السجون السعودية الأكثر رعباً في العالم، هكذا وصفت منظمات حقوقية السجون السعودية ضمن سلسلة مقالات “حقوق السجناء” التي أطلقتها لجنة الدفاع لتكون صوت المعتقلين في السعودية من خلال تسليط الضوء على الانتهاكات الهائلة لحقوق السجناء من اعتقال واحتجاز غير قانونيين وحبس احتياطي مطول و استخدام منهجي للتعذيب أثناء الاستجواب وسوء الممارسة الطبية والإهمال الطبي المتعمد وعدم مراعاة ضمانات الإجراءات القانونية السليمة إلى انتهاك المبادىء الأساسية الواردة في دليل الأمم المتحدة لحقوق السجناء و بشكل خاص المبدأ القائم على أن لكل سجينٍ الحق في تقديم شكوى تتعلق بمعاملته، وأن يتاح له سبيل فعّال للانتصاف تحدده محكمة مختصة في حال انتهكت حقوقه أو حرياته.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية إنها قامت بزيارة سجن ذهبان والتقت معتقلين شهدوا موت سجناء بسبب التعذيب وسوء الرعاية الطبية فضلا عن اكتظاظ بعض العنابر بأعداد تفوق طاقتها الاستيعابية ووجود كثير من المعتقلين في أوضاع تخالف النظام الدولي لمعاملة السجناء.
وتقول منظمات حقوقية عالمية إن نظام السجون في السعودية لا يتوافق أبدا مع نظام الأمم المتحدة لمعاملة السجناء إذ تمنع السلطات الجهات المستقلة من الزيارات التفتيشية للسجون. كما أشارت تقارير دولية لتعرض المعتقلين للتعذيب والحبس الانفرادي وتعرض البعض للقتل بسبب التعذيب داخل السجون كما أن بعض الذين أفرج عنهم خرجوا باعتلالات نفسية كبيرة بسبب ما تعرضوا له من تنكيل داخل السجون.
مبادئ الأمم المتحدة و السجون السعودية
ومن أهم حقوق السجناء التي نصت عليها مواثيق الأمم المتحدة لكل سجينٍ الحق في تقديم شكوى تتعلق بمعاملته، وأن يتاح له سبيل فعّال للانتصاف تحدده محكمة مختصة في حال انتهكت حقوقه أو حرياته. حيث تنص المادة 33 من صكوك الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على ما يلي:
يحق للشخص المحتجز أو المسجون أو لمحاميه تقديم طلب أو شكوى بشأن معاملته، ولا سيما في حالة التعذيب أو غيرها من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، إلى السلطات المسؤولة عن إدارة مكان الاحتجاز وإلى السلطات الأعلى، وعند الاقتضاء إلى السلطات المناسبة المنوطة بها صلاحيات المراجعة أو الإنصاف.
لكن في السعودية يصبح تقديم الشكوى جريمة يعاقب عليها السجين، وتعرّضه للتعذيب والحبس الانفرادي. وحسب تلك المواثيق والصكوك الأممية يحق للسجين الذي تقدم بشكوى إلى إدارة سجنه، في حال عدم رضاه عن سير الإجراءات، أن يلجأ للاتصال بهيئة مستقلة وتقديم الشكوى لها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا من هي تلك الهيئة المستقلة المتاحة في السعودية؟
في الواقع في السعودية لا يُسمح بإجراء أي رصد مستقل لأحوال السجون وليس ذلك ممكنًا. ويبدو أن هيئتي حقوق الإنسان اللتين ترعاهما السلطات السعودية، وهي هيئة حقوق الإنسان السعودية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، إنّما تعملان بشكل أساسي كواجهة مُضلِّلة تخدم السلطات، غير أنَّهما عمدتا مع ذلك إلى إصدار جملة تقارير تدين الأوضاع في السجون السعودية، وما كان من السلطات إلا أن تجاهلت تلك التقارير على وجه الإجمال.
هيئة حقوق الإنسان السعودية
هيئة حقوق الإنسان السعودية شكّلها النظام في إطار الترويج لاهتمامه ورعايته لحقوق الإنسان، لكن ما جرى، وحسب توثيق المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، أن الهيئة تلك أصبحت تتستر على الانتهاكات وتخفي الشكاوى التي تصلها من داخل السجون، وتصدر بيانات تهدف لتلميع صورة السجون وإنكار الانتهاكات.
وكمثالٍ حقيقي لعملها فإن هيئة حقوق الإنسان تجاهلت كل النداءات الأهلية والحقوقية للكشف عن مصير الدكتور محمد القحطاني، ولم تتدخّل وتخبر عائلته بما جرى معه ولم تحقق في الشكوى التي رفعها لإدارة السجن عن تعرضه للاعتداء المتكرر.
