حكومة المرتزقة ودول العدوان تحاول الهروب من الواقع، وإنكار الفشل، والتخلي عن مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بإلقاء الكرة في ملعب صنعاء، واتهامها بالوقوف وراء الانهيار الاقتصادي.
أن تشتعل المحافظات الجنوبية والشرقية غضباً في وجه التحالف وما فرّخه من ميليشيات مُتصارعة، ليس مستغرباً، بل المستغرب أن هذه الغضبة الشعبية التي نراها اليوم تأخرت قرابة تسعة أعوام على الاجتياح العسكري السعودي-الإماراتي-الأميركي-البريطاني لعدن وغيرها من المحافظات، بهدف احتلالها والتحكم في الثروات الطبيعية في تلك المحافظات على حساب المواطنين الأكثر فقراً.
في غضون الأيام الماضية، اجتاحت عدن ولحج وحضرموت ولا تزال موجة غضب شعبي عارم، ترجمتها التظاهرات الكبرى وإحراق الإطارات في مختلف المدن والشوارع الرئيسة على خلفية انهيار الوضع الاقتصادي، والانخفاض الحاد لسعر العملة المحلية أمام العملات الصعبة بواقع 1500 ريال مقابل الدولار الواحد، وانعدام خدمة الكهرباء في ظل فشل التحالف وحكومة المرتزقة في تقديم أي شيء يحسن واقع المواطن المعيشي والاقتصادي ويخفف عنه وطأة الفقر وحرارة الصيف اللاهب عالمياً.
ما حصل في المحافظات المحتلة من موجة غضب هو خلاصة لما كانت تحذّر منه صنعاء منذ مفاوضات الكويت، وشاهد على فشل متراكم صنعته دول العدوان وأدواتها، لكن يبقى السؤال الأهم عن مآلات هذا الغضب الشعبي ونتائجه، وهل سينتهي بفرض مطالب الشعب في الجنوب على المحتل، أم أنها نزوة غضب عابر أشعلتها حرارة صيف لاهب في ظل انقطاع الكهرباء، وستبرد بمسكّن سعودي- إماراتي كما تعودنا عبر الهبات والصدقات النفطية والمالية التي لا تساوي معشار ما نهبته الدولتان من ثروات تلك المحافظات طوال تسع سنوات بتواطؤ سماسرة محليين، ممثلين في حكومات مرتزقة تعاقبت وتشكلت بأياد خارجية بحتة بعيداً عن إرادة الشعب؟
لا يمكن التكهّن بمآلات تلك التظاهرات وما إذا كانت ستتحوّل إلى ثورة كبرى في وجه المحتلين وأدواتهم، لكن المعروف أن أبرز أسباب ما آلت إليه الأوضاع في المحافظات المحتلة من انهيار اقتصادي ومعيشي وخدمي ربما غير مسبوق منذ أيام السلطنات، صنعها التحالف السعودي- الإماراتي- الأميركي- البريطاني، عبر الحرب الاقتصادية، بدءاً بنقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وتالياً طباعة العملة وإغراق السوق بأوراق العملة الجديدة من دون غطاء، والاستحواذ على عائدات الثروات السيادية للبلاد وتوريدها إلى البنك الأهلي السعودي ونزر يسير منها لحسابات سماسرة الداخل (المرتزقة)، وتسخير جزء منها في تمويل الحرب المدمرة للبنية الاقتصادية والتنموية في البلاد.
من السذاجة جداً توهّم أو توقع البعض منذ السنوات الأولى للحرب أن تعمل السعودية والإمارات كدولتين في واجهة تحالف الحرب على تحويل عدن إلى مدينة نموذجية، اقتصادياً وتنموياً وخدمياً، إذ كيف بغازٍ محتلٍ ومعتدٍ، جاء بقضه وقضيضه وسلاحه المتطور ليقتل ويدمر، ويعطل، ويسيطر ويستحكم، ويحكم ويهيمن، أن يفكر في مشاريع بناء ورفاه لبلد دمره ولشعب ارتكب فيه من الجرائم ما لم يرتكبه فرعون ببني إسرائيل من دون تمييز مناطقي أو مذهبي، ومن دون تفريق بين ابن صعدة وتعز وعدن وغيرها، ولكم أن تتأملوا في غارات الأشهر الأولى من الحرب ماذا عملت بعدن.
