في ظل توالي زيارات المسؤولين الصهاينة العلنية إلى الرياض.. اعتبر خبراء ومحللون سياسيون ذلك بأنه ترجمة سريعة لتعزيز اكتمال حالة الاندفاع السعودية الرسمية، وتهيئة الأجواء للتطبيع العلني والكامل مع كيان العدو الصهيوني.
ففي مؤشر إلى أن ما كان يجري في الخفاء قبل أعوام، وبات اليوم يجري في العلن حطت طائرة وزير الاتصالات الصهيوني، شلومو كارعي، الأحد في مطار العاصمة السعودية الرياض، للمشاركة في “مؤتمر البريد العالمي”، والذي يضم 192 دولة، وينعقد مرة كل أربع سنوات، ويحضره ممثلون عن وزارة الاتصالات والبريد ووزارة الخارجية من كل دولة.
وبحسب إعلام العدو الصهيوني، يضم الوفد الصهيوني مسؤولين في وزارة الاتصالات ورئيس لجنة الاقتصاد في الكنيست دافيد بيتان، لكنه لا يضم أي مندوب عن سلطة البريد، لكنهم سيشاركون في المؤتمر عن بعد. وتُعد هذه الزيارة الثانية لوزير صهيوني، خلال أقل من أسبوع، للمشاركة في المؤتمرات التي تحتضنها المملكة، بعد أن حل وزير السياحة الصهيوني، حاييم كاتس، الثلاثاء الماضي، بالرياض للمشاركة بمؤتمر لمنظمة السياحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة.
وفي تصريحات صحفية أشار كاتس إلى تطور العلاقة بين الرياض و”تل أبيب” إلى علاقة مستقرة، وذلك في سياق التحديثات المتصاعدة بشأن التطبيع المحتمل بين السعودية وكيان العدو.
ونقل موقع “آي 24 نيوز” عن وزير السياحة الصهيوني، في مقابلة خاصة تناول فيها التفاصيل المثيرة للزيارة التي قام بها إلى المملكة العربية السعودية. ونوه كاتس بأن الوفد الصهيوني تم استقباله في الرياض بحفاوة وأمان، وأن التجوال في شوارعها كان شبيهًا بالتجول في شوارع “تل أبيب”.
وفيما يتعلق بالتطبيع المحتمل بين كيان العدو الصهيوني والسعودية، قال كاتس: إن الأمور ليست كما تظهره بعض التقارير الإعلامية، وأن التنازلات التي يُشاع أن الكيان الصهيوني قد قام بها في هذا السياق ليس لها أساس من الصحة. وتأتي هذه الزيارات المتوالية في وقت كشفت فيه تقارير إعلامية عن لقاء جمع مسؤول في وزارة الصحة الصهيونية مع مسؤول سياسي سعودي.
ووفقًا لما ذكرته الإذاعة الرسمية الصهيونية “كان” فإن اللقاء عُقد بين نائب مدير عام وزارة الصحة الصهيونية صافي مندلوفيتش، ومسؤول سياسي سعودي، لم تكشف عن هويته. وذكرت الإذاعة الصهيونية أن مندلوفيتش سافر إلى السعودية، نيابة عن وزير الصحة الصهيوني، موشيه أربيل، للقاء وصفته بـ”المهني” مع أكبر مسؤول سعودي في المملكة، على حد قولها.
ولفتت إلى أنه لم يتم الكشف عن موضوع اللقاء الذي هو جزء من سلسلة لقاءات عقدت في الأيام الأخيرة في إطار تطبيع العلاقة بين كيان العدو والسعودية.
هذه الزيارات الرسمية كان قد سبقها خلال الفترة الماضية زيارة وفد صهيوني مكون من تسعة موظفين إلى السعودية لحضور اجتماع لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو كمراقبين، وترأس الوفد رئيس سلطة الآثار وضم دبلوماسيين. كما تأتي هذه الزيارات بعد فتح السعودية أبوابها أمام الحاخامات الصهاينة بالإضافة لفتح الأجواء السعودية أمام الطيران الصهيوني والسماح لإعلاميين سعوديين بزيارة كيان العدو الصهيوني.
