تواترت الأحداث السياسية بتونس سنة 2022، وانقطعت معها كل سبل الحوار بين المعارضة والرئيس قيس سعيد والذي تسلح بإصدار المراسيم وخطابات التصعيد ضد خصومه وتأكيده أنه لا عودة للوراء.
“الاستفتاء، كتابة وإقرار دستور جديد، انتخابات تشريعية مبكرة، محاكمات سياسية”هذه كانت أبرز محطات عرفتها تونس سنة 2022 في ظل حكم الرئيس سعيد. والمعارضة هي الأخرى واجهت قرارات سعيد بالشارع حيث حشدت في مرات عديدة الآلاف من أنصارها في مسيرات احتجاجية وتمسكت بمحاولة إسقاط النظام.
وتقود اليوم أحزاب المعارضة في البلاد مظاهرات احتجاجية ضد مسار الرئيس سعيد وتتجه نحو مزيد من التصعيد في ذكرى الثورة حول قانون الموازنة العام الذي يؤكدون أنه سيثقل كاهل التونسيين بالضرائب ،ويتماشى معها في نفس موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي بات يلوح هو الآخر بالإضراب العام غير أن الرئيس شدد على منع أي محاولات لضرب الاستقرار.
وفي آخر التطورات ومن جديد تظاهر مئات التونسيين أمام منزل الرئيس قيس سعيد في حي المنيهلة بدعوة من “جبهة الخلاص الوطني” رفضًا لمواصلة الرئيس السيطرة على جميع السلطات. غير أن التظاهرة تحوّلت إلى اشتباكات مع أنصار الرئيس التونسي.
وقال رئيس “جبهة الخلاص الوطني” أحمد نجيب الشابي إن تونس تتهيأ للتغيير، مؤكدًا أن عشرات آلاف التونسيين سيتظاهرون ضد الرئيس قيس سعيد في ذكرى الثورة في 14 يناير/ كانون الثاني الحالي. وندّد الشابي بمحاولة أنصار الرئيس منع مظاهرة جبهة الخلاص الوطني، مضيفًا إن “دولة الاستبداد” تريد سرقة مكتسبات الثورة بمنع التظاهر.
ويأتي تصدّي أنصار الرئيس للتظاهرة في ظل احتقان حاد تعيشه تونس، وحالة استقطاب غير مسبوقة، تقول المعارضة إنها نتيجة طبيعية لحملات التجييش وتشويه صورة المعارضين، بينما يرى أنصار الرئيس أن المعارضة “غير مرحّب بها” في منطقتهم.
واتخذت المظاهرات ضد الرئيس سعيد منعرجًا جديدًا بمنعها من قبل أنصاره. وتُحمّل “جبهة الخلاص الوطني” المسؤولية للسلطة السياسية، وتتعهّد بمواصلة النضال إلى حين العودة إلى الشرعية.
وأوضح جوهر بن مبارك، عضو”جبهة الخلاص الوطني”، أن الشعب التونسي أمام دعوة وطنية للتظاهر في ذكرى الثورة تنديدًا بالانقلاب، ولدعوة قيس سعيد إلى الرحيل. وقال بن مبارك، إن البلاد تشهد للمرة الأولى دعوات متزامنة للتظاهر من قبل كل الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات مدنية وشخصيات وطنية، معتبرًا أنها “نقطة تحوّل حقيقية واختراق كبير” في المشهد السياسي “المقاوم للانقلاب”.
وأضاف إن المعارضة التونسية ستكون موحّدة في مظاهرات ذكرى الثورة حيث سترفع الشعارات ذاتها، في المكان والزمان ذاته.
وبدورها قالت أحزاب معارضة تونسية، إنها تعتزم الخروج في مظاهرات احتجاجية يوم 14 يناير الجاري، ذكرى سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، للتعبير عن رفضها لمشروع الرئيس قيس سعيّد، والتنديد بالقرارات الأخيرة بإحالة عدد من قياداتها البارزة على القضاء للتحقيق معها في تهم إرهابية.
ودعت “جبهة الخلاص الوطني” كل التونسيين للمشاركة في احتجاج “كبير” يوم 14 يناير الجاري لمواصلة التعبير عن رفضها للإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد منذ يوم 25 يوليو 2021، وللمطالبة بتنحيه عن الحكم وبتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.
وتأتي تحركات “جبهة الخلاص الوطني” التي تقودها “حركة النهضة”، بعد استدعاء زعيمها نجيب الشابي والقيادي رضا بلحاج ومنسق هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين العياشي الهمامي، وهم من المعارضين البارزين للرئيس قيس سعيد، للتحقيق معهم أمام القضاء من أجل الانخراط في تنظيم غير قانوني يضم عناصر متورّطة في الإرهاب، وذلك بناء على شكاية تقدم بها الحزب الدستوري الحر.