التحالف الذي تشكل على عجل جاء معتدياً متغطرساً منذ يومه الأول، ولم يأت منقذاً ولا جمعية خيرية لليمنيين، وهذا بدا جلياً في طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع اليمنيين المؤيدين لهم كـ “أجراء” و”مرتزقة”، إذ بدأ التحالف بتشكيل ميليشيات للقتال ونشرها في المناطق الاستراتيجية من باب المندب إلى حضرموت والمهرة وسقطرى وغيرها خدمة لأهدافه، وعمد إلى صناعة تشكيلات سياسية متجانسة وغير متجانسة لخدمة أهدافه، بدءاً من عبد ربه منصور هادي وصولاً إلى ما سمّي بمجلس القيادة الرئاسي، والمجلس الانتقالي، ومجلس حضرموت الوطني، ونحن هناك نتحدث عن السعودية والإمارات من دون تفريق بينهما باعتبارهما من أعداء اليمن واليمنيين.
في مقابل هذا العمل المنظم والممنهج لتفكيك اليمن وتمزيقه وإغراقه بالدم، ما الذي عملته هاتان الدولتان ومن ورائهما أميركا وبريطانيا في خدمة الشعب تنموياً واقتصادياً، فليدلّنا المطبّلون لهم إلى أي إنجاز في هذا السياق، لا شيء باستثناء مستشفى صغير أو مدرسة هنا وهناك لا تساوي شيئاً مقارنة بما نهب من خيرات اليمن، كما أن هذه المشاريع الصغيرة تندرج هي الأخرى ضمن الحرب (الحرب الناعمة) الهدف منها التسويق لدول الاحتلال وتحسين صورتها اللاإنسانية على أنها إنسانية وصاحبة واجب وفاعلة خير.
وينسحب الأمر على الميليشيات التي شكلها التحالف، من الانتقالي وطارق عفاش، إلى الإصلاح والمجالس في حضرموت، ولا هم لكل هذه التشكيلات سوى القتال والصراع على النفوذ، ولكل طرف محلي طرف إقليمي يدعمه، وجميعهم لا يهتمون أو يكترثون لما يعانيه المواطن اقتصادياً وإنسانياً ومعيشياً، لأنهم أدوات وموظفون لدى القوى الخارجية، ولا يفكرون خارج الخطوط المرسومة لهم وظيفياً.
على العكس في صنعاء التي صمدت رغم الحرب الاقتصادية الشرسة، واجهت الإجراءات الاقتصادية التعسفية بشراسة، حافظت على سعر العملة، حافظت على تماسك المؤسسات، شجعت المشاريع الصغيرة، فتحت أفقاً أمام التجارة الداخلية، نوّعت مصادر الدخل في ظل استحواذ التحالف على ثروات البلد، وما تزال تناضل وتجاهد سياسياً من أجل انتزاع حقوق الشعب من ثروات البلد لصالح الخدمات والمرتبات. صنعاء دولة تقاتل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً من أجل الشعب، وليس ضد الشعب كما يعمل التحالف ومرتزقته.
تحاول حكومة المرتزقة ودول العدوان بما فيها أميركا وبريطانيا وفرنسا الهروب من الواقع، وإنكار الفشل، والتخلي عن مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بإلقاء الكرة في ملعب صنعاء، واتهامها بالوقوف وراء الانهيار الاقتصادي والمعيشي والخدمي، من خلال معادلة حماية الثورة ومنع تصدير النفط، استيراد غاز بديل عن غاز صافر- مأرب، فترد صنعاء بأن المعادلة جاءت من أجل الضغط لصرف مرتبات الموظفين في عموم اليمن من عائدات تلك الثروات بدلاً من الاستئثار بها وتوريدها إلى بنوك دول العدوان.
وتجدد الدعوة إلى تحييد الاقتصاد وعدم تسييس الاقتصاد كما جاء مؤخراً في تغريدة لرئيس الوفد الوطني، وتؤكد أنّ الأزمة قديمة وتتجدد منذ سنوات نتيجة سياسة التجويع التي انتهجها تحالف العدوان، وترى أن انهيار العملة وتفاقم أزمات الخدمات، على رأسها الكهرباء والمياه، هما نتيجة تلك السياسات العدائية التي تقف وراءها الولايات المتحدة، منذ نقل وظائف البنك المركزي وقطع مرتّبات الموظفين وتصعيد الحرب الاقتصادية على اليمنيين.
علي ظافر