الهيئة تلك من المفترض أنها مستقلة، وتشرف على مراقبة السجون وضمان حقوق السجناء وعدم تعرضهم للانتهاكات، وهي مخوّلة لتلقّي الشكاوى والتحقيق فيها، في حال لم تتجاوب إدارة السجن بطريقة إيجابية مع الشكاوى المقدمة لها، وللمفارقة أنها لم تسجّل ولو مرة واحدة مخالفة بحق إدارات السجون ومنتسبيها، على الرغم من علمها بعشرات الحالات الموثّقة، وهو ما يكشف مدى تورّطها في التستر على الانتهاكات.
فإلى من يلجأ السجين إذا كانت السلطات القضائية والهيئات المستقلة تنسّق فيما بينها للحيلولة دون حصول السجناء على حقوقهم المشروعة التي كفلها القانون السعودي والمواثيق الدولية؟
تفنن في أساليب التعذيب و انتزاع الاعترافات
يُمارس التعذيب في المملكة العربية السعودية بشكل ممنهج، سواء لانتزاع الاعترافات أثناء الاستجواب أو كشكل من أشكال العقاب أثناء الاحتجاز. على الرغم من إفادة المحتجزين بأنهم أبلغوا المحاكم عن التعذيب الذي تعرضوا له، إلا أنه لم يجر فعلياً أي تحقيق في مثل هذه الادعاءات، ويتم قبول الاعترافات المنتزعة بالإكراه كأدلة ضد المتهمين بشكل منتظم. يخلق غياب الضمانات القانونية لمنع التعذيب بيئة مواتية لممارسته. إضافة إلى ذلك، تحتوي تشريعات مثل نظام مكافحة الإرهاب على أحكام تسهل من ممارسة التعذيب إن لم تكن تحث عليه بقوة.
ومن الأمثلة على ذلك ماحصل مؤخراً مع معتقل الرأي مالك الدويش نجل الداعية سليمان الدويش الذي اعتُقل واختفى قسريًا في السعودية عام 2016. قامت السلطات السعودية بإعادة اعتقاله بعد أن كانت أفرجت عنه لبضعة أيام. وحسب منظمة سند الحقوقية فإن مالك الدويش تعرض للتعذيب الوحشي لانتزاع اعترافات منه عن تفاصيل مقطعه الذي نشره عن والده في أحد القنوات الأمريكية. حيث استخدم معه المحققون أسلوباً غير أخلاقي ولا قانوني وهو إعطائه بعض الأدوية التي تستخدم لمثل هذه المهمات القذرة، والتي تجعل الضحية يستعرض كثيراً من تفاصيل حدثت له دون وعي.
فأقر الدويش بجميع تفاصيل الفيديو المنشور وتواصله مع نشطاء في الخارج للمساعدة في نشره في وسائل الاعلام والضغط من خلاله دولياً لأجل قضية والده. بعد ذلك طلبوا منه أن يسجل هذه الاعترافات من نفس المكان الذي سجل منه المقطع الأول، وأن يسجل مقطعا آخر من نفس المكان يفيد أن والده اتصل بهم من سوريا وأخبرهم أنه بخير ثم انقطعت أخباره عنهم بعد ذلك. ووعدوه إن فعل أن يطلقوا سراحه. وبالفعل قام بالتسجيل، وبعد ذلك اعادوا اعتقاله!
ومن جملة الأدلّة والوثائق التي تُدين سلطات النظام السعودي، تعريض الدكتور محمد القحطاني للاختفاء القسري، كنوعٍ من العقاب بعدما تقدّم بشكوى حديثة عن تعرّضه للاعتداءات المتكرّرة داخل السجن على يد سجناء مضطربين عقلياً، تحت مرآى ضباط وعناصر السجن. وحتى اليوم لا يزال مصير الدكتور القحطاني مجهولاً، وسط تكتم السلطات وإدارة السجن قبيل أيام من انتهاء مدة محكوميته.
وفي سجن الحائر سيء الصيت يتعرض معتقلوه لكل أنواع الإهانة والاذلال والتعذيب من صعق بالكهرباء وإيهام بالغرق والمنع من النوم لساعات طويلة.وذكرت تقارير حقوقية كثيرة أن عددا من نزلائه دخلوا في إضراب شامل نتيجة سوء المعاملة التي يتعرضون لها.
