النيجر على صفيح ساخن.. رصاص الإيكواس يقرع أبواب نيامي والأخيرة ترفع حالة التأهب وانقسام أفريقيا مابين موافقة التدخل العسكري ورفضه والساعات القادمة فاصلة

127
النيجر على صفيح ساخن.. رصاص الإيكواس يقرع أبواب نيامي والأخيرة ترفع حالة التأهب وانقسام أفريقيا مابين موافقة التدخل العسكري ورفضه والساعات القادمة فاصلة

لم تتبق إلا ساعات قليلة على نهاية الأجل الذي ضربته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) برئاسة نيجيريا للتدخل العسكري في النيجر إذا لم يبادر الانقلابيون بإعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم إلى السلطة، ورغم أن هذا التوجه يعتبر الخيار الأخير الذي تتحدث عنه الهيئة الأفريقية الأقوى في المنطقة، فإنه يعد أيضا الأصعب بالنسبة إلى أنظمة وشعوب المنطقة.

وتضم إيكواس في عضويتها 15 دولة، وهي غامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو والرأس الأخضر، ويبلغ مجموع سكانها نحو 350 مليون نسمة (إحصاءات 2021)، وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17% من إجمالي مساحة قارة أفريقيا.

وقد تدحرج الملف من أيدي الرؤساء إلى طاولة النقاش بين أيدي قادة ورؤساء أركان الجيوش في دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، وذلك في اجتماع متواصل في أبوجا حتى صباح اليوم الجمعة. ليس الأسبوع بالزمن الطويل، لكنه أيضا ليس بالمهم في نظر الانقلابيين الذين أكدوا بوضوح أنهم لن يرضخوا للتهديد، ولن يعيدوا بازوم إلى السلطة.

ومن باب “أعذر من أنذر”، فقد أرسلت الإيكواس وفدا للتفاوض بقيادة الرئيس النيجيري السابق الجنرال عبد السلام أبو بكر إلى نيامي للتفاوض، ولا يتوقع أن يعود الرجل وفريقه بتوبة الانقلابيين ولا بعودة بازوم إلى السلطة، فلدى العسكريين الجدد ما يراهنون عليه من تجييش للشارع النيجري ضد “الغزو الأفريقي والغربي” المرتقب.

تهديد صارم ومخاوف من ضعف التماسك

وقد أعلنت حتى الآن عدة دول من المنظمة الغرب أفريقية استعدادها للمشاركة في القوة العسكرية الموجهة إلى النيجر، ومن تلك الدول السنغال وبنين ونيجريا، في حين لا يُستبعد أن تنخرط تشاد أيضا في المجهود العسكري “الإيكواسي”، فضلا عن فرنسا التي تمتاز بامتلاكها قوة عسكرية جاثمة على الأراضي النيجرية، ويمكن أن تكون عنصر ارتكاز في مواجهة انقلابيي نيامي.

وفي مقابل ذلك، فإن دول “السبق الانقلابي” أخذت موقفا معارضا بقوة للتدخل العسكري، فأعلنت مالي وبوركينا فاسو وغينيا (التي يقودها انقلابيون) أن أي عمل عسكري ضد النيجر هو عدوان على تلك الدول. وعلى هذا التوجه أيضا، يمكن أن تُحسب الجزائر، التي تملك حدودا بألف كيلومتر مع النيجر، وتملك حساسية كبيرة تجاه التدخل العسكري الأجنبي في المنطقة.

سبب التدخل العسكري للإيكواس

“إيكواس” تريد إظهار الحزم عبر التلويح باستخدام القوة إزاء موجة الانقلابات العسكرية التي تجتاح غرب إفريقيا. ويرى قادة الإيكواس في إفشال انقلاب النيجر السد الأخير ضد الانقلابات التي عادت بقوة إلى أفريقيا، ولذلك سيبذلون كل الجهود من أجل عودة -ولو رمزية- لبازوم إلى كرسيه السليب.

ومن المعلوم أن انقلاب النيجر ليس الأول من نوعه بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة، فقد عاد زخم الانقلابات في المنطقة إلى سابق عهده، وتتالت المحاولات الانقلابية الناجحة والفاشلة بشكل متسارع في المنطقة منذ عام 2020، حيث شهدت كل من مالي وغينيا وبوركينا فاسو انقلابات متتالية، وباتت هذه البلدان محكومة بمجالس عسكرية.

