من شواهد التاريخ واحداثه استغلال السعودية لأي صراع يمني سواء داخلي أو في مواجهة اخطار خارجية او شن عدوان عليه قيامها باقتطاع أراضي وجزر يمنيةK فهذه السياسة التوسعية هي عقيدة الرياض العدوانية تجاه اليمن منذ 220 عاما و تظهر بأقبح صورها في عدوان 2015م.
إذا كانت احداث الماضي مختلفة من حيث الزمان فإنها تدور اليوم بذاتها حول نفس المكان, تطمح الرياض من خلال عدوانها الأخير على اليمن – حتى في وقت الهدنة – من محاولة السيطرة ايضا على جزر يمنية في البحر الأحمر كالجزر الواقعة في مقابل ميدي.
إعلان نيكسون
تطل الحروب برأسها وعلى الدوام في منطقة البحر الأحمر نتيجة التنافس على منافذه و جزره وقد حاولت امريكا ادخال جزيرة زقر اليمنية ضمن الصراع اليمني – الاريتيري عام 1995م من اجل تدويل الصراع, مع قيام السعودية بنفس الوقت باحتلال جزيرة يمنية مستغلة انشغال اليمن باحتلال اريتيريا جزيرة حنيش أضافه إلى وضعها الاقتصادي بعد خروجها من حرب صيف 1994م.
ومنذ اعلان الرئيس الامريكي نيكسون في 25 يوليو 1969م عن منح صلاحيات واسعة لحلفاء واشنطن للقيام بمهام الحراسة في مناطق جغرافية حول العالم ومنها البحر الاحمر.
وعلى مدى جميع مراحل التنافس والصراع على البحر الأحمر ودوله وجزره شكلت جزره حلقة كاملة كان لابد لأطراف التنافس والصراع من السيطرة عليها مباشرة أو بواسطة انظمة سياسية موالية لها بالوكالة. وان تموضع أي من الدول الكبرى على سواحل دول قريبة من الجزر سيكون بمثابة السيطرة على الجزر القريبة من السواحل كحال جيبوتي والتواجد فيها قواعد عسكرية لدول أجنبية مختلفة.
ميثاق جدة
اليمن تحتل موقعا استراتيجيا رئيسيا في الخريطة الأمنية لشبة لجزيرة العربية فهي التي تمسك بمفاتيح الباب الجنوبي للبحر الأحمر فتتحكم في لقائه الجغرافي بالمحيط الهندي.
فقد احتلت انجلترا مصر 1882م ومن قبلها احتلالها لجنوب اليمن 1839م أصبحت هي المسيطرة على مداخل البحر الأحمر الجنوبية عدن والشمالية قناة السويس وحتى عندما أرغمت انجلترا مصر على اخلاء السودان احتفظت الانجليز بميناء سواكن السوداني والمطل على البحر الأحمر باسم مصر. فيما وصف اللورد (سالسبوري ) أحد قادة الاستعمار البريطاني البحر الاحمر بأنه (وتر بريطانيا الحساس). ومع قيام ثورة 23 يوليو 1952م في مصر سعى الإمام أحمد إلى إنشاء علاقة خاصة بين مصر واليمن حتى يحفظ التوازن بين الجغرافيا والتاريخ.
وتطلعت مصر إلى ضمان أمن البحر الاحمر بواسطة الاقطار التي تقع على شواطئه دون وجود قوى خارجية فمن اجل ذلك ظهر ميثاق أمن جدة عام 1956م الذي ضم مصر واليمن والسعودية وهو ان كان ميثاقا دفاعيا الا أنه يعني حماية أمن البحر الاحمر من خلال الدفاع المشترك عن الدول العربية الموقعة على الميثاق ضد العدوان الخارجي سواء في الأرض أو البحر وحسب ما نصت عليه المادة الثانية من ميثاق جدة أ( تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة منها أو على قواتها اعتداء عليها …) بمعني أن أمن البحر الأحمر عمل جماعي ودفاع مشترك لا تنفرد به دولة واحدة.
استراتيجية الجغرافيا
فمن بين أهداف مصر الاستراتيجية آنذاك حماية باب المندب وتحرير جنوب اليمن لتأمين الملاحة في قناة السويس وكان رمسيس الثاني أول حاكم مصري يدرك أهمية باب المندب حين حرره من القراصنة وترك عنده حامية مصرية ثم تبعه في ذلك حكام مصر من الفراعنة حتى وقتنا الحاضر والذين اجمعوا على أن حماية أمن مصر تبدأ من باب المندب في الجنوب.
