للقادة وفي أماكن يفترض أنها محرمة دولياً، إلا إذا أراد الطرف المهاجم لها إعطاء الذريعة بشن الحرب. فالصهيوني بات بين فكي كماشة، ونحن هنا لا نتحدث عن نتنياهو وحكومته فقط، بل نتحدث عنه ككيان قائم، فلا هو قادر على وقف الحرب باتفاق مع حماس يرضي الطرفين، ولا هو قادر على الاستمرار ولن يكون الكيان بقادر على الاستمرار لأربعة أشهر أخرى حتى لو أرضعه الطعام والماء جميع أصدقائه وحتى المطبعين والمستسلمين بعمليات السلام منهم.
والكيان الصهيوني يريد الحرب الصريحة مع كل من إيران وحزب الله، فهو يعتبر أن قوة اليمن، ويستخدم دائماً وصفهم بالحوثيين ليحصر العمليات بفئة دون أخرى، كما يصف المقاومين بأنهم مقاتلين بالوكالة عن إيران، ومنهم بالتأكيد المقاومة الإسلامية في لبنان والحشد الشعبي في العراق وحماس في فلسطين. كلهم مقاتلين بالوكالة، وكما حول سوريا كلها لتابع للقرار الإيراني، وكأن الشعب اليمني والعراقي والفلسطيني والسوري على الحياد، والمطلوب ليس الإيهام بأن أهل هذه الدول على الحياد، بل هي رسائل أميركية صهيونية للغرب ومن معه.
ولذلك كانت الرسالة باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في إيران وفي ليلة حضور احتفال تتويج الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان، رسالة مزدوجة لكل من المفاوضين الفلسطينيين في قطر والقيادة الإيرانية، بأن نتنياهو لن يتفاوض مع حماس وأنه يعلن الحرب على القوة الداعمة لها.
وهي رسالة يتمنى من خلالها ثني المقاومين الفلسطينيين عن القيام بالعمليات البطولية والنوعية التي ينفذونها، وهذا لم يستطع الوصول إليه، وإرباك عملية التفاوض والمقاومة الإسلامية حماس وتشتيت صفوفها من خلال اغتيال قادتها السياسيين. ولأن ذلك حصل بالتزامن مع الضربات المتلاحقة للحشد الشعبي في بابل- العراق، واغتيال الشهيد القائد السيد فؤاد شكر (الحاج محسن)، الذي سبق اغتيال السيد هنية بساعات فقط. وهي رسائل حملتها السفيرة الأميركية في لبنان إلى زوارها، والتي أخبرتهم أن “إسرائيل” تعتبر أنها قد ردّت على حادثة مجدل شمس، وأنها تكتفي بهذا القدر، ولكن هل سيكتفي المحور فيه؟ هذا هو السؤال المركزي!
في النهاية، إذا اكتفى المحور فستعتبر “إسرائيل” أنها خرجت منتصرة، وأنها كانت قادرة على فرض الردع بأمه وأبيه، وهذا ما يحتاجه الكيان في المرحلة الحالية ليسجل انتصاره المبدئي، ولكن القرار ليس عنده وحده، بل يقرره السيد حسن نصر الله، وهو جزء من القرار، ولكنه سيأتي منسجماً مع الدول الأربع التي تلقت الضربات ومتكاملاً، وعلينا هنا ألا ننسى ان لليمن ثأراً، بعد قصف خزانات الوقود في مرفأ الحديدة، والذي كان ضحيته مدنيين وأطفالهم، وهو ثأر آت.
بالتأكيد الموقف الإيراني جاء على لسان أهم الشخصيات الإيرانية، ومنها القائد السيد علي الخامنئي الذي اعتبر: “من واجبنا الثأر لدماء الشهيد هنية، الذي استشهد على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية”. فيما تعهد الرئيس بزشكيان بأن إيران ستجعل الغزاة يندمون على أعمالهم الجبانة، وأنه: “بات من الواضح أهمية اتخاذ خطوات من العالم وخاصة الدول الإسلامية لمواجهة هذا الكيان المحتل والمجرم”. والواضح أن ما يريده الصهاينة هو دفع باتجاه حرب يدعمها الأميركيون، وبالتالي يقفون معهم فيها، بعد استفزاز محور المقاومة.
يعرف الصهاينة، الذين يدفعون المحور نحو استهداف المدنيين من أجل التشكيك بنظافة كفهم، حتى مراسل “فوكس نيوز” في تل أبيب، تري ينغست، خلال تقريره مساء عملية الاغتيال للشهيد هنية، أكد أن كلاً من حزب الله وحماس خلال التسعة أشهر الماضية لم يستهدفا مدنيين وإنما مواقع عسكرية وعسكريين، ولذلك فبالتأكيد هو يشكك باستهداف حزب الله لأطفال سوريين في الجولان، ولكنه يضع الإستهداف في دائرة كونهم من الطائفة الدرزية، هكذا يلعب الصهيوني في القضية الأساس التي أشعل من خلالها سلسة الرد بالاغتيالات، وسلسلة تبييض ماء وجهه الذي تفحم سواداً بحجم الخسائر التي تكبدها يتكبدها في الميدان حتى اليوم.