في مارس 2015، عندما غزت الدول العربية بقيادة السعودية اليمن، لم يتخيل سوى القليل من الناس أن يأتي الوقت الذي يصطف فيه حلفاء التحالف أمام بعضهم البعض، لكن الآن، بعد 9 سنوات من هذه الحرب، لقد أصبحت هذه القضية حقيقة واقعة، والإمارات، التي جعلت جنوب اليمن جزءا من ممتلكاتها لسنوات، لا تريد تقاسم هذه المناطق مع شقيقها الأكبر، وتلجأ إلى أي تكتيك لإخراج السعوديين من اليمن.
ولقد أظهر تحقيق جديد لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن الإمارات جندت أعضاء سابقين في تنظيم القاعدة ومرتزقة أمريكيين واستخدمتهم لتنفيذ اغتيالات سياسية في اليمن، وفي هذا الصدد، كشف أحد المبلغين عن أسماء 11 عنصراً سابقاً في تنظيم القاعدة، قيل إنهم يتعاونون مع المجلس الانتقالي الجنوبي، ويعرض هذا الفيلم الوثائقي وثائق قضائية مسربة تفيد بأن أحد أعضاء تنظيم القاعدة قال إن ضباطًا إماراتيين عرضوا عليه إطلاق سراحه من السجن مقابل القيام بعمليات اغتيال.
وقالت مصادر لبي بي سي إن ناصر الشيبة، وهو ناشط سابق رفيع المستوى في تنظيم القاعدة يشتبه في تورطه في الهجوم على المدمرة الأمريكية كول في عام 2000 والذي قتل فيه 17 أمريكيا، هو الآن مع إحدى وحدات المجلس الانتقالي الجنوبي، وفي هذا التقرير، أكد أيضًا اثنان من موظفي شركة الأمن الأمريكية Spear Operations Group أن الإمارات استأجرتهما لتنفيذ عمليات قتل مستهدفة في اليمن.
نفى عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ادعاء تورط تنظيم القاعدة في قواته العسكرية، وتم التوصل إلى الاتفاق بين Spear وقادة الإمارات خلال اجتماع في أبو ظبي حضره أبراهام جولان، المؤسس الإسرائيلي المجري لشركة Spear ، وكذلك محمد دحلان، السياسي الفلسطيني السابق ومستشار محمد بن زايد حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة.
تاريخ سياسة الإرهاب الإماراتية في اليمن
إن لجوء الإمارات إلى الاغتيالات في اليمن أمر غير مسبوق، وقد لجأت هذه الدولة في السنوات الأخيرة إلى هذا الأسلوب من أجل تنفيذ مخططاتها، وفي فبراير من العام الماضي، كتب مركز الأبحاث الاستراتيجية “هنا عدن” في تقرير له أن الإمارات تواصل تنفيذ عمليات اغتيالات متسلسلة في محافظة عدن من خلال استئجار المرتزقة، واستهدفت عملية الاغتيال المئات من الشخصيات من أئمة مساجد وعلماء ودعاة عدن، إضافة إلى قادة عسكريين ومسؤولين أمنيين وقضاة وناشطين وسياسيين وخبراء، وحسب هذا التقرير فقد تم تنفيذ 400 عملية اغتيال في محافظة عدن خلال الأعوام الماضية، ولم يتم اتخاذ أي إجراء لمتابعة هذا الأمر.
وكشف تحقيق أجراه Buzz Feed في عام 2018 أن الإمارات استأجرت مرتزقة لاغتيال أعضاء بارزين في حزب الإصلاح، وهو فرع من جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وتضمن التقرير لقطات مسربة من طائرة دون طيار لمحاولة فاشلة في ديسمبر/كانون الأول 2015 لقتل عضو حزب الإصلاح إنصاف علي مايو وكل من في مكتبه، وفي فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، اعترف إسحاق غيلمور، ضابط البحرية الأمريكية السابق، بأن مايو كان من بين الأسماء المدرجة في “قائمة القتل”.
وكان تنظيم القاعدة في اليمن من الجماعات الإرهابية التي كانت محط اهتمام المعتدين في اليمن في العقد الماضي، وكان تنظيم القاعدة في اليمن دائمًا في حالة حرب مع القوى المحلية في العقدين الأخيرين، وقبل بدء غزو التحالف السعودي لليمن، كان في حالة حرب مع الحكومة المركزية، ومن وقت لآخر نفذ هجمات على القوات الحكومية، ومع بداية الحرب، اتجه تنظيم القاعدة، الذي كان يعتبر أنصار الله عدوا له، نحو السعودية والإمارات من أجل احتلال أجزاء من اليمن بمساعدة هذه الدول وإنشاء قاعدة له.
وفي السنوات الأخيرة، استخدمت السعودية، والإمارات، جماعات القاعدة لمواجهة قوات أنصار الله من أجل احتلال هذا البلد وإزاحة أنصار الله عن السلطة في اليمن، وفي سبتمبر/أيلول 2020، أعلن صلاح بن لغبار، أحد قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، على صفحته في تويتر، وصول خالد باطريفي، زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي في جزيرة العرب، إلى محافظة المهرة شرق البلاد، لمساعدة الجيش السعودي، في صراعات مأرب عام 2020، وعندما حقق أنصار الله نجاحاً في هذه المحافظة، استخدمت السعودية قوات القاعدة لإبطاء تقدم أنصار الله.