وأكدت منظمة سند أن من أبشع ما تمارسه السلطات السعودية ضد المعتقلين هو احتجازهم في أماكن غير معلومة فلا يُعرف أين يعتقلون ولا تعلم عائلاتهم عنهم أي شيء. فضلا عن أن بعض هذه الأماكن ليست سجونا رسمية وهي تعتبر سجونا خارج القانون وأشبه ما تكون أماكن اختطاف وإخفاء قسري كالذي تمارسه العصابات تماما.
جهود جبارة لتلميع صورة السعودية.. دون فائدة
مهما حاولت السلطات السعودية تلميع صورة السجون فيها إلا أنها تظل وصمة عار تميزهم ولعنة تلاحقهم أمام المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية. فيما تم توظيف مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام المحلية الموالية لبذل جهود منسَّقة لتبييض صورة السجون السياسية على وجه الخصوص. عبر البرامج التي تذاع على القنوات الممولة من نظام آل سعود مثل MBC و”روتانا” التي توحي أن سجونا مثل بريمان، وذهبان، والحاير، سيئة السمعة، هي منتجعات وفنادق.
في هذا السياق، خرجت الصحفية والمذيعة سمر المقرن في تسجيل مصوّر، بثّت هي بنفسها أجزاءً منه على حسابها على “تويتر”، وعلى “يوتيوب”، يظهر زيارتها لسجن بريمان في جدة أثناء تصويرها لحلقة من البرنامج النسائي “كلام نواعم” الذي يُذاع على قناة “إم بي سي”.
وقالت المقرن في مقطع الفيديو المنشور: “جئت على أساس أنه سجن، لكنني لم أجد أي نوع من أنواع السجن، بل إنني أرى فندقاً ومنتجعاً”. وعرضت المقرن صوراً لقاعات فاخرة، وغرف نوم على الطراز الفندقي، وقالت إن هذه الأجنحة تستخدم للزيارات العائلية للمعتقلين، وهي دلالة على جودة السجون في المملكة، في إيحاء بعدم وجود حالات تعذيب. وجرى التركيز على العنصر النسائي في هذه الحملة الأخيرة لتلميع السجون، في محاولة لدحض التقارير التي تسربت عن التعذيب الذي تعرضت له المعتقلة لجين الهذلول وأخريات على يد فرق التحقيق التابعة للديوان الملكي برئاسة المستشار سعود القحطاني الذي هددها بالقتل وفق شهادة عائلتها أمام الكونغرس الأميركي.
وأثارت هذه الحملة غضباً على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً من المعتقلين السابقين، وأهالي المعتقلين الحاليين الذين طالبوا المقرن بالعيش في السجن إن كانت معجبة به. وقال الناشط والمعارض السعودي الشهير سعيد بن ناصر الغامدي، معلقاً على الفيديو الذي نشرته المقرن: “لك الفال بهذا المكان، ورزقك الله في هذا النعيم عشراً من السنين لتنعمي بمنتجعي بريمان وذهبان”.
فيما قال مغرد آخر: “لا أحد يصدق يا جماعة دخلت سجنا في محافظة من المحافظات لفترة بسيطة الحياة فيه قطعة من العذاب وإهمال للوضع الصحي وفرش مقطعة ومتسخة والحشرات بكل مكان، الله يفك أسر كل مسجون”. وقالت الناشطة والمعارضة السعودية أميمة النجار للمقرن: “لماذا سجن بريمان الذي يصوره السجناء مختلف عن السجن الذي ذهبتي له سياحةً؟”.
و مع تصاعد الضغط الدولي الشديد على السلطات السعودية لتحسين سجلها الحقوقي المزري، بعد تزايد التركيز الدولي على المملكة أثناء رئاستها مجموعة العشرين في عام 2020، ومع تعهد الإدارة الأمريكية الجديدة باتخاذ موقفٍ أشدّ تجاه الرياض، ومع أنّ الوعود بتغيير في العلاقات الأمريكية السعودية لم و لن تتحقق، فقد اتخذت بعض الخطوات الإيجابية تجاه السلطات السعودية دوليًّا، منها قرارٌ قويٌّ مرره البرلمان الأوروبي حول حقوق الإنسان.
ليأتي نصف العام بالكشف عن عمليات تجسس واسعة على فاعلين في المجتمع الدولي باستخدام منظومة بيغاسوس للتجسس، ما أدى لإجراءات ضدّ الجهة الصانعة، مجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية، وفي مقابل ذلك، وبدلًا من تحسين الوضع الحقوقي، واصلت السلطات السعودية استراتيجية العلاقات العامة نفسها في عام 2021 باستثمارٍ كبيرٍ في الفعاليات الرياضية والموسيقية الدولية، لحرف البوصلة عن معاناة المعتقلين في غياهب السجون.