ومؤخرا بدأت تتساقط الأنظمة الدستورية في دول “إكواس” التي تضم 15 دولة، واحدة تلو الأخرى بدءا من مالي ثم غينيا وبعدها بوركينا فاسو، وأخيرا النيجر، وتمثل البلدان الأربعة نحو نصف مساحة المنظمة. وسبق أن فرضت “إيكواس” عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على الانقلابيين في مالي وغينيا وبوركينا فاسو للضغط عليهم للعودة سريعا إلى الوضع الدستوري، لكن ذلك لم يُجدِ نفعا.

وكادت غينيا بيساو، الواقعة بين السنغال وغينيا، أن تنضم إلى قائمة الدول الخاضعة لسلطة انقلابية، في 1 فبراير/شباط 2022، لكن المحاولة الانقلابية فشلت. وتصاعدت المطالبات بين قادة “إيكواس” بضرورة تشكيل قوة عسكرية لمنع الانقلابات في دول المنظمة، خاصة وأنها سبق وأن تدخلت عسكريا في ظروف مختلفة بكوت ديفوار وليبيريا عام 2003، ومالي في 2013، وغامبيا في 2017، وغينيا بيساو في 2012 و2022.

ويخشى قادة الإيكواس وحلفاؤهم الخارجيون من استمرار انتقال هذه العدوى إلى بقية دول المجموعة، خصوصا إذا أفلت المسؤولون عنها من العقاب واستتب لهم الأمر، وهو ما يزيد من حرص المجموعة على إفشال الانقلاب سلما أو حربا. وتنقل وكالة الأنباء الألمانية عن كونفيدانس ماكهاري، الخبير الأمني في “إس بس إم إنتليجنس” قوله إن حل الأزمة هو “مسألة بقاء” لقادة المنطقة، مشيرا إلى أنه “إذا سُمح لمخطّطي الانقلاب بالإفلات من العقاب، ستعيش دول أخرى تحت تهديد الانقلابات”.

انهيار الإيكواس

لا يستبعد كثيرون أن تصل التداعيات الكبيرة للتدخل العسكري في النيجر إلى كيان منظمة الإيكواس نفسها، خصوصا إذا انسحبت منها دول معارضة للتدخل، وهو ما سيفقد المنطقة آخر هيئاتها الفاعلة. أما مجموعة دول الساحل الخمس المعروفة بـ”جي 5″ -التي تتكون من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر- فهي أصلا في حالة موت سريري بعد موجة الانقلابات التي ضربت جميع دولها باستثناء موريتانيا.

ما قوام قوات إيكواس؟

يرى مراقبون أن أي تدخل عسكري من قبل إيكواس في النيجر سوف يعتمد بشكل كبير على نيجيريا التي يتألف جيشها من 223 ألف فرد فضلا عن امتلاكه طائرات ومقاتلات حديثة. ويقول خبراء: إن أهمية نيجيريا لا تعود فقط إلى قدراتها العسكرية فقط، بل لأن لها حدود بطول 1600 كيلومتر مع النيجر أيضا.

وعن المواقف الأخرى لدول إيكواس، قالت السنغال إنها ستشارك إذا قررت المجموعة التدخل عسكريا في النيجر حيث أكدت وزيرة خارجية السنغال عيساتا تال سال أن بلادها سوف تنفذ قرارات الإيكواس. لكن على النقيض من ذلك، أعلنت عدة دول أعضاء في إيكواس عدم دعم استخدام القوة في النيجر.

وفي ذلك، قال عبد الموموني آباس، الخبير في الحركات المتطرفة، إنه “بعيدا عن موقف نيجيريا، لا أعتقد أن دولا أخرى في إيكواس سوف تشارك بقوات، لأن موريتانيا والجزائرومالي وبوركينا لا توافق وبنين لن تهاجم النيجر”. من جانبه، أشار المحلل الجيوسياسي أوفيغوي إيغيغو إلى أن الجيش النيجيري “منهمك” في محاربة حركة “بوكو حرام” وجماعات مسلحة اخرى تنشط في 30 من أصل 36 ولاية في نيجيريا، مضيفا أن إقدام نيجيريا على قيادة أي تدخل عسكري في النيجر سيمثل تحديا كبيرا لجيشها في الوقت الراهن.

