مقالات مشابهة

سر إصرار بريطانيا على إطالة أمد الحرب في أوكرانيا

في الأسابيع الأخيرة، اتخذت بعض البلدان، بما في ذلك خطة الصين المكونة من 12 نقطة ومبادرة البرازيل، خطوات للتوصل إلى حلول سياسية وإنهاء الأزمة في أوكرانيا.

لکن زيارة الأمين العام للناتو إلى كييف، وتصريحات المسؤولين الغربيين بشأن الحاجة إلى تسريع عملية إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، تلقي بظلال من الشك على نتيجة هذه الوساطات. وفي الوقت نفسه، فإن مواقف السلطات البريطانية والتأكيد على طول مدة الحرب في أوكرانيا، تستحق اهتمامًا خاصًا.

توقع وزير الدفاع البريطاني بن والاس مؤخرًا أنه من غير المرجح أن تنتهي حرب أوكرانيا مع روسيا هذا العام. والسؤال المطروح الآن هو لماذا تطلق هذه التصريحات العدوانية؟ وما هي أهداف لندن من ورائها؟

يُظهر تاريخ سلوك الحكومة البريطانية في حالات مماثلة، أن هذا البلد كان دائمًا حليفًا لأمريكا في حالة انعدام الأمن العالمي، ويعتبر وجود أجواء الأزمة أساسًا للقضاء على المنافسين. في غضون ذلك، تكشف دراسة التطورات الداخلية في بريطانيا أيضًا، عن حقائق أخرى حاسمة جدًا في فك رموز نهج هذا البلد تجاه أزمة أوكرانيا.

على الصعيد السياسي، في منتصف شهر مايو تم تتويج تشارلز رسميًا، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة لوسائل الإعلام المتعلقة بالعائلة المالكة، كان رد فعل المجتمع البريطاني على هذا التتويج سلبياً، ويؤكد كثير من أبناء هذا البلد، وخاصةً الشباب منهم، على ضرورة إنهاء الملكية في بلادهم.

وتظهر نتائج استطلاع أن معظم أعضاء الحزب السياسي البريطاني الثاني(العمال)، هم ضد الملكية في هذا البلد. ويشير البحث الذي أجراه معهد “يوغاف” للاستطلاع، إلى أن 15٪ فقط من أعضاء هذا الحزب يفخرون بالتاريخ البريطاني. ووفقًا لذلك، يريد ما يقرب من 70٪ من الشعب البريطاني أيضًا إنهاء النظام الملكي في بلادهم.

بالطبع، الأزمة السياسية في بريطانيا لا تنتهي عند هذا الحد. حيث يواجه رئيس الوزراء سوناك الآن قضايا فساد واحتجاجات قوية ضد سياساته الجشعة. کما أدى اشتداد التناقضات السياسية داخل الحكومة البريطانية مؤخرًا، إلى استقالة نائب رئيس الوزراء في هذا البلد دومينيك راب.

ويمكن رؤية بُعد آخر للوضع الحرج في بريطانيا في المجال الاقتصادي. فعلى الرغم من وعود سوناك بالتعامل مع الأزمة الاقتصادية، لا يزال التضخم في هذا البلد يسجل رقماً قياسياً، ويواجه الناس العديد من المشاكل في الحصول على الطعام ودفع تكاليف الطاقة المذهلة. وقد أدى هذا الوضع الاقتصادي إلى استمرار الإضرابات والاحتجاجات المكثفة في الشوارع، وزيادة الضغط الاجتماعي على الحكومة.

وتظهر الأبعاد الأخرى للأزمة الداخلية في بريطانيا، في المشكلات الخطيرة المتعلقة بتوفير خدمات الرعاية الصحية. وفقًا لآخر الإحصاءات المنشورة في هذا البلد، ينتظر خمسة ملايين مريض أكثر من أسبوعين لزيارة طبيب عام. وقال وزير الصحة في حكومة الظل ويس سترينغ (حزب العمال): المرضى يجدون من المستحيل زيارة طبيب عام، بعد 13 عامًا من وعود الحزب الحاكم المحافظ.

ويجب إضافة التمييز وعدم المساواة والسلوك العنصري المنهجي، إلى الوضع الحرج لرجال الدولة البريطانيين. حيث أعلنت لجنة المرأة والمساواة في البرلمان البريطاني في تقرير لها، أن خطر وفاة النساء السود الحوامل في هذا البلد يبلغ أربعة أضعاف خطر وفاة النساء البيض، وأعربت عن قلقها إزاء الاستهانة بالتمييز العنصري من قبل الحكومة.

في الوقت نفسه، أعلنت قناة “روسيا اليوم” الإخبارية عن إحصائيات مروعة عن اعتداءات جنسية في مستشفيات بريطانية، وكتبت: منذ عام 2019، حدثت أكثر من 6500 حالة اعتداء جنسي واغتصاب، بما في ذلك حتى أطفال دون سن 13 عامًا، في مستشفيات في إنجلترا وويلز.

إضافة إلى الحالات المذكورة، أصبح الوضع الحرج لطالبي اللجوء في بريطانيا أيضًا تحديًا خطيرًا لحكومة هذا البلد. بالتزامن مع الكشف عن فضيحة تعاون فنادق طالبي اللجوء مع عصابات الاتجار بالبشر وخاصةً الأطفال، فإن قضية توطين طالبي اللجوء في القواعد العسكرية أو نقلهم إلى رواندا، قد أضيفت إلى القائمة الطويلة لمشاكل لندن كأمثلة على السلوك السيء ضد الإنسانية.

كما أن وضع القوات المسلحة البريطانية ليس في حالة جيدة، وذلك بفعل الأزمة الاقتصادية في هذا البلد. وأصدرت لجنة الحسابات العامة البريطانية مؤخرًا تقريرًا يحذر من هشاشة الوضع العسكري، وعدم القدرة على تنفيذ الالتزامات العسكرية للبلاد في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأعرب هذا التقرير عن شكوك حول المنظومة العسكرية البريطانية، ووصف نظام مراقبة المعدات الدفاعية في البلاد بالفاشل.

إن الانتباه إلى التحديات الداخلية المعقدة للغاية التي تتعامل معها الحكومة البريطانية، يعطي تصورات ملحوظة حول سر إصرار رجال الدولة في هذا البلد على إطالة أمد الحرب في أوكرانيا.

في ظل الوضع الحالي، استمرار الأزمة في أوكرانيا وتظاهر لندن بلعب دور في الدفاع عن هذا البلد كالتزام أخلاقي وعسكري وأمني ولعب دورا فاعلا في هذا المجال، في حين أنه سيستتبع دعم الولايات المتحدة، يعتبر أيضًا ذريعةً جيدةً لتبرير عدم الكفاءة في الداخل. وهکذا، لن يكون من الصعب تحليل سلوك رجال الدولة البريطانيين تجاه أزمة أوكرانيا، والذي سيفرض بالطبع تكاليف مالية وبشرية باهظة على كييف.