دخلت الهدنة يومها الثالث وسط انضباطٍ حذِر يحاول فيه كيان العدو “إسرائيل” المناورة حتى اللحظة الأخيرة. وهو الأمر الذي كان سيتسبب ليلة أمس بالعودة إلى التصعيد. وبينما تنقسم احتمالات اليوم الذي سيلي اليوم الرابع للهدنة بين التمديد والعودة إلى التصعيد بتجديد الكيان حربه على قطاع غزة، يرجح البعض أن تبني هذه الهدنة أرضية جيدة يبنى عليها تجديداً آخر، خاصة مع حرص المقاومة الفلسطينية على إطلاق المزيد مقابل المزيد إضافة للانتقادات التي باتت تواجهها إسرائيل داخلياً ودولياً، نتيجة ارتكابها لجرائم الحرب دون تحقيق اي من أهدافها.
يواجه كيان العدو “إسرائيل” ضغوطاً دولية عديدة قد تكون في جانب من جوانبها تشكل سابقة من حيث شدة الانتقادات التي ساهمت بها ضعف الرواية الاسرائيلية التي تقدمها كتبرير للجرائم والقصف العشوائي الممنهج والحصار اللانساني على الشعب الفلسطيني. ونتيجة لهذا الواقع، باتت الإدارة الأميركية بدورها محط انتقادات أيضاً، كونها من يتولى تقديم الدعم السياسي واللوجستي للكيان. ونقلت وسائل اعلام غربية عدداً من النقاشات الداخلية بين الولايات المتحدة والكيان تحث فيها الأولى على ضرورة المضي بالهدنة. وبحسب ما نقل عن مسؤول إسرائيلي فإن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ما كان ليوافق على الصفقة بالصيغة التي مضت بها لولا أن ضغط عليه الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفيما يشار إلى أن وزير الحرب، يوآف غالانت، يتابع التخطيط لجولة التصعيد المقبلة، تطرح أسئلة هي بمثابة التشكيك بجدوى العودة للمربع الأول من الحرب: كيف ستتعامل واشنطن مع الاصرار الإسرائيلي على متابعة العمليات العسكرية؟ وكيف سيتعامل الجيش الإسرائيلي مع المقاومة التي تستثمر الهدنة في التنظيم والتخطيط والتي تخبئ مفاجآت لم يعلن عنها بعد، وهو ما يجعل استئناف القتال أكثر ثقلاً على الجيش الاسرائيلي وأكبر كلفة؟
أوضحت هذه الصفقة أن المقاومة قادرة على فرض شروطها، فيما بدا الكيان هو الطرف المتلقي يبدي رأيه في التمنع أو التعديل مع الحفاظ على السقوف الموضوعة ودون المس بالخطوط الحمراء.
يقف كيان العدو إسرائيل في موقف ضعيف بعد عجزها عن إطلاق سراح الأسرى في العمليات العسكرية البرية. وهو ما جعل من استمرار القصف العشوائي الهمجي غير مبرر لدى الراي العام العالمي. وبهذا أشعل الصراع شرارة حرب الروايات، التي أدت إلى تفاقم التوترات داخل العديد من المجتمعات، وخاصة في الغرب. فقد أدى إلى زيادة استقطاب العلاقات بين بلدان الشمال والجنوب العالمي، وغرس نفسه في الانقسامات الداخلية، وأثار تساؤلات حول الأعراف الدولية.
ما يدفع إلى ذلك هو مجموعة من الأسباب المعقدة، أبرزها الغضب من القتل الجماعي للمدنيين العزل. وعلى الجانب الإسرائيلي، كان الدافع وراء ذلك أيضًا هو الشعور المحطم بالأمن. وبالنسبة لأولئك الذين يدعمون الفلسطينيين، فهي قصة احتلال طويل، اتسم بعقود من الحرمان، والعيش في ما يوصف بأنه أكبر سجن مفتوح في العالم في غزة، وعدم تكافؤ عميق في السلطة، وانعدام الأفق السياسي. إن الثمن الكارثي الذي دفعه سكان غزة، حيث استشهد أكثر من 15 ألف شخص، نصفهم الأطفال، دفع طفلاً فلسطينياً، عندما سُئل عما يريد أن يصبح عندما يكبر، إلى الرد بأن الأطفال الفلسطينيين لا يكبرون.
الاقتحام العظيم الذي حققته “الرواية الفلسطينية” والتي نقل بها رواد العالم الافتراضي مأساة الشعب وصموده إلى العالم، يشكل اليوم أحد أبرز أوراق الضغط على إسرائيل.
تجتمع عوامل عدة قد تسمح بتمديد الهدنة: عدم قدرة كيان الاحتلال على اثبات أنه قادر على تحقيق ما لم يحققه خلال ما يقارب 50 يوماً من الحرب، مع اضطراره للرضوخ إلى التفاوض مع المقاومة الفلسطينية وهو الأمر الذي اقترحته الأولى منذ الساعات الأولى للحرب. والموقف الحرج للولايات المتحدة الذي بات رئيسها يحصد أقل تأييد له منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وضغط الشارع الاسرائيلي على الحكومة لاكمال عودة بقية الأسرى لدى غزة.