استهدف اليمن سفينة حربية أميركية في البحر الأحمر. كلُّ تفصيلٍ بما ذكر يحمل دلالة لا يمكن تجاوزها والتي أدت أيضاً إلى رد فعل أميركي بريطاني “للدفاع عن النفس” بشن غارات على مدن يمنية ثم “الاحتفاظ بحق الرد” والمسارعة لتأكيد الرغبة بعدم التصعيد.
اذ أن الضربة التي تُعد سابقة منذ الحرب العالمية الثانية، والفاعل الذي لم ينفض عنه بعد غبار 9 سنوات من الحرب والحصار، والتوقيت الذي “يزعج الأميركي والإسرائيلي”، كلها مجتمعة تجعل مما حصل نذير مرحلة أخرى ستبدأ برد يمني على الاعتداء البريطاني الأميركي ويستمر فيها خنق كيان الاحتلال اقتصادياً في البحر الأحمر. وإذا كان الاستهداف محصور قبل الاعتداء على القوات البحرية اليمنية بالأهداف الإسرائيلية، فإن ما جرى أعطى لليمن شرعية مضافة لضم “مصادر التهديد وكافة الأهداف المعادية الأميركية البريطانية” المتوفرة على جغرافيته وبجوارها إلى دائرة النار.
نفّذت الطائرات الأميركية التي انطلقت من حاملة الطائرات يو إس إس أيزنهاور، والبريطانية التي انطلقت من قاعدة في قبرص، 73 غارة استهدفت العاصمة صنعاء ومحافظات الحُديدة وتعز وحجّة وصعدة أدت إلى وقوع 5 شهداء وإصابة 6 آخرين من القوات المسلحة. وزعم الجيش الأميركي في بيان أن الأهداف شملت مطارات ومنشآت الرادار ومواقع تخزين وإطلاق الطائرات دون طيار والصواريخ.
هذه الضربات التي قدمت فيها البحرين وكندا وأستراليا وهولندا والسعوديّة الدعم بطريقة غير مباشرة، وامتنعت إيطاليا عن المشاركة فيها، وفق تقارير أميركية، لن “تكف يد القوات المسلحة عن استهداف السفن المتجهة نحو الموانئ الإسرائيلية” بحسب ما أشارت مصادر عسكرية يمنية تحدثت إلى موقع “الخنادق”. وأكدت المصادر نفسها على أن “اليمن بات ينظر إلى الهجمات التي تقوم بها الولايات المتحدة وبريطانيا تهديداً لأمنه القومي أيضاً وسيرد بالمستوى الذي يناسب هذا التهديد وهذا ما قد يؤسس لتوسيع دائرة الأهداف خارج البحر الأحمر”. وهذا ما أكده المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع في بيانه بأنها لن “تتردد في استهداف مصادر التهديد وكافة الأهداف المعادية في البر والبحر دفاعاً عن اليمن وسيادته واستقلاله”.
ابتدأت القوات المسلحة جولة المواجهة مع احتجاز السفينة الأولى وقرارها بعدم السماح لأي من السفن المتجهة إلى كيان الاحتلال بالعبور إلى حين توقف الحرب على قطاع غزة. كان تأثير هذه العمليات على الاقتصاد الإسرائيلي أكبر من أن تغض واشنطن عنه الطرف، ودفعها للتورط عسكرياً، على الرغم من تقارير وتصريحات تحدثت طيلة الفترة الماضية، عن محدودية التأثير والفعالية.
يجمع المراقبون والمحللون الغربيون على وجه التحديد، على حتمية الرد اليمني على الاعتداء. لكن السؤال يتركز حول شكل المرحلة المقبلة التي ستتبع هذا الرد واذا ما كانت واشنطن ستدخل في مستنقع الرد والرد المقابل ما يزيد من تورطها في المنطقة ويزيد معها ميدان النار. وعلى الرغم من ان الرئيس الأميركي الذي يواجه الكونغرس المنقسم حول جدوى الضربة وشرعيتها، قلق بشأن الانتخابات الرئاسية أيضاً بعد عدة أشهر، إلا ان كبح التصعيد في ظل المستجدات الأخيرة بات أمراً شاقاً لا يتوقف عند رغبة البيت الأبيض فقط.
استقدمت بريطانيا مدمرة HMS Diamond، إلى المنطقة، إضافة إلى فرقاطة HMS Lancaster، إلا أنهما غير مُعدتين لضرب أهداف على الأرض. حتى أن الفرقاطة HMS ريتشموند التي من المتوقع أن تصل خلال الأيام المقبلة غير معدة للهجوم البري أيضاً. وهذا ما ينبئ بأن القوة البحرية البريطانية لم تستقدم لغرض تنفيذ هجمات ضد أي من الأهداف اليمنية وبالتالي فإن أي تصعيد محتمل سيتطلب تعديلاً بالوجود العسكري وهو ما أبدت كل من واشنطن ولندن رغبتهما في تجنبه.
تعليقاً على المرحلة المقبلة، علقت زميلة أبحاث بارزة في مركز أبحاث تشاتام هاوس البريطاني، جين كينينمونت، بالقول أنه “من المحتمل ألا ينتهي هذا هنا…ولكن سيكون هناك حد لمدى رغبة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في المشاركة بشكل مباشر. لن يرغبوا في إرسال أي قوات إلى اليمن. ما سيفعلونه هو الضغط على السعودية ومصر ودول عربية أخرى للانضمام إليهم في كبح جماح الحوثيين. هناك أدوات أخرى يمكن استخدامها بخلاف الضربات الجوية”.
من جانبها اعتبرت النائبة الديمقراطية إليسا سلوتكين، نائبة رئيس اللجنة الفرعية للاستخبارات والعمليات الخاصة بالقوات المسلحة بمجلس النواب، أن هناك شكوك حول جدوى العملية في كبح الهجمات في البحر الأحمر. وكان من اللافت تعليق مايكل نايتسن الباحث في معهد واشنطن الذي اعتبر أن “الحوثيين قد انتصروا من خلال تلقيهم ضربة أمريكية، بغض النظر عن مدى قوتها، وإظهار قدرتهم على الاستمرار في هجمات الشحن”. مضيفاً “لن يكون من السهل ردعهم. إنهم يقضون أفضل أوقات حياتهم، ويواجهون قوة عظمى ربما لا تستطيع ردعهم”.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مريم السبلاني