بالتزامن مع بداية الشهر الثالث من الاجتياح الجديد لغزة من قبل الغزاة الصهاينة، كان فتح جبهة جديدة في البحر يفوق توقعات هذا الكيان وحلفائه، اليوم، مع تزايد الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار في اليمن والتحذير للسفن غير الإسرائيلية التي تحمل شحنات من الكيان الصهيوني، حول المحللون الدوليون جزءًا من تركيزهم إلى البحر الأحمر.
في بداية الحرب الأخيرة على غزة وعندما حذرت جماعة أنصار الله في اليمن “إسرائيل” من الدخول في مرحلة الهجوم البري على غزة، لم يأخذ الكثيرون هذا الموقف على محمل الجد، ولكن بعد ثلاثة أيام من بدء الهجوم البري، قامت اليمن بإطلاق عدة صواريخ وطائرات دون طيار وتم استهداف ميناء ومدينة إيلات في أقصى جنوب فلسطين المحتلة لإظهار تمسكها بكلمتها.
وكان تهديد سفن الشحن المتجهة إلى الأراضي المحتلة أو منها والسيطرة على سفينة “جالاكسي ليدر” نذيراً بأن العمليات لا تزال مستمرة وهذه الحادثة أثارت قلق الداعم والحليف الرئيسي للكيان الإسرائيلي، وكان “جيك سوليفان”، مستشار الأمن القومي لجو بايدن، أعلن الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة تتفاوض مع دول أخرى وتحاول إقناعها بتشكيل قوة بحرية دولية لضمان المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر.
وفي آخر التطورات نقلت “سكاي نيوز عربية” عن مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية قوله إن الولايات المتحدة تحاول ضم 40 دولة إلى هذه القوة البحرية الدولية، وحسب هذا المسؤول الأمريكي، فإن “القوة البحرية المذكورة ستراقب مساحة ثلاثة ملايين ميل من المياه الدولية وتشمل الدول الأعضاء في القيادة المركزية الأمريكية”، إن المطالبة بتشكيل تحالف بحري تستحق التأمل من عدة وجهات نظر:
1- إن تحالفات أمريكا القديمة، من أفغانستان والعراق إلى ليبيا وأوكرانيا، ومن الخليج الفارسي إلى بحر الصين وغيرها، لم تؤد قط إلى النتيجة المرجوة، وكل هذه التحالفات انهارت بعد فترة وأصبحت عمليا فضيحة لأمريكا، والهروب المخزي من أفغانستان، والفشل في ابتلاع العراق وسوريا، وفشل خطة الشرق الأوسط الجديدة في لبنان عام 2006 وحرب الـ 33 يوما، وسلسلة الإخفاقات في حرب أوكرانيا، والتراجعات القسرية للولايات المتحدة ضد سلطة إيران البحرية في الخليج الفارسي وما شابهها في بحر الصين ما هو إلا مظهر صغير من مظاهرها وهو نسخة عقيمة من التحالفات الأمريكية؛ بحيث لم يعد حلفاء أمريكا الأوروبيون يقبلون الأحادية الأمريكية تحت ستار التحالفات الوهمية، وهو النهج الذي برز في معارضة العديد من الدول الأوروبية لاستمرار الحرب في أوكرانيا.
2- التحالفات الأمريكية لا تؤدي إلى الأمن فحسب، بل هي دائما جاءت في الأساس لتصعيد أزمات وجرائم لا حصر لها في العالم، مثل التحالف ضد تنظيم القاعدة في أفغانستان، والتحالف ضد “داعش” في العراق وسوريا، وهذه التحالفات التي لم تساعد في الحد من تدفقات الإرهابيين فحسب، بل استهدفت بالفعل جبهة محاربة الإرهاب، ومثال واضح على ذلك إرهاب الدولة الأمريكية باغتيال قادة المقاومة في الهجوم الإرهابي على مطار بغداد. وتاريخ الولايات المتحدة في تصرفات مماثلة يظهر أن التحالف الذي تبحث عنه الولايات المتحدة في البحر الأحمر يدعم رسميًا عراب الإرهاب، الكيان الصهيوني، ويترك أيدي المحتلين مفتوحة لمواصلة القتل.
3- وبالنظر إلى مصير تحالفات أمريكا القديمة، فمن الممكن التنبؤ بفشل تحالف البحر الأحمر من الآن فصاعدا؛ وخاصة أن التحالف المذكور ضد اليمن الذي خرج من الاختبار القاسي لحرب الثماني سنوات مع أحدث الجيوش في المنطقة، واليوم يعترف المحللون بأنه لا يمكن تجاهل دور اليمن في تحديد مصير المنطقة.
4- إن الأوضاع التي تحكم البحر الأحمر هي من نتائج جرائم الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، وخاصة في غزة، وأكد اليمنيون مراراً وتكراراً أن أفعالهم في البحر الأحمر هي فقط ضد سفن الكيان الصهيوني أو السفن التي تنفذ عمليات النقل التابعة لهذا الكيان، وطالما استمرت جرائم هذا الكيان في غزة فإن اليمن سيستمر في استهداف التحركات في البحر الأحمر، وبناء على ذلك فإن الحل المنطقي والنهائي لإعادة الأمن إلى البحر الأحمر هو وقف وحشية الصهاينة وإنهاء الحصار والبدء في إعادة إعمار غزة.
5- إن المطالبة الطموحة للأمريكيين بتشكيل تحالف في البحر الأحمر هي خارج نطاق سلطة هذا البلد؛ لأن أمريكا ليست جارة للبحر الأحمر ولا يحق لها أن يكون لها وجود عسكري هناك.
6- أمريكا تتحدث عن تشكيل تحالف مع سلسلة من الدول للتعامل مع أنصار الله ودولة اسمها اليمن، التي يعاني غالبية سكانها من الفقر والجوع والحصار؛ لكن أمامهم 8 سنوات من المقاومة والصمود في وجه هجمات تحالف عشرات الدول العربية والغربية والإرهابية، وبعد ترسيم حدود 40 دولة ومعسكراتها لمواجهة العملية اليمنية، فإن هذا الأمر يعد علامة واضحة على تراجع أمريكا عسكريا وسياسيا.