إن المتابع للشأن اليمني يعلم جيداً أن الولايات المتحدة الأمريكية ومنذُ بداية العدوان على اليمن كانت متورطة حتى النخاع في الحرب على هذا البلد، ومهما حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة استخدام التكتيكات التي يعتمدها السياسيون الأمريكيون بالادعاء بأن الولايات المتحدة ليست طرفا في النزاع، وأنها ليس لها تأثير كبير على التحالف بقيادة السعودية، والظهور بمظهر أنها تفضل الحل الدبلوماسي للصراع فإن الحقيقة واضحة وضوح الشمس وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية شريك أساسي في العدوان على اليمن بل إن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على إطالة أمد الحرب في اليمن وهي مسؤولة عن استمرارها.
وفي هذا الصدد نُشرت خلال السنوات الأخيرة العديد من التقارير التي كشفت بشكل واضح دور الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على اليمن حيث إن هناك العديد من المعلومات التي تشير إلى مشاركة أمريكا بالعدوان على اليمن من خلال تقديم جميع أنواع الدعم العسكري واللوجستي بل إن أمريكا وجدت الحرب على اليمن سوقاً لبيع السلاح وتزويد تحالف العدوان بكل أنواع السلاح الذي استخدم في العدوان على اليمن، حيث حققت الولايات المتحدة أرباحاً وأموالاً طائلة من عائدات بيع السلاح لتحالف العدوان السعودي. ومن خلال ما تم ذكره لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية التهرب من تواطؤها في جريمة الحرب على اليمن، فهي متورطة بعمق في الحرب على اليمن التي دمر التحالف كل شيء فيها بدعم كلي من أمريكا.
وما تجدر الإشارة اليه أن دعم الولايات المتحدة الأمريكية للسعودية في حربها على اليمن ليس سياسة إدارة أمريكية واحدة بل إن جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة ليس لديها نية بالتراجع والتوقف عن دعم التحالف السعودي وإنما التصريحات التي تصدر بين الحين والأخر من قبل بعض السياسيين في البيت الأبيض حول العدوان على اليمن إنما هي مجرد محاولة لتضليل الرأي العام الأمريكي عن حقيقة المشاركة الأمريكية في الحرب على اليمن ومحاولة تبرئة النظام السعودي.
وفي السياق نفسه يشار إلى عشرات الصحف والمواقع الأمريكية إضافة إلى مسؤولين ودبلوماسيين أكدوا أن الولايات المتحدة تشارك مباشرة في العمليات العسكرية ضد اليمن فضلاً عن إدانات متعددة أطلقتها منظمات دولية كبيرة بوجه أمريكا، لدورها المباشر في قتل الشعب اليمني واستمرارها في تزويد ما تسمى قوات التحالف بالأسلحة ومنها ما هو محرم استخدامه دولياً.
أمريكا تصر على استمرار الحرب والحصار على اليمن
أعلنت حركة أنصار الله أن ” أمريكا تصر على استمرار الحرب والحصار على اليمن”، حيث قال عضو المكتب السياسي لحركة “أنصار الله”، عبد الوهاب المحبشي “إن الأمريكي يرفض “مشروع قرار وقف دعم السعودية في عدوانها على اليمن”، مؤكدا أن “المصالح الأمريكية أهداف مشروعة للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الدعم الأمريكي المفتوح للعدوان والحصار”. وحول الإدارة الأمريكية والفرق بينها وبين السابقة على مستوى السياسات الخارجية، قال عضو “المكتب السياسي لأنصار الله”: “الإدارة الأمريكية قدمت نفسها حمامة سلام في الانتخابات الماضية وأنها تريد وقف العدوان لكنها اليوم أظهرت أنها تريد استمرار الحرب وتتماهى مع جرائم السعودية”، مشيرا إلى أنه “لا فرق بين الإدارات الأمريكية فكلها لا تحرص على السلام وحقوق الإنسان بل هي إدارات إرهابية تعتدي على الدول الأخرى”.
