جاءت العملية على الحدود المصرية والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة من الجنود الصهاينة واستشهاد الجندي المصري، في توقيت حرج تمر به المنطقة ويمر به العدو الصهيوني، وقد جاءت لتزيد من عمق أزمة العدو، وهو ما وصفه بنفسه بأن قال إنها خطيرة مؤلمة.
وهنا يمكن رصد مصادر الخطورة والألم، حيث تحمل العملية أبعادا متعددة من حيث التوقيت والدلالات:
1ــ من حيث التوقيت
جاءت العملية في وقت يحاول العدو ترميم الردع واستعادة ثقة الجمهور الصهيوني المهترئة بعد صواريخ المقاومة التي أجبرت مواطنيه على البقاء لأيام في الملاجئ، وبعد ارتداعه الواضح على الجبهة اللبنانية، وحرصه على عدم التصعيد معها وخرق الخطوط الحمر التي حددتها.
وبالتالي ظهرت بشكل مفاجئ جبهة أخرى كانت ساقطة من حسابات العدو واعتبرها في عداد الجبهات الآمنة، وهو ما شكل صدمة لدى المحللين الصهاينة، حيث انعكست على تصريحاتهم عبارات الإحباط، وكأن كل سنوات (السلام) ذهبت هدرا على جبهة اعتبرها الكيان جبهة ساكنة ومضمونة وفي أفضل حالات الاحتياط، جبهة غير نشطة.
2ــ من حيث الدلالات
هي تحمل دلالات عميقة تؤدي جميعها إلى نتيجة مفادها، فشل النظرية الأمنية والسياسية للعدو.
3ــ من حيث النظرية الأمنية
إن العدو جاهد في مشروع لفصل الساحات وخاصة دول الطوق، ليستطيع الانفراد بكل جبهة على حدة، وأنفق كثيرا على مناورات ودعايات للتظاهر بالقوة وبأنه يستطيع الحرب على أكثر من جبهة، بينما كان في واقع الأمر يتلاشى الوقوع في مصيدة الحرب الداخلية مع المقاومة الفلسطينية، وفتح جبهة خارجية.
وقد فوجئ العدو بأن هناك جبهة محتملة جديدة وهي الجبهة الجنوبية مع مصر، وخاصة وأن الحادث يحمل بصمات عملية وطنية لها سوابق منذ عملية الشهيد سليمان خاطر وعملية ايمن حسن، وهو ما يعني أنها عمليات تخضع لسلسلة نوعية واحدة حتى لو تباعدت الفترات بينها، وهي سلسلة الوجدان الوطني المقاوم والذي يعتبر الكيان عدوه الأول والرئيسي، وأن هذا العداء لا يسقط بالتقادم، وأن حقائق السياسة التي يتم فرضها بالقوة لن تغير حقائق التاريخ وحقائق الوجدان وبديهيات الصراع مع عدو يكاد كل بيت مصري يحتوي على شهيد سواء منه أو من أقاربه، قضوا في الحروب مع الكيان الغاصب.
4ــ من حيث السياسة
إن العدو سار بمسار عكس اتجاه الوحدة العربية والإسلامية، وأراد أن يمحو مقوماتها ويهدم حتى شعارها الأبرز، وهو الوحدة من (المحيط إلى الخليج) بذهابه للمحيط للتطبيع مع المغرب، وذهابه للخليج للتطبيع مع دوله، حتى يشيع مناخا زائفا بقبوله من المحيط للخليج، محاولا الإيهام بشرعيته وبقبوله كأمر واقع.
وهنا تسقط هذه الطموحات والأوهام الصهيونية بعد أن فوجئ بعمليات تباغته من أول قطر افتتح معه مسار التطبيع، وهو عودة لنقطة الصفر، تثبت أن تطبيعه حبرا على ورق، وأن الشعوب لا تكتفي بالرفض فقط، بل يمكنها المبادرة بالهجوم والاشتباك في أي لحظة وأنها جبهة مفتوحة محتملة ولا يعول على سقوطها.
لا شك أن العدو في السنوات الأخيرة قد تلقى عدة مفاجآت صادمة، كان أبرزها في الجبهة اليمنية بظهور أنصار الله كعضو وافد على محور المقاومة، وهي مفاجأة صادمة على جبهة بحرية ظن أنه قد تمكن من تأمينها عبر قواعده وأنظمة خاضعة لأمريكا والخليج باليمن تشكل أمانا له.
والمفاجأة الأخرى الصادمة والمتدحرجة، هي إثبات مصر أنها قادرة على العودة في أي وقت وأن جنديا بطلا منها يستطيع قتل عدة جنود والاشتباك مع قوة كاملة من جيش الدمى الصهيوني، وهو ما يذكره بحرب أكتوبر على الجبهتين المصرية والسورية وخسائره الفادحة، وعدم قدرة السياسة التي أهدرت مكتسبات الميدان على القضاء على هذه الروح، وبالتالي يستمر شبحها جاثما فوق صدره وصدر مواطنيه.
كان العدو دقيقا عندما وصفها بأنها خطيرة لأنها على جبهة يمكنها أن تشكل أزمة ردع مضافة لها تداعيات سياسية بالداخل وكذلك عسكرية واستراتيجية، وكذلك عندما وصفها بأنها مؤلمة لأنها كشفت عواره وسهولة اختراقه وضعف واهتراء اجراءاته الأمنية وجبن جنوده وفشلهم.
ربما تخضع هذه العملية لنمط العمليات الفردية كسابقاتها من العمليات ولا تؤشر بالضرورة على مرحلة جديدة عنوانها فتح جبهة مقاومة مصرية، وربما يتم احتواء تداعيات العملية من الجانبين المصري والصهيوني، ولكنها ستبقى شاهدا على عدم خلو مصر من المقاومة وأنها ستظل دوما جبهة صراع مع العدو، قد تكون كامنة ولكنها ليست ميتة أو ساقطة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيهاب شوقي