فرص نجاح التدخل العسكري

ويعتقد خبراء أن أي تدخل عسكري من قبل إيكواس في النيجر سيكون مختلفا عن العملية العسكرية التي قادتها في غامبيا، لأن الأخيرة تعد أصغر دولة غير جزرية في أفريقيا ولا تمتلك جيشا قويا. في حين أن النيجر تعد بلدا كبير المساحة يقع في قلب منطقة الساحل ويمتلك جيشها خبرة في القتال وحصل على تدريبات من الجيش الأمريكي الذي ينشر 1100 جندي في النيجر فضلا عنتمركز حوالي 1500 جندي فرنسي.

ومن هنا يرى آرثر بانجا، الخبير الإيفواري في الشؤون العسكرية، أن “حجم النيجر والعدد الكبير لقوات جيشها سوف يصعب أي تدخل عسكري، لكن في حالة الإعداد والتخطيط الجيدين، فقد يتم ذلك مع وضع كافة الخيارات في الاعتبار.” ويضاف إلى تعقيدات المشهد، إعلانمالي وبوركينا فاسو في بيان مشترك أن أي تدخل عسكري ضد قادة الانقلاب في النيجر سيعتبر “إعلان حرب” ضدهما.

وحذّرت سلطات مالي وبوركينا فاسو المنبثقة عن انقلابين من أن “أي تدخل عسكري ضد النيجر سيؤدي إلى انسحابهما من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وإلى اتخاذ تدابير في إطار الدفاع المشروع لدعم الجيش والشعب في النيجر”. وشدد أوفيغوي إيغيغو على أنه رغم ترجيحه الشروع في تدخل عسكري في النيجر، إلا أن الأمر يحمل في طياته “مخاطرة كبيرة للغاية، إذ قد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب حقيقية”.

لماذا عارضت الجزائر التدخل العسكري؟

بعد ثلاثة أيام من تلويح “إيكواس” باستخدام القوة، حذرت الجزائر من محاولات التدخل العسكري في النيجر ودعت إلى استعادة النظام الدستوري عن “طريق الوسائل السلمية”. وبررت الخارجية الجزائرية موقفها الرافض لتحرك عسكري بدعم فرنسي بأنه “سيكون عاملًا يُعقد ويزيد من خطورة الأزمة الحالية”، وحتى “لا تواجه النيجر والمنطقة بأكملها نقصًا في الأمن والاستقرار”.

وسبق بيان الخارجية الجزائرية، اتصال من الرئيس عبد المجيد تبون، برئيس بنين تريس تالون، في 29 يوليو، قبيل يوم من انعقاد قمة إيكواس، بحث فيه عن الوضع بالنيجر. وشدد الرئيسان على “تمسكهما الصارم بضرورة العودة إلى النظام الدستوري في النيجر”، وفق بيان الرئاسة الجزائرية.

لكن الخلاف واضح حول طريقة “إعادة الرئيس محمد بازوم لمنصبه كرئيس دولة منتخب شرعيا”، فبينما تفضل الجزائر الوسائل السلمية، تميل إيكواس للخيار العسكري. وسبق للجزائر أن تحفظت على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إيكواس على مالي، ورفضت المشاركة فيها، كما عارضت التدخل العسكري الفرنسي في مالي عام 2013، والذي تسبب في انتشار الجماعات الإرهابية في معظم دول الساحل وأجزاء من غرب إفريقيا.

ناهيك عن معارضتها التحالف العسكري الذي قادته فرنسا في ليبيا عام 2011، والذي ترى بأنه فتح عليها أبواب جهنم، بسبب عدم استقرار ليبيا إلى اليوم، وسقوط شمال مالي في 2012، وتعرض منشأة غازية جزائرية لهجوم إرهابي في 2013، انطلق من مالي مرورا بالنيجر ودخل عبر الحدود الليبية، ما اضطرها لحشد عشرات الآلاف من جنودها عبر الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية.

وتدخل عسكري من دول إيكواس في النيجر، من شأنه أن يعقد الأوضاع الأمنية في المنطقة، مع إصرار الانقلابيين في النيجر ومالي وبوركينا فاسو على صد أي عملية عسكرية، ما سيشعل حرب إقليمية في المنطقة بين الدول الدستورية المدعوم من فرنسا والدول الانقلابية المدعومة من روسيا. لذلك تعارض الجزائر تدخلا عسكريا جديدا من شأنه أن يهدد استقرار المنطقة لسنوات طويلة، خاصة وأن شعوب الساحل تعاني من أزمات اقتصادية وأمنية حادة، ولا تحتمل حربا جديدة.

