اخترقت شركة “دالِت” (Dalet) الإسرائيلية جميع القنوات التلفزيونية العربية دفعة واحدة، عندما ربط “اتحاد إذاعات الدول العربية” (ASBU)، التابع لجامعة الدول العربية، شبكته السحابية (ASBU Cloud) مع الإسرائيليين.
وأطلق الاتحاد (مقره تونس)، العام الماضي، مشروع “شبكة سحابية” تربط كل أعضاء الاتحاد بعضهم ببعض، يتبادلون عبرها الصور وأشرطة الفيديو والنصوص والكثير من التطبيقات والخدمات في مجال المعلوماتية.
وتتكون الشبكة من خوادم (Servers) على الشبكات السحابية العالمية ووصلات إنترنت، تجري عبرها فهرسة الخلاصات والملفات المستلمة بواسطة خدمات الذكاء الاصطناعي، وتوحيد أجهزة التخزين المركزي (Data Center) حيث تخزّن البيانات والمعلومات، وتوحيد أجهزة الاتصال الصوتي.. وكل هذا ينتهي لدى شركة “دالِت” الإسرائيلية المنتجة لأنظمة التكنولوجيا.
وتُعد الشركة الإسرائيلية واحدة من ثلاث شركات رئيسية تعمل في مشروع ASBU Cloud، و”تساعد” القنوات الإعلامية على إدارة أصولها الإخبارية وإنشاء المحتوى البصري والسمعي وأنظمة الأرشفة والتبادل.
ويشير الموقع الإلكتروني لشركة “دالِت” إلى أنها تأسّست عام 1993 على يد الأخوَين سلومون وميشال الحداد، وديفيد لسري، في منطقة بئر السبع، جنوبي فلسطين. ولا يزال هذا الثلاثي يتولّى إدارتها. وفيما يهتم لسري بفرع فرنسا، يهتم الأخَوان حداد بإدارة مركز البحوث والتطوير الرئيسي في بئر السبع.
ويحلم الأخوان حداد، كما ورد في أحد النصوص التعريفية على حسابهما بمنصة “لينكد إن”، “بتأسيس مجتمع، يكون مسؤولًا عن معيشة وحياة مئات الأشخاص على مرّ السنين. ليس فقط أيّ مجتمع، بل مجتمعٍ صهيوني يُنتج منتجات تكنولوجية في إسرائيل ويبيعها لكبار العملاء في الخارج”.
وهذا تمامًا ما حصل مع الجامعة العربية التي انضمّت إلى لائحة عملاء الشركة في الخارج، وباتت جزءًا من المساهمين في دعم اقتصاد “إسرائيل” والمجتمع الذي يحلم الأخوان حداد في تأسيسه. كما وضعت “دالِت” تعاون الاتحاد معها في خانة “الثقة”، وفي منشور لها قالت: “نشعر بالفخر كوننا جزءًا من مشروع (ASBU Cloud) الاستراتيجي لتعزيز عملياته وجعله أكثر مرونة”.
ويستخدم العاملون في الاتحاد وفي وسائل الإعلام الرسمية في الدول العربية، منذ مطلع أيار 2023، وبموجب هذا المشروع، نظام “دالِت” على حواسيبهم في مراكز العمل أو على أجهزتهم الخاصة من حواسيب وأجهزة خلوية، لتبادل الملفات وتحريرها.
وبما أن الولوج إلى الـ”System” يتطلّب إدخال اسم المستخدم (Username) وكلمة مرور (Password) والبريد الإلكتروني (email)، فإن كل هذه المعلومات متاحة للشركة الإسرائيلية التي تملك النظام ومفاتيحه وبرامجه، ما يمكّنها من القدرة على المراقبة والاختراق بسهولة.
وبحسب معلومات نشرتها صحيفة “الأخبار اللبنانية”، فإن من بين موظفي الشركة الإسرائيلية ضباطًا وجنودًا من صفوف الاحتياط في جيش الاحتلال الاسرائيلي ممن انخرطوا في حرب الإبادة الدائرة في قطاع غزة. ومنهم من يشيرون بوضوح في خانة التعريف عنهم إلى وظائفهم السابقة في وحدة الاستخبارات “8200” السيئة السمعة التابعة للموساد.
