مقالات مشابهة

لا ” هدنة ” جديدة تنقذ دول التحالف من أسلحة اليمن الاستراتيجية

 

ستة أشهر من الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة في الـ2 من أبريل 2022م تمت خلالها جولات من المشاورات المكثفة يحاول فيها الوفد الوطني المفاوض انتزاع حقوق الشعب اليمني والتي من أهمها، إنهاء العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي ورفع الحصار وتسليم المرتبات ومعالجة الملفات الأخرى كالأسرى والتعويضات، لكن تلك المشاورات أثناء الهدنة والتي كانت تمثل ” فرصة ” لتحالف العدوان وصلت إلى طريق مسدود أمام تعنت قوى العدوان أمام الشروط التي هي إنسانية وهي في الأساس استحقاق للشعب اليمني لا منة لأحد عليه.

إعلان الهدنة في الأساس لم يكن من أجل الشعب اليمني كما تروج قوى العدوان وإنما خوفاً من أسلحة اليمن الاستراتيجية، فقد كان إعلان الهدنة بعد 7 أيام فقط من عملية عسكرية كبرى نفذتها القوات المسلحة أطلق عليها ” عملية كسر الحصار الثالثة” التي نفذت في الـ25 من مارس 2022م، وذلك بدفعات من الصواريخ الباليستية والمجنحة وسلاح الجو المسير استهدفت منشآت أرامكو في جدة ومنشآت حيوية في عاصمة العدو السعودي الرياض بدفعة من الصواريخ المجنحة، واستهدفت أيضا مصفاة رأس التنورة ومصفاة رابغ النفطية بأعدادٍ كبيرةٍ من الطائرات المسيرة استهدفت أرامكو جيزان ونجران بأعدادٍ كبيرةٍ من الطائرات المسيرة، بالإضافة لاستهداف أهدافٍ حيويةٍ وهامةٍ في مناطق جيزان وظهران الجنوب وأبها وخميس مشيط بإعدادٍ كبيرةٍ من الصواريخ الباليستية.

تلك العملية النوعية التي وصل صداها كل العالم، حيث بثت كل شاشات التلفزة للعدو والصديق مشاهد لحريق شركة أرامكو في جدة الذي استمر من الصباح إلى منتصف الليل، حيث احترق 5,2 مليون برميل في 12 خزان نفط في المحطة التحويلية التابعة لأرامكو في جدة،

تلك كانت عملية كسر الحصار الثالثة ، أما عملية كسر الحصار الأولى فكانت في الـ11 من مارس 2022م، ونفذت بتسع طائرات مسيرة استهدفت مِصفاةِ أرامكو في عاصمةِ العدوِّ السعوديٍ الرياضِ بثلاثِ طائراتٍ مسيرةٍ نوع صماد٣، واستهدفت منشآتِ أرامكو في منطقتي جيزان وأبها ومواقعَ حساسةٍ أخرى بستِ طائراتٍ مسيرةٍ نوع صماد1 .

عملية كسر الحصار الثانية كانت كبيرة جدا ونفذت على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى تم خلالها قصف عدد من منشآتِ العدوِّ السعوديِّ الحيويةِ والحساسةِ التابعة لشركة أرامكو في عاصمةِ العدوِّ السعوديِّ الرياض ومنطقةِ ينبعَ ومناطقَ أخرى بدفعاتٍ من الصواريخِ المجنحةِ والبالستيةِ والطائراتِ المسيرة. . وفورَ نجاحِ المرحلةِ الأولى نفذتِ القواتُ المسلحةُ المرحلةَ الثانيةَ من كسرِ الحصارِ وذلك بقصفِ عددٍ من الأهدافِ الحيويةِ والهامةِ في مناطقَ أبها وخميسِ مشيط وجيزانَ وسامطةَ وظهرانَ الجنوبِ بدفعةٍ من الصواريخِ البالستيةِ والمجنحةِ والطائراتِ المسيرة.

أما المرحلة الثالثة من عملية كسر الحصار الثانية فقد استهدفت شركة أرامكو في جدة وأهدافا حيوية في جيزان بدفعة من الصواريخ البالستية والمجنحة طراز قدس2 وقد حققت العملية أهدافها بنجاح.

لماذا التصعيد العسكري

إن العمليات العسكرية النوعية للقوات المسلحة أتت بعد أن تسلمت القوات المسلحة ملف كسر الحصار بعد أن فشلت المفاوضات في اقناع تحالف العدوان في إدخال المشتقات النفطية حيث وصلت الأزمة في الوقود إلى ذروتها وباتت طوابير السيارات أمام المحطات تصل إلى مسافات كبيرة جدا، وفي مثل هذه الظروف لا يمكن للقوات المسلحة أن تقف مكتوفة الأيدي وشعبنا اليمني يعاني في الحصول على حقوقه فنفذت قواتنا المسلحة بعضاً مما في حوزتها من مفاجئات.