وقال “رئيس المجلس السياسي الأعلى” في صنعاء مهدي المشاط، في وقت سابق، إن “الدور الأمريكي في مسألة الهدنة خبيث وخطير، وهو من لا يريد أن تتجدد الهدنة”، مشيرا إلى أن “مشاورات الهدنة كانت وصلت إلى مستوى تفاهم جيد إلى أن وصل المبعوث الأمريكي إلى المنطقة وأفشل هذه الجهود”
الأهداف والأطماع الأمريكية في اليمن
لم يغب الدورُ الأمريكي عن المشهد اليمني ولو للحظةٍ واحدة منذُ بداية العدوان على اليمن، حيث سعت أمريكا إلى تكريس النفوذ الأمريكي ، والعمل على توطيد دعائم السيطرة الأمريكية على منابع الثروة النفطية اليمنية، وجزرها الاستراتيجية الواقعة داخل دائرة السيادة اليمنية الجغرافية، ومن أبرز الأنشطة المشبوهة لقوى العدوان الأمريكي في اليمن هو النشاط الأخير في محافظة حضرموت، والتي جعلت منها تلك القوى أرضاً خصبة لبذر نواة الاحتلال، ومرتعاً مفتوحاً للوفود العسكرية الأمريكية، وبؤرة لأعمالها القذرة والشيطانية، فالموقف الأمريكي أصبح أكثر تطرفا في دعم الموقف السعودي بحذافيره تجاه الملف اليمني أثناء زيارة وزير الدفاع الأسبق ماتيس للمملكة واتفاقه مع النظام السعودي على بيع منظومات صواريخ بقيمة ستة وثلاثين مليار دولار.
ويمكن إيجاز أهداف العدوان الأمريكي على اليمن فيما يلي: اجهاص الثورة اليمنية التي قادتها حركة أنصار الله والتي تمكنت من إسقاط نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي الحليف للنظام السعودي. وهنا يتضح جلياً أن الأمريكي يحاول إخضاع الجغرافيا اليمنية للهيمنة الأمريكية السعودية، أي إن المراد هو أن تكون السلطة السياسية في اليمن منسجمة كلياً وخاضعة كلياً لسلطة الأمريكان، أو بعبارة أخرى لا يجب أن يترك اليمن خارج المنظومة الأمريكية ويجب أن يفقد استقلال قراره وأن يتم صهره لصالح (السعودية) من اجل تكريس المشروع (الأمريكي – الصهيوني) في المنطقة، فدعم الأنظمة العميلة والرجعية لتنفيذ مشروع” شرق أوسط جديد” في هذه المنطقة المهمة والحساسة من العالم من أبرز الأهداف الامريكية.
ازدواجية المعايير الغربية والأمريكية
قالت صحيفة “واشنطن بوست” إنه بينما أثار القصف الروسي المزعوم لمستشفى للولادة وأهداف مدنية أخرى في أوكرانيا غضباً واسع النطاق باعتبارها جرائم حرب، حسب زعم الصحيفة، فقد وقعت آلاف الضربات المماثلة ضد المدنيين اليمنيين. وأصبحت الغارات العشوائية سمة مميزة لحرب اليمن، ما استدعى رقابة دولية على الدول المشاركة في الحملة الجوية، وتلك التي تقوم بتسليحها، بما في ذلك الولايات المتحدة.
بدأ دعم الولايات المتحدة للمجهود الحربي السعودي، الذي انتقدته جماعات حقوق الإنسان وبعض أعضاء الكونغرس، خلال إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما واستمر على فترات متقطعة لمدة سبع سنوات. ويقدم التحليل الجديد، الذي أجرته “واشنطن بوست” ومجموعة مراقبة Security Force Monitor SFM)) في معهد حقوق الإنسان التابع لكلية كولومبيا للقانون، الصورة الأكثر اكتمالاً حتى الآن عن عمق واتساع الدعم الأميركي للحملة الجوية التي تقودها السعودية.
ما يكشف أن جزءاً كبيراً من الغارات الجوية قد نُفذت بواسطة طائرات طورتها وقامت بصيانتها وباعتها شركات أميركية وطيارون دربهم الجيش الأميركي. وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعلنت في عام 2021 إنهاء الدعم العسكري الأميركي لـ “العمليات الهجومية” التي ينفذها التحالف الذي تقوده السعودية ضد “أنصار الله” في اليمن وعلقت بعض مبيعات الذخيرة له. لكن تحليل “واشنطن بوست” يظهر استمرار عقود الصيانة التي نفذها كل من الجيش الأميركي والشركات الأميركية لمقاتلات التحالف السعودي التي تنفذ مهام هجومية.
