قالت وسائل الإعلام الأمريكية، نقلاً عن مسؤولين مطلعين في الولايات المتحدة، إن إدارة الرئيس جو بايدن تعتزم إعادة إدراج حركة أنصار الله اليمنية في القائمة السوداء بسبب دعمها لغزة في مواجهة النظام الإسرائيلي، ونقل موقع بوليتيكو عن مسؤولين أمريكيين أنهم أشاروا إلى أن إدارة جو بايدن ستُدرِج اسم حركة أنصار الله اليمنية مرة أخرى في قائمتها الإرهابية المزعومة.
وهذا القرار يأتي نتيجة للعمليات الأخيرة التي نفذتها الحركة ضد سفن النظام الإسرائيلي ومصادر سفن الصهاينة في البحر الأحمر، وبعدها أعلنت الولايات المتحدة حركة أنصار الله اليمنية منظمة إرهابية بناءً على استمرار الهجمات الانتقامية ضد سفن الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر، في إطار الحرب الهمجية الإسرائيلية على غزة والشعب الفلسطيني بدعم أمريكي.
قرار داعم للكيان الإسرائيلي
كانت حركة أنصار الله قد دخلت ما تسمى “قائمة الإرهاب” الأمريكي في العام 2020، لكن إدارة بايدن قامت بإزالتها من القائمة بعد توليها المسؤولية في يناير 2021، وهو قرار أثار الكثير من التساؤلات حينها، ومنذ عام 2015، شكّلت حركة أنصار الله في اليمن قوة فاعلة، وخاصة بعد فرار الحكومة المدعومة من بعض الدول وتشكيل التحالف الوطني مع حكومة الإنقاذ وجماعات وأحزاب يمنية أخرى، وعلى مدى ثماني سنوات، قاومت أنصار الله العدوان على اليمن، وعلى الرغم من ادعاءات البعض، فإنها تمكنت من الصمود والبقاء في السلطة.
ومع بدء الحرب على غزة ووصولها إلى يومها الـ103، أعلن الجيش اليمني دعمه لغزة، معلناً استهداف السفن الإسرائيلية والسفن غير الإسرائيلية التي تعمل لمصلحة تل أبيب، مشروطاً ذلك بانتهاء الحرب على غزة ورفع الحصار الذي فرض على هذه المنطقة بشكل غير مسبوق، وفي حادثة أخيرة، نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هجومًا صاروخيًا على مواقع في عدة محافظات يمنية يوم الجمعة الماضي، وذلك كدعم للنظام الإسرائيلي، واشتد التوتر في البحر الأحمر في الأيام الأخيرة، وأكدت حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية تصاعد عملياتها الانتقامية.
وقد أعلنت الولايات المتحدة إدراج الحوثيين اليمنيين في قائمة الكيانات “الإرهابية” نتيجة هجماتهم المتكررة على الملاحة الدولية في البحر الأحمر حسب زعمها، لأن المتضرر الوحيد هو الكيان الإسرائيلي ومن خلفه البريطانيين والأمريكيين، وفي بيان صدر عن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية تصنيف حركة أنصار الله المعروفة باسم الحوثيين ككيان إرهابي عالمي، معتبِرةً ذلك تصنيفاً خاصاً سيبدأ النفاذ من تاريخ 30 يومًا من اليوم.
وتحدث بلينكن قائلاً: “يجب محاسبة الحوثيين على أفعالهم، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب المدنيين اليمنيين”، وأشار إلى أنه خلال فترة الـ30 يومًا، ستقوم الحكومة الأمريكية بجهود تواصل قوية مع أصحاب المصلحة ومقدمي المساعدات والشركاء الذين يلعبون دورًا حاسمًا في تسهيل المساعدات الإنسانية واستيراد السلع الأساسية في اليمن، في وقت تتعامل فيه حكومة الولايات المتحدة بطريقة إجرامية مع الوضع في غزة والذي تخطى عدد شهدائها 24 ألفا وجرحاها 60 ألفا.
ونتيجة لدعم أنصار الله الشعب الفلسطينيّ الأعزل ومساندته للضغط على تل أبيب وداعميها لوقف العدوان، ادعى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جايك سوليفان، أن التصنيف “أداة مهمة لعرقلة التمويل الإرهابي للحوثيين وزيادة تقييد وصولهم إلى الأسواق المالية ومحاسبتهم على أفعالهم”، مضيفا “إذا أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن، ستعيد الولايات المتحدة تقييم هذا التصنيف على الفور”.
وتوازيا مع الموقف الأمريكيّ رحّبت حكومة المرتزقة المدعومة من الخارج بقرار الولايات المتحدة اليوم بتصنيف الحوثيين في اليمن “جماعة إرهابية عالمية”، زاعمة في بيان نشرته وزارة الخارجية أن القرار “يأتي استجابةً لمطالبة الحكومة المستمرة للمجتمع الدولي بالتحرك الجاد لحماية الشعب اليمني من بطش هذه الميليشيات وإرهابها وتبني مبادرات السلام، بما في ذلك خريطة الطريق المقترحة من أجل تحقيق السلام في اليمن والمنطقة والحفاظ على أمنها واستقرارها”.
استراتيجية أمريكية واضحة
من الواضح أنّ إدراج حركة أنصار الله على قائمة الكيانات “الإرهابية” للولايات المتحدة يأتي في سياق استراتيجية واشنطن للضغط على انصارالله لردعهم عن مساندة فلسطين وشعبها، والتي تشمل تنفيذ أعمال عسكرية ضدهم، وفي أول رد فعل على القرار الأمريكي، تشير أنصار الله إلى أن هذه الخطوة “لن تؤثر على موقفهم، وستستمر الهجمات على السفن المتجهة إلى إسرائيل”.