في ذات السياق وفي ذروة التصعيد العسكري لم تكتفي القيادة الثورية والسياسية بالخطوات العسكرية فقط، بل عمدت إلى تحريك الملف السياسي حتى لا يبقى الباب مغلقاً أمام تحالف العدوان، فقد قدم رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي محمد المشاط مبادرة للحل وذلك في الـ26 من مارس – في ذكرى بدء العدوان على اليمن،

وبعد يوم من عملية كسر الحصار الثالثة – وتمثلت المبادرة بإعلان تعليق الضربات الصاروخية والطيران المسير والأعمال العسكرية كافة باتجاه السعودية برا وبحرا وجوا وكذلك وقف المواجهات الهجومية في عموم الجبهات الميدانية لمدة 3 أيام وبشكل أحادي، مع التأكيد على الاستعداد لتحويل هذا الإعلان لالتزام نهائي وثابت إذا التزمت السعودية بإنهاء الحصار ووقف غاراتها على اليمن بشكل نهائي وإذا أعلنت السعودية سحب جميع القوات الخارجية من أراضينا ومياهنا ووقف دعم مليشياتها المحلية في بلادنا.

في الـ28 من مارس، حذر السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمة له، تحالف العدوان من تفويت فرصة المبادرة التي أعلنها الرئيس المشاط .. مؤكدا أن تحالف العدوان سيندم إذا فوت هذه الفرصة.. ومؤكدا أيضا في ذات الوقت أننا لن نألو جهدا في التصدي للعدوان والحصار بكل ما في وسعنا، ولن نقبل أبدا باستمرار الحصار .. موضحا أنه ليس أمام قوى العدوان أي مجال ليسلموا من الضربات والخروج من الورطة إلا بالتوقف عن العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال.

إعلان الهدنة

لم يستمع تحالف العدوان إلى مبادرة الرئيس المشاط التي انتهت في الـ30 من مارس، كما حددها الرئيس، إلا أن الأمم المتحدة دخلت على الخط وتحركت بشكل سريع لإنقاذ تحالف العدوان من الورطة وتبنت هدنة عسكرية وإنسانية لمدة شهرين يتم الإعلان عنها من الأمم المتحدة في الـ2 من إبريل ( بعد يومين من انتهاء مهلة الرئيس المشاط) و أهم بنود الهدنة إدخال 18 سفينة نفطية إلى ميناء الحديدة وتسيير رحلتين جويتين في الأسبوع من مطار صنعاء إلى الاردن ومصر، فأعلن المجلس السياسي الأعلى القبول بالهدنة وذلك لتخفيف أزمة المشتقات النفطية التي بلغت ذروتها وكذلك لأن الإعلان تزامن مع دخول شهر رمضان المبارك.

رأى تحالف العدوان في الهدنة متنفساً له لإعادة لملمة صفوفه من جهة، ومن جهة أخرى لحماية آباره ومنشآته النفطية من جهة أخرى، خاصة مع ذروة احتدام الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتفاقهم أزمة الوقود في الدول الأوروبية على خلفية العقوبات الأمريكية على روسيا وسعي الدول الأوروبية لتجفيف اعتمادها على النفط الروسي، ولن يتحقق لهم ذلك ما دام النفط السعودي في دائرة الاستهداف.

وطيلة ستة أشهر من عمر الهدنة ظلت قوى العدوان تماطل في تنفيذ البنود وعملت على تأخير فتح مطار صنعاء وعدم الإيفاء بالوجهة الى مصر ، والتأخير المتعمد للسفن لفترات طويلة بقصد زيادة الكلفة، وفرض قيود وإجراءات تعسفية، وابتزاز تجار المشتقات النفطية، وكذلك استمرار الطيران التجسسي بالتحليق والقصف فلم يلمس الشعب اليمني أي أثر للهدنة.. وقد جرى تمديد الهدنة في الـ2 يونيو وبنفس الشروط الأولى إلا أنه لم يستجد أي جديد فمماطلة العدوان مستمرة.