مخطط تدمير اليمن
لقد كانت الإدارة الأمريكية حاضرة في قلب مشهد مخطط تدمير اليمن وفي رسم سيناريو العدوان وفي تشكيل ما يسمى التحالف العربي الذي شن هجماته المباغتة على اليمن وضرب البنية التحتية ودمر المؤسسات الدفاعية والأمنية والاقتصادية، ومنذ الوهلة الأولى سارع تحالف العدوان السعودي الإماراتي للعب بأوراق مختلفة لتبرير عدوانهم وفكفكة النسيج المجتمعي ونسف وحدته وتمزيق أواصر لحمته وإغراق البلد في لجة الفساد السياسي والاقتصادي. ولا شك أن العدوان شاركت فيه قوى دولية كبرى تحت قيادة الولايات المتحدة تحت شعار ما تسمى “عاصفة الحزم” في إحداث الصدمة والرعب فالصدمة قد حدثت أما الرعب فما زال مستمرا والرعب الحقيقي هو الحصار الاقتصادي جوا وبرا وبحرا وإغلاق الفرصة أمام الوطن من استعادة دوره في الحياة السياسية الداخلية والخارجية.
وما تجدر الإشارة اليه هو التدخلات العسكرية الأجنبية المباشرة للقوات الأمريكية والبريطانية ووجودها في محافظتي حضرموت والمهرة. حيث شهدت محافظة المهرة وصول قوات بريطانية وأمريكية إلى مطار الغيضة وذكرت مصادر محلية أن القوات البريطانية والأمريكية انضمت إلى قوات سابقة متواجدة هناك، واستخدمت بريطانيا تسريبات صحفية معهودة من قبل المملكة لتبرير وجود قواتها الخاصة في المهرة اليمنية وذلك بحجة القبض على مهاجمي الناقلة “ميرسر ستريت” الإسرائيلية في خليج عمان وعادة ما تستخدم بريطانيا صحافتها لتسريب مثل هكذا معلومات عبر وسيط الصحيفة لديها.
في الختام.. لا يخفى على أحد أن العدوان السعودي الأَمريكي على اليمن، جاء بعد أيام قليلة من رحيل آخر جندي أَمريكي من صنعاء، وفي توقيت كان الجيش واللجان الشَّـعْـبية يحققون انتصاراتٍ وانجازات كبيرة في الحرب ضد التنظيمات التكفيرية، المُصنفة عالمياً بالإرْهَــابية، وتطهير أغلب المحافظات الـيَـمَـنية من تلك التنظيمات والتي كانت في النزاع الأخير، وخُصُـوْصاً في محافظات جَنُـوْب ووسط الـيَـمَـن” شبوة وأبين والبيضاء ولحج وعدن وَالضالع ،فدخول العُـدْوَان السعودي الأَمريكي على الخط لمواجهة الجيش واللجان الشَّـعْـبية، وفي توقيت كانت التنظيمات الإرْهَــابية تحتضر وتنهار، ما هو إلا من أجل إنقاذها، وإعادة انتاجها من جديد ضمن المُخَطّـط الأَمريكي في الـيَـمَـن، الذي بدأت تتجلى ملامحه وأَهْـدَافه في إعادة احتلال الـيَـمَـن من جديد، تحت هذا العنوان وهذه الذريعة.
وما تجدر الإشارة اليه أن الولايات المتحدة تسعى من خلال احتلالها لأرخبيل سقطرى، لعسكرة ومراقبة الطرق البحرية الرئيسة، الذي يصل هذا الممر المائي الاستراتيجي بين البحر المتوسط وجَنُـوْب آسيا والشرق الأقصى، عبر قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عدن، وهو طريق عبور رئيس لناقلات النفط، حيث تمر حصة كبيرة من صادرات الصين الصناعية إلَـى أوروبا الغربية، عبر هذا الممر المائي الاستراتيجي، كما تمر التجارة البحرية من شرق وجَنُـوْب أفريقيا إلَـى أوروبا الغربية، على مقربة من جزيرة سقطرى، عبر خليج عدن والبحر الأحمر.