قبل عامين، عندما قال محمد البخيتي، أحد قيادات حركة أنصار الله في اليمن، في برنامج مباشر على قناة الجزيرة، حسب النصوص القرآنية، نحن اليمنيون سنحرر مدينة القدس إن شاء الله، سخر بعض الناس ومن بينهم مذيع الجزيرة ولم يأخذ الأمر على محمل الجد، لكنهم اليوم يرون أن اليمن، البلد المحاصر بالكامل من قبل التحالف السعودي الأمريكي، يساعد غزة بشكل فعال.
التحذيرات التي تم تنفيذها
في بداية الحرب الحالية في غزة، حذر اليمن “إسرائيل” من أنه إذا شن الكيان الصهيوني هجوما بريا على غزة، فإن صنعاء ستدخل في حرب مع تل أبيب دعما لغزة، إلا أن الكثيرين لم يأخذوا هذا الموقف على محمل الجد، لكن بعد ثلاثة أيام من بدء الهجوم البري، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، استهدف اليمن ميناء ومدينة إيلات في أقصى جنوب فلسطين المحتلة بعدة صواريخ وطائرات مسيرة ليظهر أن من بين الحكام العرب حكام صنعاء صادقون في كلمتهم، ومع تقدم الحرب، زادت الهجمات اليمنية على هذه المدينة الصهيونية الجنوبية، وبما أن هذا الإجراء اليمني لم يكن فعالاً كما ينبغي، ولم تتعمد “إسرائيل” الرد على هذه التصرفات اليمنية خلال هذه الفترة، فقد أعلنت اليمن أنها لن تسمح للسفن الإسرائيلية بالمرور بأمان عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر من الآن فصاعدا.
وأعلنت صنعاء، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، الاستيلاء على السفينة التجارية جالاكسي ليدر المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، وقامت القوات اليمنية بنقلها إلى السواحل اليمنية لنصب كمين لسفن إسرائيلية أخرى، وأعلن اليمن، الأحد 3 ديسمبر/كانون الأول، الهجوم على سفينتين أخريين، وقال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، إنه تم استهداف سفينتين هما “Unity Explorer” والسفينة “Number Nine”. وتم استهداف السفينة الأولى بصاروخ بحري والثانية بطائرة دون طيار تابعة للبحرية اليمنية.
إغلاق باب المندب يجبر “إسرائيل” على إغلاق ميناء إيلات
كشف موقع عبري مختص بالشؤون الاقتصادية، عن توقف ميناء إيلات عن العمل بشكل كامل نتيجة التهديدات اليمنية، ونقل موقع غلوبس العبري، عن مدير ميناء إيلات، قوله: إن تهديدات «الحوثيين» تؤثر على جميع السفن، سواء تلك التي تمر إلى البحر الأبيض المتوسط وإلينا في ايلات، وأكد مسؤولون في ميناء إيلات للموقع: لا توجد أي سفن تقريبًا تزور الميناء شهدت مصادر في الصناعة الإسرائيلية، وأشاروا إلى أن ميناء إيلات ينوي إخراج العمال من العمل وإغلاق بوابات الميناء بسبب قلة العمل وتحويل الاستيراد الذي كان يستقبله ميناء ايلات، إلى ميناء حيفا.
يشار إلى أن القوات المسلحة اليمنية قد أعلنت وحذرت كل السفن المرتبطة ب”إسرائيل” من المرور من البحر الأحمر لكونها أصبحت أهدافًا عسكرية، وكانت قد استولت على سفينة إسرائيلية تدعى “جالكسي ليدر” قبل أسبوعين، محللون سياسيون واقتصاديون عرب أشاروا إلى أن “إسرائيل” كيان هش تفوق بضعف “أعدائه” وليس بقوته، والدليل واضح في تحوله خلال أقل من أسبوعين من دولة متفوقة في مجالات السياسة والاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات والغاز… إلخ، إلى مجرد قاعدة عسكرية يديرها جنرال أمريكي بعد فشل قادة جيشها في إدارتها، ويتحول من محور إقليمي اقتصادي وتجاري ونفطي، إلى كيان معزول يحتاج “فزعة” أمريكية ـ غربية وتدخلاً عسكرياً مباشراً لإنقاذه وإعادة تثبيت دوره.