كما عمدت قوى العدوان — حسب ما أكده وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي– خلال فترات الهدن السابقة إلى إعادة ترتيب أوضاع أدواتها الداخلية سياسياً وعسكرياً ووسعت من انتشار القواعد العسكرية الأجنبية في البوابة الشرقية والمناطق الحيوية الاقتصادية، حيث تتواجد منابع النفط والغاز والموانئ البحرية والجوية في المحافظات اليمنية المحتلة لنهب واستنزاف ثروات الشعب اليمني.. حيث يأتي هذا الانتشار في إطار خطة عدائية تتضمن إبقاء الجمهورية اليمنية في حالة اللا سلم واللا حرب واستمرار الحصار الخانق وبما يحقق نوايا قوى العدوان ويزيد من معاناة الشعب اليمني المعيشية.

وقال وزير الدفاع ” هذه الممارسات العدائية تتعارض مع إرادة شعبنا وهويته وخياراته الوطنية في الحرية والسيادة والوحدة والاستقلال والعزة ولا يمكن استمرارها وينبغي إزالتها سريعاً سلماً أو حرباً”.. مؤكدا أن صنعاء بعد الهدنة غير صنعاء قبل الهدنة.

وما إن انتهت فترة الهدنة سارعت الأمم المتحدة لطلب تمديدها وهذه المرة لستة أشهر، إلا أن القيادة في صنعاء كان لها موقف مغاير تماماً،، حيث تم اشتراط فتح ميناء الحديدة بشكل كامل أمام السفن النفطية والتجارية وتوسيع الرحلات الجوية من مطار صنعاء الدولي ودفع المرتبات لجميع الموظفين بلا استثناء من موارد اليمن التي تنهبها قوى العدوان ومرتزقتها، إلا أن تحالف العدوان يرفض ذلك إلى أن انتهت الهدنة في الـ2 من أكتوبر الجاري.

جهود الوفد الوطني خلال الهدنة

وفور انتهاء الهدنة أصدر الوفد الوطني بياناً كشف فيه جهوده خلال عمر الهدنة لاستثمارها كفرصة للتقدم في معالجة الأوضاع الإنسانية وإنهاء الحصار وتثبيت وقف إطلاق النار في عموم اليمن وبما يهيئ الأجواء للدخول إلى مرحلة سـلام دائم وشامـل.. إلا أن تحالف العدوان كان يماطل في تنفيذ البنود لكن الوفد الوطني مارس ضبط النفس تجاه تلك الخروقات لإعطاء المزيد من الوقت للمداولات والجهود الأممية وجهود بعض الأشقاء وفي كل ذلك لم يكن لدى الوفد الوطني أي أجندة خاصة سوى مصلحة شعبنا وحقوق مواطنينا الإنسانية والقانونية، ومن أجل ذلك قبل الوفد بالتمديد الأول والثاني على أمل أن يكون هناك أدنى شعور بالمسؤولية أو تفهم من قبل دول العدوان ومرتزقتهم تجاه قضايا المواطن اليمني الذي عانى ويلات ثمان سنوات من العدوان والحصار .

وخلال ستة أشهر من عمر الهدنة لم يلمس الوفد الوطني أي جدية لمعالجة الملف الإنساني كأولوية عاجلة وملحة ، وللأسف اتضح أن دول العدوان بعد أن استنفدوا كل أوراقهم لم يعد أمامهم إلا استهداف معيشة الشعب اليمني باعتبارها الوسيلة الأسهل لتركيع الشعب واستخدامها كتكتيك عسكري وأداة حرب للضغط عليه،

وأصبح رهانهم على الورقة الاقتصادية واستمرار الحصار رهانا واضحا بعد أن أفلست كل رهاناتهم العدوانية الأخرى ، وصار من الواضح أن رغبتهم ليس السلام بقدر ما هي إبعاد دول العدوان عن تداعيات الحرب والاستهداف المباشر ومحاصرتها داخل اليمن، ونقل الحرب الى الميدان الاقتصادي، واستمرار حصارهم وفرض القيود الجائرة على الشعب اليمني للحيلولة دون الوصول إلى استحقاقاته القانونية والإنسانية .

الوفد الوطني لم يطالب بأي مطالب خاصة أو استحقاقات خارج الحقوق المكفولة للمواطن اليمني إنسانيا وقانونيا، والمساواة بين الموظفين اليمنيين مدنيين وعسكريين ومتقاعدين في صرف المرتبات دون تمييز بين محافظة وأخرى وحق الموظفين في استيفاء رواتبهم في أي محافظة من محافظات اليمن كانوا ، وتكون من الإيرادات السيادية وفي مقدمتها النفط الخام والغاز باعتباره المورد الرئيس الذي تعتمد عليه فاتورة المرتبات حتى من قبل الحرب العدوانية في 2015م والتي يجري فيها عبث لا حدود له وتتعرض للنهب المستمر من قبل دول العدوان .

