بشكل جليّ، أدرك الخبراء والمحللون الصهاينة الواقع المظلم لمستقبلهم بعد تحذيرات جبهة المقاومة الأخيرة، والتي كانت على شكل إطلاق عدد محدود من الصواريخ فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة من الجنوب وسوار غزة، حيث قالت سيما شين، رئيسة مكتب إيران في معهد دراسات الأمن القومي التابع للكيان الصهيوني، في مؤتمر حول موضوع التقارب وتنظيم الجبهات الأمنية على خلفية الأزمة الداخلية الإسرائيلية، إنّ الوضع في “إسرائيل” مظلم للغاية، في وقت يشير فيه المشهد الإسرائيليّ العام.
وخاصة على الصعيدين السياسيّ والاجتماعي، إلى الحال الذي وصل إليه الكيان الغاصب من الترنح العميق في كل السلطات والمجتمع الصهيوني في آن واحد، فيما يضيع التوازن بين مختلف السلطات في حكومة العدو تماشياً مع أساليب “تكسير العضم” داخل النظام السياسيّ الإسرائيليّ وهذا ما يؤكّده مشهد الصراع بين مؤيدي نتنياهو ومعارضيه، بما يمتد بلا شك على كل النواحي الاجتماعية.
مرحلة إسرائيليّة مظلمة
اعترافات غير مسبوقة جاءت على لسان رئيسة مكتب إيران في معهد دراسات الأمن القومي التابع للكيان أشارت فيه إلى أنّ الإسرائيليين يعيشون مرحلة مظلمة جدا فيما يتعلق بالامن القومي لـ”إسرائيل”، ويُفترض أن السبب الرئيسي لضعف الكيان الحالي هو الأحداث الداخلية، بما يعيدنا إلى تصريح رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر أنّ “بنيامين نتنياهو هو الخطر الأكبر على إسرائيل”.
وأنّه أكثر خطراً على الكيان من إيران وحزب الله، على حد وصفه، حيث بات الكيان بالفعل يسير في طريق مختصر واحد نحو “الهاوية” وهذا ما تنبأ به كثيرون منذ اليوم الأول لنتائج انتخابات الأول من تشرين الثاني/نوفمبر ووصول الأحزاب الدينية المتشددة واليمينية المتطرفة للحكم، الشيء الذي أدّى لوصول نتنياهو وللمرة السادسة للحكومة الأكثر فاشيّة منذ بداية الاحتلال العسكري الصهيوني لفلسطين والأراضي العربية، ليصبح الكيان مستعبدا لحاجات رجل واحد كما يقول الإسرائيليون ومسؤولوهم، وبالتالي تعميق الأزمة الداخلية وحالة الانقسام بين الإسرائيليين، مع تزايد الشروخات بشكل يهدد “المجتمع الإسرائيليّ”.
“نحن في نقطة التقاء تطورات أمنية سلبية للغاية ضد إسرائيل، ولا يمكن تجاهل هذه المسألة”، عبارة بتنا نسمعها كثيراً في الأوساط الإسرائيليّة، فيما يتنامى الرعب الإسرائيليّ من تنامي القوة الصاروخيّة لمحور المقاومة بشكل عام، في ظل التخوف الصهيونيّ الذي ينبع من استمرار تطوير مشروع الصواريخ الدقيقة للمقاومة، والذي يهدّد الجبهة الداخلية للكيان بصورة عامة، إضافة إلى منشآت استراتيجية صهيونيّة، وقد تحدثت مواقع عبريّة مراراً وتكراراً أنّ ترسانة المقاومة تحتوي على صواريخ وصفت بأنّها “التهديد الاستراتيجيّ” للكيان، وأن تل أبيب قبلت عملياً بهذا أمراً واقعاً.
ومع تأكيد سيما شين أن “إسرائيل” في وضع مظلم للغاية، أشارت إلى أن إيران هي التحدي الأمني الرئيسي للكيان، معبرة عن قلقها العارم مما يحدث اليوم وهو التواصل والتنسيق بين الجبهات وتقدم إيران الكبير في برنامجها النووي، وتعزيز الوجود الإقليمي لها بين مختلف عناصر جبهة المقاومة مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في غزة والمنظمات العسكرية الموالية لإيران.
معتبرة أنّ كل ذلك اجتمع ضد تل أبيب في آخر أحداث المدّة الأخيرة وبالأخص أحداث المسجد الأقصى، وذلك مع تصاعد قوة “محور المقاومة” بشكل لا يوصف في السنوات الأخيرة مع تحقيق انتصارات مهمة في مختلف النواحي، بدءاً من إيران ومروراً بالعراق وسوريا ولبنان وليس انتهاءً عند فلسطين واليمن، بينما تعيش “إسرائيل” قلقاً عارماً على وجودها أكثر من أيّ زمن مضى بسبب ما يجري في المنطقة والداخل الفلسطينيّ، وخاصة عقب الأحداث الأخيرة على الساحة الفلسطينيّة والتي تركت الكيان المعتدي وآلته الاحتلاليّة العسكريّة في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للمقاومة.
