بعد الاتفاق بين السعودية وإيران كان متوقعا أن يكون هناك انفتاح في قضية اليمن وانتهاء حرب الـ 9 سنوات في هذا البلد ولكن بمرور أكثر من ثلاثة أشهر، لم يطرأ تغير كبير على حالة السلام البارد. وأصبح هذا المأزق أكثر وضوحا وخاصة مع فشل مفاوضات تبادل الأسرى في الأيام الأخيرة.
إن الاهتمام بنتائج مفاوضات تبادل الأسرى أمر مهم لأنه أصبح في السنوات الأخيرة معيارًا لقياس احتمالية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين صنعاء والمملكة العربية السعودية.
وحول هذا السياق، قال مجيد فاضل المتحدث باسم فريق التفاوض لما يسمى بالحكومة اليمنية، إن المفاوضات مع أنصار الله في الأردن، والتي بدأت يوم الجمعة الماضية، لم تحرز أي تقدم حتى الآن. كما أعلن عبد القادر المرتضى، رئيس لجنة شؤون الأسرى في حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية، أن المفاوضات بشأن قضية تبادل الأسرى انتهت دون التوصل إلى أي اتفاق. وحسب هذا المسؤول اليمني، فقد “تمت مناقشة ومراجعة عدد من الأفكار والمقترحات لتوسيع اتفاقية تبادل الأسرى بين الطرفين المتنازعين في اليمن، وتقرر عقد جولة أخرى من المحادثات بعد عيد الأضحى”.
في السنوات الأخيرة، كانت هناك عدة جولات من المفاوضات بين أنصار الله والسعوديين من أجل تبادل الأسرى، وعلى الرغم من الاتفاقات الأولية، في كثير من الحالات، لم يتم تنفيذ بنودها. وحسب الإحصائيات، فإن أكثر من 2200 أسير من قوات الجانبين ما زالوا في السجون، وقالت حكومة صنعاء إن الإفراج عن الأسرى هو من أولوياتها، لكن يبدو أن المعتدين غير راغبين بحل هذه القضية. إن فشل مفاوضات تبادل الأسرى يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الساحة اليمنية وآفاق السلام.
أسباب التوقف في “حالة اللاحرب واللاسلم”
يتأثر عدم اليقين الذي يحكم الحرب في اليمن بالعديد من المتغيرات. ونظرًا لأن انتهاء النزاعات في اليمن يعتمد على الجانب السعودي، في المقام الأول، فإن افتقار الرياض إلى الإرادة الحقيقية للدخول في مفاوضات سلام جادة ينبغي اعتباره أهم عامل مؤثر. ولقد بدأت المملكة العربية السعودية الحرب القاسية على اليمن بزعم عودة ما تسمى بحكومة الفار منصور هادي إلى السلطة، ولكن في الواقع كان الهدف الرئيسي للسعوديين هو منع حركة أنصار الله من الوصول إلى السلطة واستقلال اليمن وظهور يمن قوي في شبه الجزيرة.
ومع ذلك، بعد 9 سنوات من غزو اليمن وتدمير البنية التحتية وقتل مئات الآلاف من الناس على حساب مليارات الدولارات من أموال النفط، الآن المملكة العربية السعودية، المهزومة في الحرب، ليس لديها أدوات قوية لاستخدامها على طاولة المفاوضات وهي بحاجة ماسة إلى كيفية الخروج من دوامة اليمن، وتواصل استخدام الوسائل الوحيدة المتبقية، وهي الإبقاء على الحصار والضغط الاقتصادي.
من ناحية أخرى، يريد السعوديون التأكد من أنه إذا انتهت الأزمة في اليمن، فلن تصبح هذه الدولة منطقة نفوذ للمقاومة في المنطقة. لأن أنصار الله يعتبر الآن جزءاً من المقاومة، والسعوديون لن يسمحون لها بالوصول إلى السلطة في حدودهم الجنوبية، وهم يبحثون عن ضمانات بعدم تنفيذ هذا المشروع. في الواقع، يطلب السعوديون من إيران ضمان عدم تهديد أنصار الله للمصالح السعودية في المستقبل.
قضية أخرى هي أن السلطات في الرياض تدرك تنامي قوة وشرعية أنصار الله بين اليمنيين وتخشى أن تتمكن هذه الحركة من السيطرة على جميع هياكل الحكم. لذلك فهم يبحثون بعد انتهاء الحرب عن الاستمرار في التدخل في الوضع الداخلي لليمن من خلال ادعاءات مثل تشكيل حكومة شاملة وإعادة كتابة الدستور، إلخ.
