المحافظة على المصالح الأمريكية من خلال ضمان تدفق نفط الخليج العربي لها ولحلفائها الغربيين, وإحباط محاولة أية قوة محلية أو إقليمية أو دولية للتحكم فيه، ودعم الكيان الصهيوني وأمنه والتوصل إلى الاعتراف العربي به وإدماجه في محيطه الإقليمي. وأعلن الناطق باسم الخارجية الأمريكية ( إن واشنطن مهتمة بنتيجة الصراع في اليمن بسبب موقع عدن الاستراتيجي وبسبب العنف في المنطقة الذي هو مشكلة بحد ذاته).
تهديد المصالح
على الرغم من أن الوصول الأمريكي إلى بترول الخليج العربي يرجع إلى نهاية العشرينيات من القرن الماضي , إلا أن بترول الخليج لم يكتسب قيمة استراتيجية إلا بعد الحرب العالمية الثانية وبفعل عاملين رئيسيين ما أصبح النفط العربي يمثل بالنسبة لاقتصاديات الولايات المتحدة والقوى الصناعية وحيث تبلور الإدراك بأن فقدانه يعنى اضطرابا اقتصاديا وسياسيا في العالم الغربي. حيث أصبح الشرق الأوسط يمثل 70% من احتياطي البترول العالمى ويمثل ثلتي استهلاك أوروبا واليابان ونصف صادرات امريكا والغرب. وأن يكون أحد أهداف السياسة السوفيتية آنذاك هو حرمانهم من هذا البترول.
إلى الحد الذى رأينا معه الرئيس الأمريكي أيزنهاور(1953- 1961م) يعلن مبدأه عام 1957م والذب تضمن تقديم مساعدات اقتصادية وإمكان استخدام القوات الأمريكية المسلحة في المنطقة ( لصد العدوان المسلح المكشوف من أي بلد تسيطر عليه الشيوعية الدولية ) وربط بين فقدان بترول الشرق الأوسط واختناق الاقتصاديات الغربية مؤكدا أن منطقة الشرق الاوسط تحتوى على ثلثي الاحتياطي من مخزون العالم من النفط.
ومع الغزو السوفيتي لأفغانستان في ديسمبر 1979م فقد فسره الرئيس الأمريكي جيمى كارتر( 1977- 1981م) بأن الاتحاد السوفيتي يستهدف تهديد مصادر النفط في منطقة الخليج العربي والاقتراب نحو خطوط نقله فقد قام الاتحاد السوفيتي بمجموعة تحركات عسكرية لدعم مواقعه الاستراتيجية حول الخليج العربي وهو يحدث بذلك تهديدا خطيرا جدا حيال حرية الحركة في مضائق المنطقة الحيوية في الشرق الاوسط فقد تواجد في المحيط الهندي وجزيرة سقطرى وميناء عدن, فأطلق كارتر نظريته في يناير عام 1980م التي اعتبر فيها: (أن أي محاولة من جانب قوى أجنبية للسيطرة على منطقة الخليج سوف ينظر إليها كعدوان على المصالح الحيوية للولايات المتحدة وسوف تقاوم بأية وسيلة ضرورية بما في ذلك القوة المسلحة).
تأمين النفط
ولذلك أصبح من احد أعمدة الثالوث المقدس للأهداف الأساسية الأمريكية هو المحافظة على تدفق النفط من منطقة الخليج بشكل آمن ومنع أي قوة محلية أو إقليمية أو دولية من التعرض لهذه المصالح أو التحكم بخطوط وموامئ ومضايق نقله البحري فخلال الحرب الباردة كان ايضا العمود الثاني من ثالوث أهدافها المقدسة هو احتواء التمدد السوفيتي نحو الشرق الأوسط خاصة بعد أن اصبح له موطئ قدم في اثيوبيا واليمن الجنوبي قبل الوحدة.
فقد اتبعت امريكا استراتيجية من اجل حماية استثماراتها البترولية وحماية المنطقة من الخطر الشيوعي على استخدام قواعد عسكرية وتشكيل احلاف دفاعية تتواجد في المنطقة وتشملها.