أخطار كبيرة على الكيان
“تتحد عناصر جبهة المقاومة ضدنا، والعلاقات المهتزة بين إسرائيل والأردن والإمارات والابتعاد عن السعودية والابتعاد عن الولايات المتحدة، كلها عمليات سلبية للغاية تحتاج إلى وقت لتصحيحها و كل هذا يحدث في نفس وقت التطورات والتوترات الداخلية في اسرائيل “، عبارة قالتها المسؤولة الإسرائيليّة لخصت بشكل عام جلّ ما يعاني منه العدو هذه الأيام.
وهذا كله بسبب التصعيد الإسرائيليّ الذي أدى إلى اشتعال “مقاومة شاملة” في فلسطين والمنطقة، لردع الكيان واستعادة الحقوق وتحرير الأرض والمقدسات، وإنّ هذه التصريحات تؤكّد أنّ عمر هذا السرطان بات في الخواتيم، وأنّ المقاومة في منطقتنا حققت انتصارات كبيرة على “إسرائيل” وفرضت معادلاتها وغيّرت المحاور القتالية، بالاستناد إلى القوة العسكريّة بأبعادها المختلفة، وأحدثت وقعها وصخبها على المستوى المحليّ وعلى امتداد المنطقة.
ومن الجدير بالذكر أنّ معهداً بحثيّاً إسرائيليّاً قال في الفترة الماضية إنه في حال حدوث أي حرب، ستكون “إسرائيل” مستهدفة بقوة نيران غير مسبوقة من اتجاهات مختلفة وتقديرنا أن حزب الله سيطلق أكثر من 1000 صاروخ في اليوم، بالإضافة إلى العشرات أو المئات من الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى التي يمكن إرسالها إلينا من سوريا وربما من العراق.
وإنّ الشعب الفلسطينيّ ومقاومو المنطقة جاهزون دوماً لصد أي مساعٍ إسرائيليّة لسلب حقوق أصحاب الأرض والمقدسات، باعتبار أنّ قوات العدو القاتل ماضية في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ والعربي، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، بالإضافة إلى استماتة تل أبيب لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ.
إضافة إلى ذلك، كتب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تقرير حول هذه التحذيرات: يجب أن يستعد جيش الاحتلال للحرب على جبهتين (في إشارة إلى حزب الله اللبناني والجماعات الفلسطينية في غزة)؛ حرب يرجح وقوعها مع محور المقاومة ويمكن أن تؤدي إلى إطلاق آلاف الصواريخ بشكل يومي باتجاه الأراضي المحتلة.
بالتزامن مع إشعال المنطقة بالحرائق، في لبنان أو سوريا أو العراق، في وقت تغيب تل أبيب القرارات الدوليّة بفرضها سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحتها للدم الفلسطينيّ والعربيّ وخرقها الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام في المنطقة.
أيضاً، تزداد تلك التنبؤات بـ “حرب كبرى” في ظل الحكومة الجديدة للكيان الصهيوني برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهذا ما دفع وسائل الإعلام العبرية لتحذير تل أبيب مراراً من “أمطار الصواريخ”، مع استمرار إجرام وعنصريّة العدو الصهيونيّ الوحشيّ بحق الفلسطينيين وخطة “الإبادة الجماعيّة” التي تنتهجها تل أبيب بحقه، والتعدي السافر على مقدسات وممتلكات المدنيين الشخصيّة ومحاولة تهجيرهم قسريّاً لمصلحة المستوطنين، ناهيك عن التاريخ الإسرائيليّ الحافل بالقتل والدماء، لذلك فإن المواقف الجادة للمقاومة تدفعها لتكون جاهزة لمواجهة التحديات السياسية والأمنية.
في النهاية، في الوقت الذي تغافلت فيه شين أن الأحداث الأخيرة لم تكن المرة الأولى التي تتوحد وتتكامل فيها جبهة المقاومة ضد العدو الصهيوني، يبدو أن هذه الوحدة والتلاحم موجودة منذ وقت طويل للغاية، وأن الصهاينة لم يتذوقوا سوى شيئ يسير من نتائج هذه الوحدة والتقارب.
حيث أدى التنسيق الإعلامي والعملياتي لجبهة المقاومة في أحداث الأسابيع الأخيرة إلى تغيير معادلات الكيان الصهيوني لأي خطأ حسابيّ ضد جبهة المقاومة، مع إثبات أن “إسرائيل” ليست قادرةً على حسم المعركة لا ضدّ حزب الله على الجبهة الشماليّة للأراضي الفلسطينة المحتلة، ولا ضدّ حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزّة المحاصر، حتى تستطيع فرض قوتها على كامل محور المقاومة، وخاصة في ظل التفتت الداخلي العميق.