وثمة زيارة أخرى مرتقبة للسعودية تثير المزيد من علامات الاستفهام حول الهدف من زيارة النائب الصهيوني بيتان الفاسد والمقرب من رئيس وزراء كيان العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي سيحول الزيارة إلى رافعة سياسية إقليمية لحزب الليكود ورئيسه نتيناهو، بعد أن كان ملاحقا من النائب العام والخصوم في المعارضة.
ومن الواضح أن هذه الزيارات العلنية لمسؤولين صهاينة إلى السعودية يجب فحصها على خلفية نفى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التقارير التي تواردت منذ أيام حول توقف المفاوضات السعودية مع كيان العدو بشأن التطبيع.
وأكد بن سلمان في حديث لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية أن السعودية باتت تقترب من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.. قائلاً: إنه في “حال نجحت إدارة الرئيس الأمريكيّ جو بايدن بعقد اتفاقٍ بين السعودية والكيان الصهيوني فسيكون أضخم اتفاق منذ انتهاء الحرب الباردة، وستبدأ علاقة الرياض بـ”تل أبيب”، وستستمر”.. بحسب تعبيره.
ومن يتابع نشوة ولي العهد السعودي وهو يتحدث عن اكتمال مسار التطبيع، وقرب التوقيع على اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني دون أن يتطرق للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في الأرض والعودة والتحرير يكتشف معه كذب كل المواقف التي كانت تتبجح بها القيادة السعودية أنها لن تطبع مع العدو الصهيوني إلا في حالة إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها “القدس الشرقية”.
ويرى خبراء أن زيارات المسؤولين الصهاينة وتصريحات بن سلمان، أكدت أن التطبيع السعودي- الصهيوني ليس مجرد احتمال أو أمرا قابلًا للنقاش، بل بات أمراً اُتّخذ القرار بشأنه من الرياض، ويتقدم باستمرار وبات البحث جاريًا عن الثمن والتوقيت.
ويتفق الكثير من الخبراء السياسيين على أن موقف بن سلمان لا يخرج عن إطار خطوات التطبيع التي أقدم عليها منذ توليه ولاية العهد في السعودية، حيث أصبح التطبيع مع كيان العدو الصهيوني يقوم على خطط سياسية وإعلامية وثقافية لدى النظام السعودي، وقطعت المملكة خطوات كبيرة نحو تهيئة الأجواء للتطبيع العلني والكامل مع كيان العدو الصهيوني.
ويبدو أن الرؤية السعودية للتطبيع مع العدو الصهيوني والتنازل عن القضية الفلسطينية بات ثمنها واضحا وفق ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية حول المباحثات التي تجريها الإدارة الأمريكية مع السعودية حول توقيع اتفاق سلام صهيوني سعودي.
وكشفت الصحيفة أن العائق أمام إعلان هذا الاتفاق ليس القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني، بل الاشتراطات السعودية التي تتعلق بالموافقة الأمريكية على تخصيب اليورانيوم فوق الأراضي السعودية، وإقامة تعاون عسكري بين المملكة والولايات المتحدة، وتزويدها بأسلحة نوعية، وهي اشتراطات تواجه رفضا صهيونياً مبطنا، وتحديا أمام إقرارها عبر الكونغرس الأمريكي.
هذا وقد أثارت زيارات الوفود الصهيونية موجة من الاستنكار والرفض بين السياسيين والنشطاء السعوديين، حيث أعربوا عن استيائهم ورفضهم للتقارب الصهيوني- السعودي وتبادل الزيارات الدبلوماسية قبل إعلان اتفاق التطبيع برعاية أمريكية.. مؤكدين أن التطبيع خيانة للفلسطينيين وللشعوب العربية كافة.