وإلى اليوم مازال ضمان وصول النفط إلى امريكا يشكل أهم أعمدة الثالوث المقدس لواشنطن في مصالحها القومية ويتجلى ذلك بعد تصاعد الصين كقوة اقتصادية وعسكرية وتأكيد وجودها كقوة بحرية ترعى مصالحها في المحيط الهندي والخليج العربي وباب المندب ودول افريقية مطلة على البحر الأحمر وبعد قيامها بإيجاد ركائز ونقاط بحرية لها ووصل سفنها الحربية إلى تلك الموانئ وايضا ما تخشاه واشنطن من التهديدات الايرانية بإغلاق مضيق هرمز بالخليج كل هذا دفع امريكا عبر أدواتها في المنطقة بالقيام بالعدوان على اليمن في مارس 2015م للسيطرة على السواحل اليمنية وجزرها وموانئه ولحماية خطوط نقل النفط وايضا ايجاد بديلا آمنا لمد أنابيب النفط من الخليج نحو مواني اليمن الشرقية حضرموت والمهرة.
فتهدف امريكا إلى أن تكون شرطي منطقة الخليج العربي بأسرها من ميناء عدن وباب المندب لحماية مصالحها الاستراتيجية وبذلك تعسكر الطرق البحرية الرئيسية كل ذلك يندرج كجزء من مشروع القرن الأمريكي للهيمنة على العالم .
قاعدة عسكرية
في شهر مارس 1962م صرح وزير الدفاع البريطاني ( هاروليد جاكسون ). (أن عدن إحدى ثلاث قواعد عسكرية استراتيجية في العالم تعتمد عليها بريطانيا ). وانطلاقا من عدن التي كانت قاعدة وجود المحتل البريطاني السياسي والعسكري في جنوب اليمن تمكن طوال فترة وجوده في جنوب اليمن من تحقيق اهدافه في المنطقة والسواحل والجزر اليمنية, كذلك الحفاظ على مصالحه وعلى أهم طرق المواصلات البحرية بين الشرق والغرب من الخليج العربي وخليج عدن وشرق افريقيا وقناة السويس ونحو الهند.
وكان ميناء عدن أخر قاعدة اضطروا إلى الجلاء عنها عام 1967م وبعد استقلال جنوب اليمن نهض ميناء عدن إذ أصبح أحد الموانئ الاستراتيجية للأسطول السوفياتي كقاعدة للتموين والصيانة طوال عشرين عاما من 1969- 1989م خلال زمن الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن.
فلقد كانت موسكو أهم شريك لعدن في المجالين العسكري والتقني منذ نهاية الستينيات حتى عقد الثمانينات من القرن الماضي وخاصة للنشاط الروسي العسكري بتواجد اسطوله بخليج عدن والمحيط الهندي وجزيرة سقطرى الاستراتيجية. لهذا نجد روسيا الاتحادية قبل العدوان على اليمن في مارس 2015م تركز على استعادة ثقلها الاستراتيجي من خلال التخطيط لإقامة مرابط تستغلها في جزيرة سقطرى اليمنية وطرطوس السورية وطرابلس الليبية لضمان مرابطة الاسطول الحربي الروسي في المناطق البحرية النائية حماية لمصالحها وضمانا لأمن ابحار السفن المدنية الروسية في بحر العرب وخليج عدن.
وخلال حرب 1973م بين مصر والكيان الصهيوني نهض ميناء عدن بدور هام في تلك الحرب بإغلاق مضيق باب المندب بوجه سفن الكيان الصهيوني بمساندة قطع من السفن المصرية.
أحداث عدن
ومن ناحية العلاقات الدولية تعتبر واشنطن نفسها ا وريثه الاحتلال البريطاني بمنطقة الشرق الأوسط ومنه جنوب اليمن. وعقب أحداث 13 يناير 1986م في عدن بعشرة أيام أعلن الناطق باسم الخارجية الأمريكية أن واشنطن مهتمة بنتيجة الصراع في اليمن بسبب موقع عدن الاستراتيجي وبسبب العنف في المنطقة الذي هو مشكلة بحد ذاته.