المواجهة بين الإمارات والسعودية في جنوب اليمن
إن استخدام تنظيم القاعدة لاغتيال شخصيات سياسية من حزب الإصلاح تربطها علاقات وثيقة مع السعودية هو بمثابة إعلان حرب على حليف سابق، وأقام حزب الإصلاح علاقات وثيقة مع السعودية، ومنذ بداية الحرب حول مدينة مأرب إلى مركز للجماعات ووكر استخباراتي للسعودية ودول أجنبية أخرى، وحسب تقرير نشرته شبكة “المسيرة” في يونيو/حزيران من العام الجاري، فإن حزب الإصلاح بالتعاون مع السعودية يقوم بسجن وتعذيب معارضين سعوديين.
وكذلك من خلال تدريب عصابات تجسس واستخدام عصابات لعرقلة حركة وطرق المسافرين وخطفهم مقابل تبادلهم مع أسرى الحرب، ولذلك فإن اغتيال قيادات جماعة الإخوان المسلمين في اليمن هو أكثر من مجرد مواجهة مع هذا الاتجاه السياسي، فهو محاولة لتضييق موطئ قدم السعودية ويظهر أن أبو ظبي قد لوحت بسيفها في وجه الرياض.
وبالإشارة إلى المثل الشهير القائل “لا يوجد ملكان في منطقة واحدة”، تحاول الإمارات استقطاب المرتزقة والشبكات الإرهابية المتمركزة في اليمن من خلال دفع أموال النفط والضغط على السعودية لمغادرة اليمن والسيطرة على المناطق الجنوبية من اليمن وحدها، وخاصة عدن، لأن السعودية تتدخل في تنفيذ مخططات أبوظبي.
والمناطق الجنوبية من اليمن، بما فيها محافظتا حضرموت والمهرة وجزر سقطري، غنية بالطاقة والموارد الجوفية، وقد شحذت الإمارات مخالبها وأسنانها للاستيلاء عليها، بل إنها مستعدة للقتال مع شقيقها الأكبر لنهب هذه الموارد، ويقصد بها المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو المنفذ لأوامر أبوظبي، وتمتلك السعودية حاليا محافظتي حضرموت والمهرة الغنيتين بالنفط جنوب اليمن، وقد كسبت أكثر من 15 مليار دولار من بيع موارد الطاقة اليمنية، وتحاول الإمارات ضم هاتين المحافظتين أيضا.
السعودية التي قادت التحالف العربي ضد اليمن، تعتبر نفسها صاحبة الحق في الماء والطين في اليمن، ولا تقبل أن دولة صغيرة مثل الإمارات تريد خلق المشاكل لها، والسعودية التي بدأت عملية محادثات السلام وإيجاد حل لإنهاء الصراعات مع حركة أنصار الله منذ العام الماضي، أصبحت غير مبالية بشمال اليمن الواقع تحت سيطرة أنصار الله، ولذلك تحاول تثبيت نفسها على الأقل في جنوب اليمن، لأنه مع التطورات التي حدثت في البحر الأحمر، أصبحت المناطق الجنوبية من اليمن أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة للسعودية والإمارات العربية المتحدة، وتحاولان إخضاعها لسيطرتهما بأي طريقة ممكنة.
وقُتل في السنوات الأخيرة مرتزقة السعودية وأبو ظبي في مناطق متفرقة باليمن، حيث قُتل المئات من الجانبين، وفي 2019، وحسب اتفاقيات الرياض، كان من المفترض أن تضعا خلافاتهما جانباً وتتعاونا، لكن الإمارات لم تلتزم بهذا الاتفاق وحاولت بشتى الطرق استبعاد السعودية من التطورات في جنوب اليمن.
الفجوة بين السعودية والإمارات في اليمن لمصلحة أنصار الله لتتمكن من استغلال هذه الفرصة لطرد الغزاة من البلاد إلى الأبد، والآن أصبح لأنصار الله اليد العليا في التطورات الميدانية، ومع العملية الأخيرة في البحر الأحمر ضد النظام الصهيوني وحلفائه الغربيين، أصبح لديهم الاستعداد والقوة اللازمة لمعاقبة الغزاة.
وحذر قادة صنعاء مرارا وتكرارا من أنهم لن يسمحوا للسعودية والإمارات بالغزو، وإذا واصلوا مغامراتهم فإن اليمنيين سيلجؤون إلى القوة لطرد المعتدين، وحاليا، أنصار الله يصنعون السلام مع السعودية والإمارات، لكن مع استمرار الاحتلال في جنوب اليمن، سيحدثون تغييرات في سياساتهم لن تكون سارة لأبو ظبي والرياض.
التنافس بين السعودية والإمارات في جنوب اليمن هو في حين ادعت هاتان الدولتان أنهما هاجمتا البلاد لخلق الأمن واستعادة السلطة من أنصار الله، ولكن مع مرور 9 سنوات من الاحتلال، ليس فقط لا يوجد أمن في هذه المناطق، لكنها أصبحت غير آمنة أكثر مما كانت عليه قبل الحرب.
ولهذا السبب ليس لدى شعب الجنوب نظرة إيجابية تجاه الغزاة، كما أن الحكومات المحلية المدعومة من المملكة العربية السعودية وأبو ظبي ليس لها أي شرعية بين سكان الجنوب وهذا يظهر أن كل خطط التحالف السعودي باءت بالفشل، هذا فيما تتمتع المناطق الشمالية من اليمن الخاضعة لسيطرة أنصار الله بسلام وأمن نسبيين، ورغم المشاكل الاقتصادية والمعيشية إلا أن هذه الحركة تمكنت من كسب حب الشعب اليمني.