في الماضي، لم تكن البحرية الصينية قوة بحرية كبيرة، لكنها اليوم تُعتبر المقياس الذي تقيس به الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى قوتها البحرية عليه. وشهدت السنوات العشرين الماضية تحديداً، توسعاً سريعاً في حجم وقدرات البحرية الصينية؛ إذ يشير العدد الإجمالي للسفن ونوعها ومهامها إلى أن البحرية الصينية تشكل تهديداً قوياً في أي صراع محتمل مع الولايات المتحدة، كما يقول تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
وتقر واشنطن بأن تطور البحرية الصينية وتوسعها يتسارع بشكل لم يتخيله أحد، حيث يقول تقرير صادر عن مركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية (CSBA) المتخصص في سياسة الدفاع الأمريكية وتخطيط القوة والميزانيات في عام 2022، إنه يمكن أن تدخل بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني عدداً أكبر من السفن الحربية في الخدمة، مما كان متوقعاً.
ويقول التقرير إنه بحلول عام 2030 يمكن أن تمتلك البحرية الصينية 10 غواصات للصواريخ الباليستية، و5 حاملات طائرات على الأقل، ناهيك عن مئات القطع البحرية التي تجاوزت ما لدى البحرية الأمريكية.
ما تأريخ البحرية الصينية؟
كان الجزء الأكبر من تاريخ الصين العسكري يتركز على الصراعات القارية مع الدول المجاورة العدوانية أو صد الغزوات البحرية. ونادراً ما اُعتبرت البحرية في الوعي القومي الصيني أكثر من مجرد حاجز لصد من يهاجمون من البحر. ولكن بداية من ثمانينيات القرن العشرين، بدأت المفاهيم تتغير مع سعي البحرية الصينية إلى التحديث والتحول إلى قوة حقيقية في القرن الحادي والعشرين.
وساعدت صفقات التكنولوجيا مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى في تطوير أنظمة بحرية حديثة بينما بدأت القيادة الصينية في التركيز بشكل أكبر على ضرورة بناء قوة بحرية متمكنة.
وأدلى الرؤساء الصينيون، من دنغ شياو بينغ في الثمانينيات، وهو جين تاو في أوائل الألفينيات وحتى شي جين بينغ في الوقت الحاضر، بتصريحات بدرجات متفاوتة لدعم بناء القوة البحرية الصينية، ونجح جهاز الدولة بوضوح في تحقيق هذه الطموحات.
التركيز على زيادة السفن
سيطرة الدولة المركزية تعني أن القدرة الإنتاجية توضع، حيث الحاجة إليها، وعند الحاجة إليها، وقد أفادت البحرية الصينية إفادة كاملة من هذا. في أوائل الألفينيات، كانت البحرية الصينية تتألف من حوالي 220 سفينة.
وعام 2022، تفوقت على الولايات المتحدة ولديها الآن ما يزيد عن 350 سفينة قابلة للعمل مقابل 296 سفينة في البحرية الأمريكية. كان هذا النمو في الإنتاج مذهلاً، فقد التزمت الصين ببناء أكثر من 20 سفينة سنوياً، وهو معدل قال نائب الأدميرال الألماني شونباخ إنه يشبه “زيادة حجم قواتها البحرية بما يعادل البحرية الفرنسية بأكملها كل 4 سنوات”.
وصحيح أن هذا عدد هائل حقاً من السفن على مستوى العالم، تجدر الإشارة إلى أنه لا يرتبط بالضرورة بقدرات البحرية الزرقاء (قوة بحرية قادرة على العمل دولياً) ارتباطاً مباشراً. والكثير من هذه السفن من طراز كورفيت 056، المصممة بشكل أساسي للعمليات الساحلية.
وزادت الصين قدرتها التشغيلية بعيدة المدى أيضاً بحاملة الطائرات لياونينغ- وهي حاملة طائرات مكتملة جزئياً من طراز كوزنيتسوف اشترتها من أوكرانيا في أواخر التسعينيات- عام 2016، وأعقبتها ببناء حاملة الطائرات شاندونغ المحلية.
تمثل هذه الحاملات الإنتاجات الأولى في الطيران البحري في البحرية الصينية، وسيحتاج الصينيون بلا شك إلى بعض الوقت ليصبحوا ماهرين في استخدامها؛ ومع ذلك، فهي خطوة مهمة في جعل البحرية الصينية منافساً قوياً للدول الغربية.
كيف عملت البحرية الصينية على مضاعفة قدراتها؟
وبالإضافة إلى زيادة السفن، تزيد الصين من قدراتها أيضاً. فعام 1996، كانت 3 فقط من 57 مدمرة وفرقاطة صينية تتمتع بقدرات مضادة للطائرات، وكانت معظم غواصاتها الهجومية مبنية على تصميمات سوفييتية تعود إلى خمسينيات القرن العشرين. وبين عامي 2010 و2017، صنفت مؤسسة RAND السفن الصينية على أنها تتحسن من 50% إلى أكثر من 70%.
وخلال العقود القليلة الماضية، أضافت البحرية الصينية سفن تجديد المؤن والوقود، وسفينة هجومية برمائية، وسفينة مستشفى إلى أسطولها. وأظهرت قدرة محدودة في العمليات الخارجية عام 2009 حين أرسلت عدة مجموعات عمل مع ناقلات النفط الداعمة إلى خليج عدن للمشاركة في مهام مكافحة القرصنة.
وعلى المدى القريب، يمكن للجيش الصيني أن يواصل بناء مجموعة من المنصات الكبيرة للعمليات الكبرى، بما في ذلك حاملات الطائرات والطرادات والمدمرات والسفن اللوجستية والقاذفات الاستراتيجية وطائرات النقل والتزود بالوقود الاستراتيجية.
ومن التطورات التكنولوجية الأخرى تحقيق إنجازات كبيرة في الصواريخ المضادة للسفن، سواء كانت كروز أو باليستية. وهذه الأسلحة مصممة خصيصاً لمنع وصول القوات الأمريكية إلى المنطقة في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، وهما نقطتان محتملتان لصراع مستقبلي.
وعلى الرغم من أنه ليس بالضرورة أن يكون ذلك مؤشراً دقيقاً تماماً لما سيكون عليه هيكل القوة المستقبلية للجيش الصيني بالضبط، بعد 6 سنوات من الآن، فإن الأمريكيين يحذرون من سرعة توسع البحرية الصينية. حيث يدعو الخبراء البحرية الأمريكية إلى أن تحتفظ بتفوقها تحت الماء، رغم براعة الصين النوعية والعددية المتزايدة فوق الماء، وهي ميزة يمكن أن تكون حاسمة في المستقبل القريب.