فتح الطرق وملف الأسرى

جهود الوفد الوطني فيما يتعلق بفتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات اليمنية كان واضحا جدا، فقد شكل الوفد الوطني لجنة في الفترة الأولى للهدنة كما هو منصوص عليها في الاتفاق ، ومن البداية كان الطرف الآخر رافضا مناقشة فتح الطرقات في عموم المحافظات اليمنية وحصرها فقط في تعز،

ورغم أن هذا يخالف نص اتفاق الهدنة فقد واصل الوفد الوطني النقاش وقدم ثلاثة مقترحات في تعز كمرحلة أولى من شأنها أن تسهل حركة مرور الناقلات والمركبات لحد كبير وهي)) طريق الشريجة ـ كرش ـ الراهدة ـ الزيلعي)) و(( طريق مفرق الزيلعي ـ الصرمين ـ ابعر إلى صالة ومدينة تعز)) و(( طريق الستين ـ الخمسين ـ الدفاع الجوي إلى مدينة تعز)).

وعند تنصل العدوان ومرتزقته من القبول بهذه الطرق قام الوفد الوطني بفتحها من جانب واحد ولكن الطرف الآخر رفض ذلك وقام باستهداف اللجنة وأطلق عليها الرصاص المباشر .

أضف إلى ذلك فقد بذل الوفد الوطني جهوداً كبيرة للتوصل إلى سلام دائم، فشكل الوفد لجنة عسكرية شاركت في عدد من اللقاءات لتثبيت وقف إطلاق النار رغم الخروقات والتي أبرزها القصف الجوي بالطيران الحربي والتجسسي والتحليق المستمر للطيران التجسسي والاستهداف للمواطنين مما أدى الى سقوط العشرات من الشهداء خاصة في بعض المناطق المتاخمة للحدود مع السعودية .

في ذات السياق وفي إطار جهود الوفد الوطني فقد شاركت اللجنة الوطنية للأسرى والمعتقلين في لقاءات مكثفة مع الأمم المتحدة وفقا لاتفاق سابق ينص على الإفراج عن أعداد متفق عليها، إلا أن الوفد فوجئ أن تركيزهم فقط على إخراج الأسرى السعوديين وبعض القيادات دون الاكتراث لبقية الأسرى في مخالفة واضحة لما تم التوقيع عليه في الاتفاق .

كل هذه الجهود وغيرها لم تفضي إلى شيء ولم تقابل بأي تجاوب من قبل العدوان، فأصدر الوفد بيانه، ليلطع الشعب اليمني على مساعيه الحثيثة وليؤكد على حق شعبنا اليمني في الدفاع عن نفسه وعن حقوقه ومواجهة العدوان والحصار، مؤكدا أن على قوى العدوان تحمل مسؤولية الوصول بالتفاهمات لطريق مسدود جراء تعنتهم وتنصلهم إزاء التدابير التي ليس لها من هدف سوى تخفيف المعاناة الإنسانية لشعبنا اليمني العزيز.

رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام أكد اليوم أن الهدنة انتهت ولم تمدد بسبب تعنت دول العدوان أمام المطالب الإنسانية والحقوق الطبيعية للشعب اليمني في فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة وبدون أية عوائق والاستفادة من ثرواته النفطية والغازية لصالح مرتبات كافة الموظفين اليمنيين .. مؤكدا في ذات الوقت أن السلام في اليمن غير مستحيل لو تخلت دول العدوان عن عقليتها الاستعلائية، وقدمت مصالحها الوطنية والقومية على مصالح أمريكا وبريطانيا الدولتين المستفيدتين من استمرار العدوان والحصار على اليمن.\

ومن خلال ما سبق وأمام تعنت قوى العدوان أمام الاستجابة لاستحقاقات الشعب اليمني وفي ظل إصرار صنعاء على انتزاع حقوق الشعب اليمني سلماً أو حرباً فإننا سنكون أمام مرحلة تصعيدية كبيرة جداً تتحمل قوى العدوان كل تبعاتها، فالعروض العسكرية الأخيرة والحشود المليونية في ذكرى المولد النبوي الشريف هي رسالة قوية لقوى العدوان بأن الشعب ماض في تأديب دول العدوان وأخذ حقوقه وتطهير أرضه واستعادة ثرواته المنهوبة معتمدا على الله أولاً وما أعده وطوره من أسلحة قادرة على تحويل المنشآت الحساسة لدول العدوان إلى رماد تأكله النار.