وبدوره، أعلن “حزب العمال” الذي يقوده المعارض البارز حمّة الهمامي عن تنظيم احتجاج مع الأحزاب الاجتماعية يوم 14 يناير الجاري، للمطالبة بتغيير جذري في الحكم والتصدي لما وصفها بـ”منظومة الاستبداد”. كما دعت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، كل أنصارها إلى المشاركة في مظاهرة يوم 14 يناير وسط العاصمة تونس، لإنهاء ما أسمتها “منظومة الخراب والدمار” وفرض المنظومة الوطنية وعدم السماح بعودة التوافق مع تنظيم الإخوان.
ومن خلال هذه التحرّكات الاحتجاجية المتفرّقة والمشتّتة، يحاول معارضو الرئيس قيس سعيّد الذين لا يعترفون بالدستور الذي أقرّه في استفتاء يوم 25 يوليو الماضي ولا بنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي، العودة من جديد إلى الحكم وإشراكهم في العملية السياسية وفي خارطة الطريق للمرحلة المقبلة.
في المقابل، يمضي سعيّد قدما في تنفيذ خارطة الطريق التي وضعها رغم الانتقادات التي وجهّت له حيال نسبة الإقبال المتدنيّة خلال الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية والدعوات التي تطالب بتأجيلها.
وكان سعيّد قد اتهم قبل أيّام معارضيه بـ”الوقوف وراء الأزمات” التي تشهدها البلاد، وبمحاولة ضرب مؤسسات الدولة، وقال إنه من الضروري اتخاذ إجراءات ضد من يتطاولون على “رموز الدولة”، معتبرا ذلك اعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي، مشددا على أن “هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر ولن يبقى هؤلاء دون جزاء في إطار القانون”.
وكان الرئيس التونسي قد أقال كلًا من وزيرة التجارة ووالي ولاية صفاقس في الجنوب التونسي، التي عانت في الفترة الأخيرة من أزمة خانقة للنفايات. وبينما لم تذكر الرئاسة أسباب الإقالة، إلا أنها تأتي في سياق استفحال الأزمة الاقتصادية في البلاد وتفشي ظاهرة الاحتكار واختفاء المواد الأساسية من الأسواق.
ويلفت رئيس قسم الشؤون السياسية بجريدة “الشروق” سرحان الشيحاوي، إلى أن إقالة وزيرة التجارة تعتبر اعترافًا بفشلها في إدارة الملفات وتحميلها المسؤولية في ما يخص فقدان عدد من المواد الأساسية وارتفاع أسعار أخرى وعدم تطبيق مرسوم الاحتكار.
إلى ذلك، يجد معارضو الرئيس الخطوة عنوان ارتباك وفشل في إدارة الدولة، حيث يعتبرون أن الرئيس بات يقدم مقربيه قرابين للتخفيف من مأزقه في إدارة الدولة ومعالجة الأزمات.
من جانبه قال رضا لاغا عضو المكتب السياسي لحركة الشعب، إن إقالة وزيرة التجارة تأتي في توقيت مهم باعتبار أن وزارة التموين هي من الوزرات السيادية، والمشهد الاجتماعي والاقتصادي في البلاد يتعلق بتوصيف واضح يتصل بالأمن الغذائي للمواطن التونسي وبالتالي الاخفاق الذي منيت به في إدارة الوزارة ينعكس بالضرورة القرار السياسي.
وبدوره قال عبد الرؤوف بالي، الكاتب والباحث في العلوم السياسية، إن إقالة وزيرة التجارة دليل على غياب استراتيجية واضحة للحكومة ورئيس الجمهورية ومحاولة امتصاص الغضب الشعبي. وأوضح أن كل تونس تعلم أن كل الأزمات في المواد الأساسية ليست بيد وزير التجارة، فهي من القلائل الذين مروا على الوزارة ويعرفون كل الملفات.
وذكر أن أزمة تونس تتمثل في كونها أزمة مكابرة وعدم تحمل المسؤولية وهي أخطر، وهي ما دفعت الرئيس إلى إلقاء المسؤولية على أطراف آخرين، فالمشكلة هي أزمة حكومة كاملة وليست أزمة وزيرة.
ويرى مراقبون أن أوجه الصراع بين الرئيس وخصومه السياسيين أصبحت واضحة وانعكست بشكل مباشر على الشارع الذي يشهد حالة انقسام غير مسبوقة.