من جهته، أكد موقع ملتقى فلسطين، أن عملية احتجاز السفينة التي نفّذتها بحرية صنعاء في 19 نوفمبر الماضي ليست فاتحة تهديد التجارة البحرية الإسرائيلية، فالأخيرة تقلّصت حركتها منذ 7 أكتوبر، بفعل التهديد الذي أحدثته صواريخ المقاومة، ارتبكت حركة سفن الشحن، وبُدّلت وجهتها وتغيّرت مواعيد وصولها، أغلق ميناء، واستنزِف آخر، ويعمل ثالث فوق طاقته، مع احتمال استفحال الأضرار التي تتكبّدها التجارة البحرية الإسرائيلية إن تصاعدت المواجهة في البحر الأحمر وتحوّلت إلى جبهة قائمة بذاتها عوضاً عن جبهة مساندة.
مشيرا إلى أن خنق التجارة البحرية الإسرائيلية هو خنق كلّي لتجارة “إسرائيل” الخارجية، نظراً لمرور 98% منها عبر البحر الأبيض المتوسّط أو عبر البحر الأحمر، وهذه النسبة المرتفعة مفهومة إن أخذنا بالاعتبار أن الكيان الإسرائيلي تربطه علاقة مُرتبكة أو لا تربطه أي علاقة تجارية بالدول المحاذية له (لبنان، سوريا، الأردن، مصر)، بالإضافة إلى أن التجارة البحرية تشكّل 80% من التجارة العالمية، أي إنها شكل التجارة الغالب لأي دولة تمتلك منفذاً بحرياً.
ولفت “إذاً، تعدّ التجارة البحرية العمود الفقري لحركة الاستيراد والتصدير الإسرائيلية، وبالتالي هي مكوّن أساسي لاقتصادها، ولذلك، يتّسم تهديد الموانىء وحركة السفن بأهمّية كبيرة، فهل ما تتعرّض له التجارة البحرية الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر يتسبّب بأذى يُعتدّ به وتتساقط آثاره على باقي مقوّمات الاقتصاد؟ وما أهمّية البحر الأحمر بالنسبة إلى التجارة البحرية الإسرائيلية؟ وهل بدأت العملية الأخيرة مرحلة تهديد جديد بالنسبة إليها؟ وما هو رد الفعل المحتمل للفاعلين الدوليين باعتبار أن هذا البحر هو شريان أساسي لحركة التجارة البحرية الدولية”.
خمسة موانئ
الجدير بالذكر أن عدد الموانئ في الأراضي المحتلة التي تستخدمها “إسرائيل” في الأغراض التجارية خمسة وهي: ميناء حيفا، وهو الميناء الأساسي (يُلحق به حيفا باي بورت وشبيارد المتواجدان في مدينة حيفا)، ميناء أسدود، وهو الثاني من حيث القدرة الاستيعابية، وميناء إيلات (أم الرشراش)، وهو المنفذ الوحيد إلى البحر الأحمر، ميناء عسقلان وميناء الخضيرة، وهما ميناأا طاقة فقط ولا يستقبلان حاويات بضائع، أي لا يمكن أن يشكّلا بديلاً كاملاً للموانئ الثلاثة الأولى في حال تعرّضها للإغلاق.