وهذا ما أكدته حرب اكتوبر 1973م عندما أغلقت اليمن مضيق باب المندب بناء على طلب من مصر هذه استراتيجية الجغرافيا التي تفرض نفسها على صفحات التاريخ واحداثه. وعندما أدت أحداث العدوان الثلاثي على مصر 1956م إلى تعطيل الملاحة في قناة السويس هبت الدول صاحبة المصالح البترولية فأخرجت على الفور البترول من ليبيا حتى توفر احتياجات أوروبا وأمريكا من البترول عن الطريق الذي لا يخضع لقناة السويس ولا يضطر إلى رأس الرجاء الصالح.
طلب الرياض
لقد كان لخروج بريطانيا من عدن 1967م وكذلك من جزيرة ميون الواقعة على باب المندب إثر كبير على اقتناع الكيان الصهيوني بضرورة تنمية العلاقات الصهيونية الاثيوبية آنذاك إلى اقصى مدى وذلك للتعويض عن الخروج البريطاني المحتمل من البحر الأحمر مما كان سيؤدي إلى سيطرة قوى معادية للكيان عليه وعلى منافذه ولقد حاولت السعودية اقناع بريطانيا بعدم الخروج من الخليج العربي.
كما أن عرضا بتمويل القوات البريطانية قد عرضته الإمارات في مقابل بقائها في منطقة الخليج العربي إلا أن بريطانيا رفضت العرض الإماراتي قائلة : جيش بريطانيا ليس جيش من المرتزقة – فالدويلة التي صنعتها بريطانيا كانت غير قادرة على البقاء على الخارطة السياسية نجدها اليوم صارت أداة للسياسة الاستعمارية في المنطقة.
وهكذا خرجت بريطانيا من الخليج العربي عام 1971م وقبلها خرجت من عدن وجزير ميون عام 1967م تاركة خلفها نظام سياسي خليجي ضامن لسياساتها وللسياسات الأمريكية مقابل ضمان بقاء الانظمة الخليجية.
توازن استراتيجي
ترتب على نتائج حرب يونيو 1967م اطلاق حرية الملاحة للكيان الصهيوني في المرور عبر مضيق تيران والبحر الأحمر بالإضافة إلى تعزيز مركزها ونفوذها لدى بعض الدول الافريقية مثل اثيوبيا وجنوب افريقيا والكونغو وغيرهم ولم تتحرك أي دولة عربية وأفريقية من الدول المطلة على حوض البحر الأحمر لمنع السفن الصهيونية كمجرد تفكير أو تخطيط أو السعي لتحقيق ذلك إلى أن بدأ التفكير الذاتي لمصر خلال عام 1971م في النظر بعيدا باتجاه باب المندب سعيا وراء احداث توازن استراتيجي في مواجهة أحدى ركائز نظرية الأمن الصهيوني.
تدويل حنيش
وعلى أثر حرب 1973م وقيام شطرا اليمن الشمالي والجنوبي بمساندة قطع من الأسطول البحري المصري بإغلاق مضيق باب المندب بوجه الملاحة المتجهة إلى ميناء إيلات الصهيوني برزت أهمية باب المندب الأمر الذى أثار فتح ملف المضيق سنة 1974م تحت عنوان ( مسألة تدويل مضيق باب المندب وتدويل جزر حنيش وكمران ودكور وأبو عين ) على نحو ما ورد في الموسوعة العسكرية الأمنية الصهيونية 1980م.
وقبل ذلك ثارت مسألة باب المندب في عام 1971م عندما هوجمت في 11 يونيو حاملة البترول (كورال سى) التي كانت تعبر باب المندب في طريقها إلى ميناء إيلات.
ومحاولة الكيان الصهيوني بعد حرب 1973م من فرض تواجده العسكري المباشر في بعض الجزر اليمنية المتحكمة في مدخل البحر الجنوبي للبحر الاحمر وقد تردد في هذا المجال وجود الكيان الصهيوني في 12 جزيرة منها حنيش الكبرى و الصغرى والتي تبعد 136 كم من باب المندب وجزيرة زقر على بعد 32 كم من الشاطئ اليمني وجزيرة أبو عيل شمالي جزيرة زقر بحوالي 5 كم.
وقيام الطيران الصهيوني يقوم بطلعات جوية منتظمة لمراقبة الأنشطة المختلفة التي تتم في المنطقة وهو ما أشار اليه اليمن الشمالي آنذاك في 26 نوفمبر 1976م من قيام طائرتين معاديتين بالاستطلاع في باب المندب في يومي 18 و25 نوفمبر1976م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي الشراعي