يُذكر أن اسم الشركة Dalet، ويعني حرف «دال» بالعبرية ويُلفَط “دالِت”، هو نفسه الذي اعتمدته منظمة “الهاغاناه” الصهيونية لتهجير الفلسطينيين من ديارهم عام 1948، باسم الخطة “د”.
وتفاخَر مدير المعلوماتية في الاتحاد، سالم الزعبي، بتحوّل نظام Dalet إلى “العمود الفقري لسلسلة توريد الوسائط الرقمية لـ ASBU Cloud”، علمًا أن الزعبي، بحكم منصبه، هو المسؤول الأساسي عن ضمان أعلى مستوى لحماية المعلومات والأمن الشخصي للعاملين على المنصة.
وتتوزّع المسؤوليات في الاتحاد بين رئيسه عبد الرحيم سليمان، من السودان، مرورًا باللجنة الهندسية المعنية بالمشروع التي يرأسها وكيل وزارة الإعلام الكويتية، ناصر أحمد محيسن، ونائباه، الأول مدير الإدارة الإعلامية بهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية، موفق بن فواز الشمري، والثاني مدير إدارة تكنولوجيا البثّ بشركة أبو ظبي للاعلام، عبد الله عمر الهاشمي.
وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بلغ عدد المسجلين على الشبكة السحابية، وضمنًا على نظام “دالِت”، نحو 150 موظفًا من التلفزيونات والإذاعات الرسمية، وفقًا لأرقام “اللجنة الدائمة للشؤون الهندسية في الاتحاد” التي كشفت، أيضًا، أن حصيلة التبادلات على الشبكة حتى آب 2023، بلغت 60% من إجمالي التبادلات التلفزيونية، و83% في ما خصّ التبادل الإذاعي.
وتتباين المواقف والاتجاهات داخل الإعلام العربي بشأن القضية الفلسطينية، حيث يصطف بعضه تحت راية “المطبّع مع العدو”، بينما يتبنى البعض الآخر “المقاومة بكافة أطيافها ومسمياتها”.
ويظهر أن الاتجاه المطبّع، عبر تحليل تطوّر الخطاب الإعلامي، بدأ يتبنى هذه السياسة منذ زمن، حيث استخدمت بعض الوسائل الإعلامية العربية تبريرات دينية أو قومية لتبرير التطبيع مع العدو الإسرائيلي، متواطئين معه في الإبادة الجماعية بقطاع غزة.
ويتبدل هذا التوجه الإعلامي، مع تغير الأحداث والتطورات السياسية في المنطقة، ووفق الظروف التاريخية، منذ نشأة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وحتى الواقع الحالي. ويُعدّ ما فعله “اتحاد إذاعات الدول العربية” أمرًا من اثنين: إما انعدام مسؤولية أو تواطؤ ضد دولٍ عربية لم تغرّد بعد مع سرب المطبّعين، كلبنان وسوريا وتونس والعراق والجزائر.
وفي ما يتعلق بلبنان الذي يتعرض لاعتداءات متواصلة من العدو الإسرائيلي، يفترض أن يتعامل بحرص شديد تجاه كل ما يتّصل به من شركات وبرامج وأجهزة وتطبيقات، ولا سيما أنه يتعرّض لحرب استخبارية سيبرانية على أكثر من مستوى، فيُنتظر من الحكومة اللبنانية ووزير الإعلام التواصل مع الاتحاد من أجل وقف المشروع أو الانسحاب منه.
يُذكر أن “اتحاد إذاعات الدول العربية” (ASBU)، إحدى مؤسسات العمل العربي المشترك، قد أُنشئ عام 1969 لتنمية التعاون العربي في الحقل الإذاعي والتلفزيوني. وهو بمثابة مظلة تجمع الإذاعات والتلفزيونات الرسمية العربية وعددًا من القنوات الخاصة ووكالات أجنبية ناطقة بالعربية، ويوفر لأعضائه التدريب الإذاعي والتلفزيوني والتبادل الإخباري والبرامجي والرياضي، وتغطية الأحداث الكبرى في المنطقة العربية وخارجها، إضافة إلى خدمات استشارية.