زيادة التعرفة الجمركية من قبل أوروبا والضغط المزدوج من اليمن
وكانت مأساة زيادة تكاليف النقل من أوروبا صغيرة، فالضغط اليمني دفع السفن الصهيونية إلى تجاوز القارة الأفريقية بدلا من البحر الأحمر وقناة السويس وإيصال البضائع إلى فلسطين المحتلة عبر البحر الأبيض المتوسط، ويقول دانيال شمال، مراسل ماركر إسرائيل، إن صناعة الشحن في “إسرائيل” تواجه تحديا من الغرب هذه الأيام، وهو أن شركة غريمالدي، إحدى أكبر الشركات التي تنقل البضائع من أوروبا إلى “إسرائيل”، أعلنت يوم الأحد الماضي، أنه من 1 يناير (أقل من شهر واحد، ستكون تكلفة النقل أكثر تكلفة بنسبة 4٪ بسبب الضريبة البيئية لأوروبا.
في حين تسبب اليمن أيضًا في اضطرار السفن القادمة من الشرق والذاهبة إلى القارة الأفريقية بدلاً من البحر الأحمر و قناة السويس للوصول إلى سواحل “إسرائيل”، وعلى سبيل المثال، على هذا الطريق تصل مدة وصول السفينة التي غادرت الصين لتصل إلى “إسرائيل” إلى شهرين، كما أنه يزيد التكاليف تماما.
مراسل صحيفة ماركر الإسرائيلية على حق؛ وتهديدات اليمن جعلت حركة السفن القادمة من أقصى الشرق بائسة، وعلى السفن القادمة من اليابان والهند والصين إلى فلسطين المحتلة أن تسلك طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من بحر العرب ومضيق باب المندب والبحر الأحمر وأخيراً قناة السويس، والقيام برحلة قمرية طويلة عبر البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى فلسطين المحتلة.
وفي مثل هذا الوضع تقول إدارة ميناء إيلات إنه إذا لم تتحرك الحكومة فعليها إغلاق أبواب الميناء بسبب التكاليف الباهظة وعدم دخول السفن، وقد أبلغوا ذلك لمختلف الوزارات، ورغم أنه من الممكن بمساعدة مالية من دول أخرى ألا يتم إغلاق هذا المنفذ في الوقت الحالي، إلا أن الكيان الصهيوني يدرك جيداً أن موازنة العام المقبل تواجه العديد من المشاكل بسبب زيادة نفقات الوزارة، ويتعين على “إسرائيل” أن تدفع عشرة مليارات شيكل من النفقات الأخرى لتغطية نصف الميزانية، وتمويل الحرب وتوفير النصف الآخر من خلال الاقتراض أو رفع الضرائب الداخلية، ولذلك فإن القطاع الاقتصادي لهذا الكيان لا يمكنه تحمل إطالة أمد الحرب.
إن الضغوط التي يمارسها اليمن على الكيان الصهيوني بهذه الطريقة ستكون فعالة بطريقتها الخاصة؛ وسوف تجعل تل أبيب تبحث على مجموعة من العوامل لحسم الحرب في أسرع وقت ممكن؛ الحرب التي لم تحقق أياً من أهدافها المعلنة حتى الآن، وفي المقابل كانت أهدافها ولا تزال سوى بيوت سكنية ومستشفيات ومخيمات اللاجئين ومراكز التجمعات العامة.
وقبل أيام توجهت وزيرة المواصلات ماري ريغيف برفقة مدير مكتبها موشيه بن زكون إلى ميناء إيلات ووعدا خلال زيارتها هناك بعدم السماح بإغلاق هذا الميناء الذي تم تسليمه للسلطة الفلسطينية والقطاع الخاص لعدة سنوات، لأن ميناء إيلات ومطار رامون يلعبان دور الميناء البحري والجوي للواردات الإسرائيلية، ولم يأخذ الاثنان في الاعتبار أنه إذا كان ميناء إيلات هو بوابة الاستيراد ل”إسرائيل”، فإن مضيق باب المندب الذي في حوزة اليمن هو البوابة الأولى المغلقة حاليا أمام السفن الإسرائيلية، إن ميناء إيلات هو مجرد ضغط اقتصادي آخر يعاني منه الكيان الصهيوني، وينبغي أن نرى إلى أي مدى يمكن للاقتصاد الإسرائيلي أن يتحمل إطالة أمد الحرب.