معارضة أوروبية للتدخل

رغم الموقف الأوروبي والأميركي القوي ضد الانقلاب، والدعم الفرنسي القوي لإجراءات الإيكواس، فإن قضية التدخل العسكري لا تبدو محل اتفاق بين جميع الدول الأوروبية، إذ دعا وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الأربعاء الماضي، إلى استبعاد أي تدخل عسكري غربي في النيجر لأنه سيعتبر استعمارا جديدا.

شبح التدخل الروسي

هذا ورفضت روسيا التدخل العسكري في النيجر، ولا يُعرف حتى الآن إن كانت روسيا قد فتحت خط اتصال مع انقلابيي النيجر، ولكن المرجح أن أي تدخل عسكري في البلاد سيمنح موسكو مسوغا إضافيا للشراكة العسكرية في كتابة مستقبل هذا البلد الأفريقي، وهي فرصة يعمل الروس كثيرا من أجل الوصول إليها.

خطر الحرب الأهلية على النيجر والجيران

ويرى الخبراء أن أي عملية تدخل عسكري “بالوكالة” تدعمها فرنسا وأمريكا”، ستؤثر بشكل كبير على المنطقة بشكل كامل، فيما تخشى العديد من الدول التدخل العسكري في النيجر، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات ارتباطا بالجماعات المتطرفة والإرهابية في المنطقة.

لا يعرف حتى الآن شكل التدخل العسكري المفترض الذي تنوي دول الإيكواس تنفيذه في النيجر -إن كانت تنوي تنفيذه فعلا- ولكن لا يستبعد بالنسبة للعديد من المراقبين أن يؤدي إلى إشعال فتيل حرب أهليه مفتوحة في بلد يعيش على أمواج الفقر في جدب الصحراء، وفي ظل استمرار قادة الانقلاب وما يتبع لها من وحدات رئيسية وأساسية بالسلطة ورفضها أي تنازل عنها لصالح الرئيس محمد بازوم.

ويتعلق الأمر أساسا بدولتي مالي وبوركينا فاسو، إضافة إلى غينيا، في حين تعبر نيجيريا عن مواقف صارمة تجاه جارتها الفقيرة التي تعتمد على كهرباء أبوجا.

وقد اعتبرت مالي وبوركينا فاسو -في بيان لهما- أن أي تدخل عسكري في النيجر سيكون بمثابة إعلان حرب على بلديهما، وهو ما يعني أن تداعيات التدخل العسكري لن تقتصر فقط على النيجر بل ستتجاوزه إلى البلدان المجاورة. وبالإضافة إلى ذلك، سارعت الجزائر -من خارج دول المنظمة- للتعبير عن موقف صارم ضد التدخل العسكري خشية تصاعد موجة العنف في المنطقة.

استماتة فرنسا لاستعادة النظام

تحظى النيجر بمكانة مهمة في الإستراتيجية الفرنسية والغربية بشكل عام، كونها آخر رهان للقوى الغربية في منطقة الساحل، وآخر بلد لم تصل إليه أيدي الانقلابيين، وأكثر مورد للطاقة بالنسبة لفرنسا، وعنصرا أساسيا في التوازن العسكري في العالم بالنسبة للولايات المتحدة التي ترى في النيجر رقعة أساسية من دائرة قوتها الأفريقية (أفريكوم).

وازدادت أهمية النيجر في الحسابات الإستراتيجية الفرنسية بمنطقة الساحل، بعد مغادرة القوات الفرنسية لمالي وبوركينا فاسو إثر الانقلابين اللذين شهدهما البلدان وقادهما ضباط عسكريون أداروا ظهورهم لفرنسا، وولوا وجوههم شطر روسيا. ومن المؤكد أن فرنسا ستبذل كل ما أوتيت من قوة وجهد سياسي -إن لم نقل جهدا عسكريا- لوأد هذا الانقلاب، لأنه على الأرجح يمثل ضربة كبيرة لمصالحها الاقتصادية والسياسية ومكانتها الإستراتيجية وتأثيرها في المنطقة.

وأطاح المجلس العسكري في النيجر بالرئيس المنتخب محمد بازوم في انقلاب عسكري الأسبوع الماضي نفذته قوات الحرس المكلفة بتأمينه، والتي تمركزت أمام القصر الرئاسي. وتم تعطيل العمل بالدستور وتنصيب الجنرال عبد الرحمن تياني، رئيس الحرس الرئاسي، حاكما للبلاد.

مصدروكالات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا