منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى، بدأت وسائل البروباغندا الإسرائيلية والأمريكية والغربية، حملتها المكثّفة مسبقاً، بالترويج زوراً الى أن المقاومة الفلسطينية – تحديداً كتائب القسام التابعة لحركة حماس – تستخدم المدنيين دروعاً بشرية، كي يؤمنوا غطاءً سياسياً وإعلامياً، يسمح لجيش الاحتلال بارتكاب مجازره وجرائم إبادته بحق المدنيين الفلسطينيين من النساء والأطفال والعجزة، دون وجود أي رادع يمنع ذلك. والرادع في هذه الحالة الرأي العام الدولي، ورؤساء الدول حول العالم.
وقد تصدى الرئيس الأمريكي جو بايدن شخصياً للمشاركة في هذه البروباغندا، منذ الساعات الأولى لما بعد عملية طوفان الأقصى، يعاونه على ذلك كبريات المؤسسات الإعلامية الأمريكية والغربية، بمشاركة المسؤولين السياسيين والعسكريين في الإدارة الأمريكية والكيان المؤقت، وحتى في حلف شمالي الأطلسي – الناتو.
وأبرز الاتهامات التي وجهت لحركة حماس في هذا السياق:
_تخزين الأسلحة في البنية التحتية المدنية (لكن التدمير الإسرائيلي الممنهج والشامل للأبنية السكنية في جميع مناطق قطاع غزة دحض هذه المزاعم، لأن جميع الفيديوهات التي وثقت هذا التدمير وعبر البث المباشر، سواءً من قبل قنوات التلفزة المختلفة أو عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي لم تُظهر أي دليل يدعم هذا الاتهام الإسرائيلي).
_إطلاق الصواريخ من المناطق السكنية (جميع عمليات إطلاق الصواريخ كانت تتم من الأراضي المفتوحة وليس من المناطق السكنية، وهذا ما أكدّه عدم توقف إطلاق المقاومة للصواريخ، أو تراجع وتيرته، بالرغم من الدمار الهائل الذي طال المجمعات والأحياء السكنية).
_مطالبة السكان بتجاهل التحذيرات الإسرائيلية بترك المناطق المعرضة للقصف (وهذا ما دحضه تعرض العشرات من السكان المتوجهين نحو جنوب القطاع للقصف بالرغم من “ضمان” جيش الاحتلال أمنهم خلال ذلك).
_ اتهام الإدارة الأمريكية وكيان الاحتلال وأجهزتهم الاستخباراتية لحماس، بالحفاظ على مخابئ القيادة والسيطرة والبنية التحتية للأنفاق أسفل المستشفيات أو فيها. لكنهم فشلوا حتى هذا اليوم – اليوم الـ 63 للمعركة الواقع فيه 09/12/2023 – من إظهار أي دليل يثبت ذلك، بل تعرض جيش الاحتلال للسخرية والاستهزاء، من قبل وسائل إعلام غربية مثل الـ BBC، بسبب مسرحياته الفاشلة في مستشفيات القطاع لا سيما في مجمع الشفاء الطبي أو مستشفى الرنتيسي.
اتهامات سابقة
وقد سبق للاحتلال وداعميه أن أصدروا مثل هذه الاتهامات أيضاً، في حروب الأعوام 2008 و2014 على قطاع غزة، والتي قامت منظمة العفو الدولية بالتحقيق فيها، لكنها لم تجد أي دليل على استخدام حماس للدروع البشرية “خلافا للادعاءات المتكررة للمسؤولين الإسرائيليين”.
الدروع البشرية قانونياً
والدروع البشرية قانونياً هي وضع أشخاص مدنيين أو أسرى حرب بالإكراه أو حتى بشكل تطوعي، لردع الهجمات من خلال احتلال المساحة بين الهدف العسكري والجهة المهاجمة. ويعتبر هذا الأمر محظوراً بموجب اتفاقيات جنيف، كما يعدّ جريمة حرب في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي وصفه بأنه كل “استغلال وجود شخص مدني أو أي شخص آخر محمي لجعل نقاط أو مناطق أو قوات عسكرية معينة في مأمن من العمليات العسكرية”.
وفي سياق آخر متصل، تعتبر منظمات وجمعيات حقوق الإنسان إنه حتى لو كانت حماس تستخدم دروعًا بشرية، فيجب على إسرائيل أن تلتزم بالقانون الدولي لحماية المدنيين، وهو ما لم يحصل طيلة أيام العدوان الأمريكي الإسرائيلي، من خلال ارتقاء أكثر من 20 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء.
إسرائيل هي التي تستخدم الدروع البشرية
لكن العدوان أعاد كشف حقيقة أخرى، وهي استخدام إسرائيل للفلسطينيين كدروع البشرية، وليس فصائل المقاومة الفلسطينية. وهذا ما أكّد عليه العديد من التقارير الإعلامية الموثقة بالصوت والصورة. مثل الحادثة التي حصلت في الضفة الغربية، مطلع شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، حينما استخدم جنود الجيش الإسرائيلي معتقلاً فلسطينياً كدرع بشري، بوجه مجموعة مقاومة، بعد أن داهم الإسرائيليون مخيم الفوار للاجئين بالقرب من الخليل. وقد أظهر مقطع الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسير وهو معصوب العينين جالسا على الأرض، وخلفه آليات عسكرية تستخدمه كدرع، وجندي إسرائيلي يصوب بندقيته نحو مجموعة من الفلسطينيين.
وفي حادثة أخرى، احتجزت القوات الإسرائيلية التي هاجمت مجمع الشفاء الطبي في الـ 19 من تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، المرضى والمدنيين والطاقم الطبي متخذةً إياهم كدروع بشرية لمنع المقاومين من استهدافهم.
أمّا في السنوات الماضية، فقد تم توثيق العديد من الحالات التي استخدمت إسرائيل فيها المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، منها:
_ في العام 2018، وثق مقطع فيديو آخر، عرضه موقع إسرائيلي مختص بحقوق الإنسان – بتسليم، قيام القوات الإسرائيلية باستخدام الأسير عبد الرحيم غيث كدرع بشري، خلال اشتباك مسلح في منطقة أريحا.
_ في تشرين الأول / أكتوبر من العام 2014، أصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريراً موثقاً لاستخدام الجيش الاسرائيلي لمدنيين فلسطينيين كدروع بشرية في قطاع غزة، خلال حرب تلك العام ضد القطاع والتي استمرت 50 يوما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي نور الدين