من ناحية أخرى، من الأمور التي جعلت السعوديين يترددون في طريق السلام هي الشروط التي وضعها أنصار الله للمعتدين على طاولة المفاوضات. ويزعم السعوديون أن الحرب الدائرة في اليمن صراع يمني ـ يمني وأن السيف والمقص بيد هذه الجماعات اليمنية. لكن قادة صنعاء يعتقدون أن هذه التيارات اليمنية على ما يبدو أكلة حصص من الرياض والإمارات وليس لديهم إرادة وقوة خاصة بهم، وأن صانع القرار النهائي في جبهة الأعداء هو المملكة العربية السعودية نفسها، التي لديها مقاليد حكومة عدن التابعة لها بالكامل.
وكرر أنصار الله القول إن السبب الرئيسي للأزمة في اليمن والكارثة الإنسانية في هذا البلد هو السعودية والولايات المتحدة، وعلى الرياض بصفتها المعتدية دفع تعويضات وفق القوانين الدولية لإعادة إعمار الدمار وقتل الشعب اليمني لكن حكام الرياض يحاولون الهروب من العبء، والالتزامات المالية وأعلنت أن الحرب قضية يمنية يمنية ورفضوا دفع تعويضات.
بالإضافة إلى الخلافات بين السعودية وأنصار الله، هناك أيضًا بعض العقبات في طريق السلام ووقف النزاعات، والتي هي خارج مسؤولية الطرفين. وفي هذا الصدد، اتهم رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، مهدي المشاط، أمريكا مؤخرًا بعرقلة طريق حل الأزمة. جدير بالذكر أن المئات من القوات العسكرية الأمريكية والمهندسين قد تمركزوا في المحافظات الجنوبية لليمن خلال العامين الماضيين ويقومون بنهب ثروات البلاد، واستمرار وجود المحتلين قد حجب آفاق السلام.
سيناريوهات المستقبل
في المأزق الحالي، هناك العديد من السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تحدث في هذا المجال.
السيناريو الأول هو أن تتخذ صنعاء إجراءات عقابية محدودة في بعض المناطق، بما في ذلك مأرب وتعز وباب المندب، ما سيزيد التوتر مؤقتًا، لأن الوضع لا حرب ولا سلام ليس في مصلحة اليمن، وكانت أنصار الله قد عبّرت مرارًا عن آرائها في هذا الموضوع، محذرة من أنها لن تقبل استمرار الحصار والاحتلال. وكان قادة صنعاء قد حذروا في وقت سابق من أنه في حالة استمرار الاحتلال، فسيكون بمقدورهم استعادة حقوق الشعب اليمني من المعتدين، كما أظهرت هجمات الطائرات المسيرة على ميناء الضبة لمنع نهب نفط البلاد.
السيناريو الثاني هو استمرار الوضع الراهن في الأشهر المقبلة وعدم تقصير الأطراف في تلبية مطالبهم وشروطهم. بالنظر إلى أن معظم قوة المملكة العربية السعودية قد ضاعت في السنوات التسع الماضية ولا يمكن أن تدخل في صراع جديد، لذلك فإن استمرار الوضع الحالي يمكن أن يكون فرصة لاستعادة وتجديد قوة كلا الجانبين بحيث إذا مفاوضات السلام لا تصل إلى نتيجة، ويمكن تفعيل جبهات القتال لمواجهة العدو، وفي هذه الحالة يكون أنصار الله في موقع أفضل ويمكنه توجيه ضربات ثقيلة للسعوديين. كما أن المرتزقة السعوديين منقسمون داخليًا بسبب خلافاتهم مع القوات الخاضعة لقيادة الإمارات، ويمكن أن تكون ميزة جيدة لأنصار الله لإضعاف الأعداء وإخراجهم من البلاد.
السيناريو الثالث، الذي يبدو أكثر ترجيحًا من الخيارات الأخرى، هو أن يجري الجانبان مفاوضات متسلسلة في الأشهر المقبلة، ومن أجل الوصول إلى النتيجة المطلوبة، سيقلصان مستوى اتفاقياتهما ويمهدان الطريق ببطء لاتفاق كامل. بعبارة أخرى، من خلال الإجراءات التدريجية، سيتفق الطرفان على شروط بعضهما البعض، لتوفير شروط السلام النهائي من خلال تمديد وقف إطلاق النار مقابل الرفع التدريجي للحصار عن اليمن ثم الموافقة على الشروط الأخرى مع تقدم المفاوضات، لن تكون السعودية في مأمن من هجمات أنصار الله المؤلمة، وسيخرج الشعب اليمني من الوضع الكارثي الحالي إلى حد كبير برفع الحصار، لأن دول المنطقة تريد أيضًا إنهاء الحرب في اليمن، ومع انسحاب السعوديين من بعض مطالبهم، سيتحقق السلام.