في حين تشكلت في الأيام الأخيرة الجولة الجديدة من مفاوضات وقف إطلاق النار بين المملكة العربية السعودية وأنصار الله بوساطة عمان لإنهاء الحرب في اليمن في ظل سلام هش، وفق ما نقلته وكالة أسوشيتيد برس عن مسؤول أممي، تم الإعلان عن خارطة طريق الرياض المرحلية في هذه المفاوضات.
وأعربت حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية بقيادة أنصار الله، في الأشهر الأخيرة، عن استيائها الشديد من عدم التزام الجانب السعودي بتنفيذ التزاماته في اتفاقيات وقف إطلاق النار، وقامت في البداية بتعطيل مسار صادرات النفط من الجنوب ومن جهة أخرى هددت ببدء جولة جديدة من عمليات الردع في عمق أراضي الدول المعتدية.
ومن أهم مطالب صنعاء في المفاوضات الأخيرة دفع رواتب جميع موظفي الحكومة. كما وضع أنصار الله شرط إنهاء الحصار اللاإنساني على اليمن والوقف التام للهجمات وإعادة فتح مطار صنعاء كمطالب بعد تطبيق أوضاع حقوق الإنسان على طاولة المفاوضات مع الوفد العماني.
مع الوصف، وفي موقف زادت فيه سيطرة حكومتي السعودية والإمارات على المناطق الجنوبية من اليمن من خلال الميليشيات الموجودة تحت حمايتهما، زادت المخاوف بشأن أحلام المعتدين وكوابيس تقسيم اليمن والاستيلاء على الجزر والموانئ والموارد الطبيعية لجنوب هذا البلد، حيث نقلت وكالة أسوشيتيد برس للأنباء عن دبلوماسي سعودي، أن “دفع رواتب العسكريين مشروط بقبول أنصار الله الضمانات الأمنية، بما في ذلك إنشاء منطقة عازلة مع المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الجماعة على طول الحدود اليمنية والسعودية، وكذلك رفع حصار تعز”.
وفي هذا الصدد، يمكن أن يكون طلب السعودية بالحصول على ضمانات أمنية بالتأكيد وسيلة لتجنب المسؤولية عن فشل المفاوضات وتصعيد التوترات كما كانت في الماضي، على الرغم من فشل الرياض المتكرر في الوفاء بالتزاماتها وفي الاشهر الماضية، تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار لمدة شهر في أبريل وتم تمديده مرتين، وكان أنصار الله هو الذي أوقف عمليات الردع بشكل كامل في عمق الأراضي السعودية وحتى بعد انتهاء الفترة الثانية من تمديد وقف إطلاق النار، لم تنفذ هجوما واسع النطاق على الأراضي السعودية.
لكن من ناحية أخرى، فإن طلب السعودية هو نوع من الاعتراف الصريح بقبول الضعف ضد أنصار الله والقلق الواسع للقادة السعوديين بشأن مستقبل التطورات في شبه الجزيرة. ويمكن أن يُفهم أن خطة إنشاء منطقة عازلة تُظهر هشاشة الحدود السعودية مع اليمن والتحرك نحو بناء جدار دفاعي ضد المعادلات اليمنية الجديدة، وخاصة أن السعودية واليمن تعانيان من توترات حدودية كبيرة لفترة طويلة، حيث إن أنصار الله بعزم ونجاح فائقين في الدفاع عن أمن وسلامة أراضي اليمن ضد المعتدين ربما تتخذ خطوات لاستعادة الحقوق التاريخية لليمنيين من الرياض.
ما لا شك فيه أن أحد الاهتمامات الأمنية للسعودية فيما يتعلق بالتطورات المستقبلية في اليمن بسبب العدوان العسكري على هذا البلد وانتهاك استقلاله ووحدة أراضيه هو عودة ظهور المطالبات الإقليمية في الأجواء السياسية والرأي العام لهذا البلد.
إن المملكة العربية السعودية واليمن لديهما نزاعات حدودية وأراض واسعة مع بعضهما البعض. وتسببت هذه القضية مرارًا وتكرارًا في اشتباكات حدودية بين البلدين. ولم يتم ترسيم حدود السعودية واليمن سواء على الخريطة أو على الأرض، وهذه هي الحدود الوحيدة في الشرق الأوسط التي تتمتع بمثل هذه الميزة. ولليمن مطالبة إقليمية بمحافظات عسير ونجران وجيزان الخاضعة لسيطرة المملكة العربية السعودية، وقد تم تسليم هذه المحافظات إلى المملكة العربية السعودية لمدة 20 عامًا بموجب معاهدة الطائف عام 1934 م تحت ضغط سعودي.
