للوهلة الأولى يظن البعض أن عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم تعني أن قوى المقاومة والشعب الفلسطيني أمام أيام صعبة، ليس لسبب موضوعي بل لأن العادة جرت أن يصدق العقل العربي أن وصول اليمين يجب أن يسبب له الذعر فكيف إذا وصل اليمين المتطرف، وقد احتفل العرب كثيراً بوصول حزب العمل الى قيادة كيان الاحتلال كما احتفلوا بفوز الديمقراطيين بالرئاسة الأميركية، وتجاهلوا أن أغلب الحروب الإسرائيلية خاضها حزب العمل ـ وأغلب الحروب الأميركية خاضها الديمقراطيون؟
والسؤال الحقيقي بالمقارنة بين فترة حكم نتنياهو الممتدة لاثنتي عشرة سنة وفترة حكم سواه، ومنهم يائير لبيد ما هو الفارق؟ والجواب لا شيئ، سواء لجهة التوحش والعدوانية، أو لجهة محدودية الخيارات وهوامش المناورة، لذلك يجب أن يسقط السؤال عن حال الفلسطينيين والمقاومة مع نتنياهو، لأنها استنساخ لما هي عليه اليوم، ولما كانت عليه يوم كان نتنياهو.
نتنياهو العائد أعجز من أن يخوض حروباً، ولا يملك جديداً يمكنه من التهديد بالحروب، ويكفي النظر لما فعله بالتراجع قبيل الفوز عن التهديد بالانسحاب من اتفاق الترسيم البحري مع لبنان، والالتزام ببقاء الاتفاق والحديث عن التعامل معه كالتعامل مع اتفاق أوسلو، أي المساكنة، لكن التحديات التي تنتظر نتنياهو هي الأهم، فعليه كي يتمكن من تشكيل حكومة أن يشارك مكونات الحلف الذي يشكل معه الأغلبية في تركيبة الحكومة.
وهنا يحضر صعود تيار التطرف الديني الذي حصد مكانة القوة الثالثة في الكنيست بزعامة ايتمار بن غفير الذي يدعو لحملات تطهير عرقي بحق العرب، ومقابل حجم يعادل ربع الكتلة النيابية التي تستند إليها حكومة نتنياهو بـ 16 نائباً يمثلون حزب الصهيونية الدينية يطلب قادته وزارتي الحرب والأمن الداخلي.
وإذا استطاع نتنياهو ان يرفض منحهم الوزارتين سيكون صعباً ان لا يمنحهم واحدة منهما على الأقل، وهي كافية لتعقيد مهمة ولادة الحكومة، التي ستكون مشروع حرب خارجية أو داخلية يعرف نتنياهو أنه لا يستطيع خوضها، وأن التسليم بالوزارات السيادية للمتطرفين في حكومته سيلاقي رفضاً حاسماً من المؤسسة العسكرية والأمنية ومن الخارج الأميركي والأوروبي، المحكوم بتفكير تفادي المزيد من التصعيد.
إذا افترضنا ان نتنياهو تجاوز هذه المعضلة، وبمعزل عن كيف تمّ ذلك، يكفي وجود مكوّن التطرف المتشدد بهذا الحجم النيابي في الحكومة الجديدة، لدفع مريدي هذا التيار الأقرب في سلوك قادته وعناصره الى الجنون الفاشي، لارتكاب الحماقات اليومية التي تتكفل بجعل كل مناطق الحياة المشتركة مع الفلسطينيين، في الجامعات والمستشفيات والأسواق والقطارات والمقاهي والمطاعم والشوارع، وعلى الطرق المشتركة لبلدات الضفة والمستوطنات، بمثابة حرب مفتوحة، وسيكون الجديد هو أن الأحياء العربية في المدن المحتلة عام 1948 ستنضمّ الى الضفة الغربية في التحول إلى ساحات حرب يومية.
المزيد من الضبط السياسي لتفادي مخاطر اندلاع حرب مع لبنان أو مع غزة، سيتكفل بتبديد نتائجه ما سيحمله الشارع من توترات بفعل الجرائم التي سيتكفل بها جمهور المتطرفين الذين باتوا حزباً يمثل ربع جمهور الحكومة، وتوسّع بقعة الدماء في الضفة الغربية والقدس، ومعها الاعتداءات اليومية على القدس والمسجد الأقصى، سيقابله توسع نطاق ومستوى عمليات المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عامي 1967 و1948.
وبالتالي لن يطول الوقت حتى تندلع مواجهة كبرى تفرض على غزة الدخول على خط النار، وبعدها لا يستطيع أحد التنبؤ بالاتجاه الذي ستذهب إليه الأوضاع، لكن الأكيد أن المواجهات هذه المرة ليست إلا بدايات احتضار الكيان العاجز بمتطرفيه وفاشيته الصاعدة عن تحمل أعباء خوض حرب، بعدما استهلك عقوداً لإشهار العجز عن تقديم مشروع سياسي تفاوضي توهّم كثيرون بوجود فرص لظهوره، ودفع الفلسطينيون ثمناً غاليا لرهاناتهم وأوهامهم.
العودة لنتنياهو وصعود الفاشية العنصرية التطهيرية، علامتان من علامات بدء احتضار كيان الاحتلال، فالأول عائد كعلامة إفلاس الكيان وعجزه عن إنتاج نخب قيادية، فيتحمل تبعات المجيء بقائد سابق فاشل يحاكم بتهم الفساد، ولا يملك خيارات يقدّمها للجمهور حول كيفية الخروج من المأزق، وقيمته فقط أنه «خيال صحراء» يوهم أصحاب البيت بأن بمستطاعهم النوم في فراشهم وعدم الخشية من مجيء الوحوش الى حقولهم والتهام مزروعاتهم، وصعود الفاشية العنصرية التطهيرية ليس إلا الوصفة الأقرب الى الانفجار الذي يعرف كل خبراء السياسة والاجتماع، أنه يحمل أسوأ السيناريوات للكيان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ناصر قنديل