وعلى مدار الفترة الأخيرة، نفذت الجماعة حوالي 29 هجومًا ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن منذ 19 نوفمبر الماضي، وتضمنت هذه الهجمات إصابات في سفينة نرويجية وأمريكية ويونانية، إلى جانب حالات قرصنة، مثل احتجاز سفينة “غالاكسي ليدر”، وتحويلها إلى مرفأ لأتباع الجماعة، وذلك ردا على الهجمات الإسرائيليّة الإبادية ضد غزة.
إنّ قرار إدراج جماعة أنصار الله على قائمة “التنظيمات الإرهابية الأجنبية” كان متوقعا من الداعم الأكبر لتل أبيب، وجاء هذا الإعلان بعد أيام من شن الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات جوية على مواقع تابعة للحوثيين، بهدف التصدي لقدرتهم على تعريض حرية الكيان للخطر وتهديد تجارة الدول الداعمة للإرهاب، ويأتي هذا الرد العسكري بسبب سلسلة من الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر، كرد على الضربات الإسرائيلية على غزة.
وقد قامت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بتصنييف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية نظرًا لما قالوا حينها إنها اعتراضات قوية من قبل جماعات حقوق الإنسان على تصرفاتهم، ورغم ذلك، قررت إدارة الرئيس جو بايدن في بداية فترتها حذف اسم الحوثيين من القائمة، خشية أن يؤثر ذلك سلبًا على آفاق محادثات السلام، وقد تسبب ذلك في تفاقم الوضع الاقتصادي في اليمن الذي يواجه خطر المجاعة.
ورغم جدل مؤيدي العقوبات الذين يرون أنه يمكن وضع آليات لاستثناء المساعدات الإنسانية والغذائية، تعبر منظمات الإغاثة عن قلقها من أن مخاوف من انتهاك اللوائح الأمريكية قد تثني الشركات والبنوك والجهات الفاعلة الأخرى عن توجيه المساعدات إلى اليمن، ويعتمد اليمن بنسبة 90٪ على وارداته من الخارج، وتشكل هذه الخطوة تحديًا إضافيًا في ظل تدهور الوضع الإنساني في البلاد، وإن تعامل البيت الأبيض مع التهديد المستمر الذي يشكله الحوثيون في اليمن ضد السفن التجارية الداعمة للإرهاب الإسرائيلي في البحر الأحمر يعتبر مشكلة كبيرة في السياسة الأمريكية، ويتعين على الولايات المتحدة وحلفائها تغيير شعاراتهم التي باتت متكررة لعقود، فكل من يخالف الإدارة الأمريكية هو إرهابي برأيهم.
وإن المحاولة الغربية لجعل الحوثيين تهديدا عالميا مجرد كذبة لا تنطلي حتى على الأطفال، وفي تصريحات سابقة، ادعت المندوبة الأمريكية لدى مجلس الأمن، ليندا توماس غرينفيلد، أن ما يزيد على 2000 سفينة اضطرت منذ نوفمبر إلى تغيير مسارها لآلاف الأميال لتجنب البحر الأحمر بسبب التهديدات الحوثية، وأوضحت أن الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة بالتعاون مع بريطانيا كانت “ضرورية ومتناسبة”، وتتفق مع القانون الدولي، كجزء من حق الدفاع عن النفس، وكلنا نعلم أن القانون الدولي وضع أساسا لحماية مصالح الدول التي تحاول فرض سياساتها على العالم.
في النتيجة،بعد ارتكاب خطأين كبيرين متمثلين في الدعم الكامل لجرائم الكيان الإسرائيلي وإعطاء الضوء الأخضر في دخول الحرب مع اليمن، يبحث بايدن الآن عن الخطأ الذي ارتكبه ترامب، فاليمن الآن بطل في نظر الأمة العربية والإسلامية، ومن المؤكد أن هذا السلوك المحتمل لبايدن يمكن أن يشكل تحدياً قوياً له في الانتخابات وعلى بايدن أن يبحث عن حل يأخذ في الاعتبار أيضاً رغبات اليمنيين ولا يفكر فقط في تأمين مصالح الصهاينة.
وكما قال زعيم جماعة أنصار الله الحوثية: إن غزة تعرضت لأكثر من ألفي مجزرة وجريمة إبادة جماعية، حيث كانت غالبية الضحايا أطفال ونساء، والعدوان الإسرائيلي على غزة هو إجرام واضح لا لبس فيه، والجهات الدولية تكتفي بمراقبة ما يجري في غزة دون اتخاذ أي إجراء، كما أن مصلحة الأمة تكمن في الوقوف مع الشعب الفلسطيني في مواجهة عدو مشترك، والولايات المتحدة متورطة مع تل أبيب في جميع جرائمها، وتقدم لها مختلف أشكال الدعم، بالإضافة إلى أن أمريكا تقدم الدعم المالي والسياسي والعسكري والاستخباري لـ”إسرائيل”، وتمنع الدول الأخرى من تقديم أي مساندة فعلية للشعب الفلسطيني، وإن الموقف العام لمعظم الدول العربية والإسلامية يقتصر على التعاطف الإعلامي، ما يعني أن أمريكا تستهدف من يساند الشعب الفلسطيني ومن يقف معه بشكل عملي.