وعسير، التي أصبحت مركزًا للعداء بين المملكة العربية السعودية واليمن خلال عشرينيات القرن الماضي، احتلت بسهولة من قبل القوات السعودية في عام 1926، وأجبر السعوديون حسن الإدريسي، حاكم منطقة عسير في ذلك الوقت، على توقيع معاهدة بموجبها أصبحت تلك المنطقة تحت حماية المملكة العربية السعودية.
وكانت حكومة الإمامية في صنعاء بقيادة الإمام يحيى، الذي كان مركز السلطة في شمال اليمن، غير راضية عن هذا الوضع، ودعمت الإدريسي وشجعته على الانتفاض ضد السعودية، وهو ما حدث في عام 1932، لكن الإدريسي هُزم في الحرب وهرب إلى اليمن.
وردًا على هذا الحدث، قرر الإمام يحيى خوض الحرب مع السعودية عام 1934، وخلال هذه الحرب التي استمرت 45 يومًا، تمكنت القوات السعودية من الاستيلاء على تهامة حتى ميناء الحديدة. وطلب الإمام يحيى السلام وفي 20 مايو 1934 تم توقيع معاهدة الطائف بين البلدين. وحسب هذه المعاهدة سيطرت السعودية على عسير ونجران وجيزان وضمت هذه المناطق إلى السعودية. وكان وقت هذه الاتفاقية حتى عام 1992، لكن السعوديين لم يكونوا مستعدين لإعادة هذه المحافظات النفطية الثلاث.
في الواقع، هذه المناطق هي أراضي المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، ولهذا السبب ضاعفت الحساسيات تجاهها. لذلك، وبعد ضغوط المملكة العربية السعودية المختلفة على اليمن، قام علي عبد الله صالح، رئيس اليمن في ذلك الوقت، برسم حدود اليمن والسعودية رسميًا أثناء توقيع اتفاقية جدة عام 2000، والتي بموجبها تم ضم المحافظات الشمالية الثلاث من اليمن إلى أراضي المملكة العربية السعودية.
وفي حين أن المملكة العربية السعودية تشعر بالقلق دائمًا من ضعف موارد أرامكو النفطية في المحافظات المتاخمة لليمن، فإن الخوف من تقدم أنصار الله والتكهنات بشأن طلب صنعاء إعادة المحافظات الثلاث المتنازع عليها إلى أراضي اليمن قد تسببت في مزيد من الانقسام في المملكة العربية السعودية. ولهذا فقد فكر السعوديون الآن حول الضمانات الأمنية؛ وخاصة أن حركة أنصار الله تمكنت في عدة مناسبات من التقدم بعمق 10 كيلومترات داخل السعودية في جازان ونجران.
الجدير بالذكر أنه بعد عدم تجديد سلسلة وقف إطلاق النار التي استمرت شهرين، والتي بدأت قبل عدة أشهر هذا العام واستمرت حتى منتصف سبتمبر، سيطرت حالة لا حرب ولا سلام على المعادلات الميدانية للأزمة اليمنية. وحسب أنصار الله، فإن هذا الوضع يُنظر إليه من جانب واحد لمصلحة الجانب السعودي، لأن كلا العقوبتين مطبقتان على اليمن، كما تمت إزالة ظل التهديد بالهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على المنشآت النفطية والمدن السعودية، حيث تمكنت الرياض من التعامل بأمان مع التصدير الآمن لنفطها.
وفي هذه الحالة، جعل أنصار الله، خطوة بخطوة، أولاً من خلال التخطيط لهجمات على محطات تصدير النفط في الموانئ الجنوبية للبلاد، وخاصة ميناء الزبح في محافظة حضرموت، من المستحيل عملياً على مجلس الوزراء في عدن مواصلة تصدير النفط، ومن جهة أخرى، في الأيام الماضية، زادت التهديدات ببدء جولة جديدة من عمليات الردع الجديدة في عمق أراضي الدولتين المعتديتين السعودية والإمارات.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن المجلس السياسي الأعلى بقيادة أنصار الله ومقره صنعاء أن القوات المسلحة “على استعداد تام للتعامل مع أي تهديد لسيادة اليمن”. وحذر المجلس في بيان صدر في اجتماع رفيع المستوى من “مخاطر السياسة الحالية المتمثلة في” لا سلام ولا حرب “التي يمارسها التحالف الذي تقوده السعودية، مضيفا إن” الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد “.
لذلك، فإن التسلسل الزمني للزيارة المفاجئة للوفد العماني إلى صنعاء مع موجة تهديدات أنصار الله يظهر أن السلطات السعودية أخذت تحذيرات اليمن على محمل الجد وخوفًا من قلب المعادلات الميدانية وتحمل جولة جديدة من وابل من الصواريخ على منشآتها النفطية، ارسلت الرياض، عمان مرة أخرى للوساطة.