وأضاف ( أن السلطات الأمريكية أطلعت الاتحاد السوفيتي على القلق الأمريكي بعد ظهور مؤشرات تحمل على الاعتقاد بأن موسكو قد تتدخل في هذه الأحداث ) فميناء عدن يشكل إلى اليوم أهمية استراتيجية فهو يكتسب أهمية كبيرة في ميدان التجارة الدولية وعنصر جذب المصالح الدولية لأداء دور سياسي واقتصادي وعسكري.
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال الخطر الشيوعي سقط احد أعمدة الثالوث المقدس لواشنطن لتأتي حرب الخليج الثانية 1991م لتمكن لأمريكي من التواجد عسكريا في المنطقة.
ومع مطلع القرن الواحد والعشرين استبدل سقوط الخطر الشيوعي بعمود مقدس أخر وهو محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط ومنها اليمن كمدخل للتدخل بالشؤون الداخلية للعديد من البلدان ولتواجدها العسكري لاحقا وغزوها لأفغانستان واحتلالها للعراق فقد اصبح محاربة الإرهاب ايديولوجية للرئيس الأمريكي بوش الأبن (2001- 2009م ) بل اعتبره الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية فقد وقعت احداث 11 سبتمبر 2001م بعد ثمانية اشهر من تقلده الحكم في البيت الأبيض.
حماية الثالوث
فالتواجد الامريكي اليوم في عدن عبر سفيرها ( ستيفن فاجن ) هو كشف لوجودها المباشرة بعد التواري ثمان سنوات من العدوان عن اليمن عبر ادواتها في المنطقة (السعودية ودويلة الامارات) وإعلان غير مباشر عن انتهاء دور ادوات واشنطن في اليمن واللتان ارتضت بالانخراط في المشروع الغربي الأنجلو –امريكي والصهيوني لتقسيم وتمزيق اليمن ظنا منهما تحقيق مصالح سياسية واقتصادية لهم في اليمن دون ادراك الرياض وابو ظبي للثمن الباهظ الذي سوف تدفعانه مستقبلا كما دفعه الشريف حسين بن علي جراء انخراطه بمشروع الانجلو – فرنسي ضد الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
فوصول السفير الامريكي فاجن إلى عدن عبر طائرة عسكرية هو التأكيد على تكريس ثالوث مصالح واشنطن والذي يعززه اقامة قواعد عسكرية لها في عدن وجزيرة سقطرى لتكون على مقربة من مجريات الاحداث وتطوراتها وتوجيهها بالداخل اليمني لما يخدم مصالحها ومحاربة الإرهاب والقرصنة والتي شرعنه الامم المتحدة الأخيرة بقرارات اممية عام 2008م للتواجد العديد من الاساطيل البحرية في البحر الاحمر وباب المندب لمحاربة القرصنة مما افقد الدول المطلة على البحر الأحمر ومنها اليمن لحق سيادتها البحرية بل تعدى ذلك للعدوان على اليمن في مارس2015م.
فضلا عن التحكم والسيطرة على أهم طرق النقل البحرية في العالم وهو خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر لتأمين تدفق النفط إليها ولحلفائها من الخليج العربي ورغبتها في محاصرة القوى الدولية الصاعدة ومنها الصين التي أصبحت اقوى المرشحين لمنافسة أمريكا على الزعامة العالمية الهندي لتتحول اليمن وجزرها إلى ساحة مفتوحة للصراع بين القوى الدولية بحكم موقعها الجغرافي.
ومن الأهداف الاستراتيجية لواشنطن حماية الكيان الصهيوني والحفاظ على أمنه فالرئيس الأمريكي بوش الابن كان يدفعه في ذلك ايمانه بأفكار الصهيونية اليهودية والتي تؤمن بضرورة قيام دولتهم في فلسطين. وأن التزام أمريكا بمساندة إسرائيل هو من أحد الوصايا العشرة الواردة بالكتاب المقدس, وتمكين الكيان الصهيوني عسكريا من التواجد في البحر الأحمر وجزره وباب المندب والمحيط الهندي وجزيرة سقطرى بل الوصول بغواصاته وسفنه الحربية إلى منطقة الخليج العربي كذراع عسكري لواشنطن لتهديد بعض دول المنطقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي الشراعي