للمرّة الأولى منذ عام 2015، استقبلت العاصمة صنعاء، مساء الأربعاء، وفداً سعودياً مكوَّناً من عدد من الضباط، توازياً مع وصول وفد مماثل من حكومة الإنقاذ إلى منطقة أبها السعودية، وذلك بهدف التحقُّق من أسماء الأسرى وفقاً للكشوفات المُقدَّمة من الطرفَين إلى مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، مطلع نيسان الفائت.
وعلى رغم ارتباط الزيارة بملفّ الأسرى، إلّا أن تزامُنها مع تكثيف مفاوضات تمديد الهدنة في العاصمة العُمانية مسقط، رفَع سقف التوقّعات باقتراب إعلان اتّفاق على التمديد، ينهي حالة «اللاحرب» و«اللاسلم» التي يعيشها اليمن منذ انتهاء صلاحية وقف إطلاق النار في الثاني من الشهر الجاري.
وفي الوقت الذي نفى فيه رئيس «لجنة الأسرى في صنعاء»، عبد القادر المرتضى، أيّ علاقة للخطوة السعودية بمفاوضات مسقط، وأكد أن تبادل الوفود الفنّية بين صنعاء والرياض يأتي في إطار الاتّفاق الذي أُقرّ برعاية الأمم المتحدة في جولة النقاشات الأخيرة في العاصمة الأردنية عمّان، إلّا أن مصادر مقرّبة من حكومة الإنقاذ قالت، لـ«الأخبار»، إن هذا الاختراق اللافت لم يكن ليحدث لولا وجود تَقدّم في محادثات عُمان، واضعةً الخطوة في إطار «بناء الثقة» بين الطرفَين.
هذا الاختراق اللافت لم يكن ليحدث لولا وجود تَقدّم في محادثات عُمان
وفي الاتّجاه نفسه، نقلت وسائل إعلام سعودية عن قيادة «التحالف» قولها إن الزيارة المتبادلة لوفدَين من صنعاء والرياض، تأتي ضمن جهود «بناء الثقة»، وهي تُعنى بملفّ الأسرى، من دون أن توضح ما إن كانت مهمّة الوفد السعودي تشمل أيضاً التَّحقّق من هويّات الأسرى التابعين للحكومة الموالية للرياض، وهُم بالآلاف.
إلّا أنه وفقاً لمصادر مطّلعة في صنعاء، فإن الوفد الفنّي السعودي سيركّز اهتمامه على الأسرى السعوديين والسودانيين، وهو ما يعيد إلى الواجهة العرض المقدَّم من قِبَل «أنصار الله» للسعودية قبل عامَين، والذي يشمل الإفراج عن أحد الطيّارين السعوديين وأربعة ضباط آخرين، مقابل أن تُطلق المملكة سراح المعتقَلين من حركتَي «الجهاد الإسلامي» و«حماس» الفلسطينيتَين. لكنّ المصادر أوضحت أن السعودية لم تَقبل بذلك العرْض حتى الآن.
وبخصوص مفاوضات الهدنة التي تجري تحت ضغط دولي وأممي كبير، أكدت مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، حدوث تقدّم فيها خلال الساعات الـ48 الماضية، مُتوقِّعة أن تتّجه نحو مرحلة وضع اللمسات الأخيرة إنْ لم تَحدث انتكاسة ما، بعد أن تجاوزت التفاهمات ما يقارب الـ90% من الملفّات الخلافية، واستطاعت أطرافها إرساء أسس الحلّ والضمانات.
ولم تُشِر المصادر إلى حسم الخلاف حول صرف مرتّبات منتسبي وزارتَي الدفاع والداخلية في المناطق الخاضعة لسيطرة «أنصار الله» وفق كشوفات عام 2014، إلّا أنها أكدت الاتفاق على فتْح خمس وُجهات جديدة لرحلات مطار صنعاء، ورفع كامل القيود على ميناء الحديدة، وفتْح طرقات تعز وعدد من المحافظات الأخرى. وكان رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، جدّد، خلال لقائه مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، أوّل من أمس، أنه «لا يمكن القبول بأيّ طرح يقضي بمصادرة حقوق البعض من أبناء الشعب اليمني»، معتبراً أن «مَن يرفض حقوق الشعب اليمني هو الذي يرفض الهدنة».
زحمة وفود في عُمان: مفاوضات الهدنة تتكثّف
بدأت صنعاء والرياض مفاوضات في مسقط، يرعاها الجانب العُماني، في مسعى للتوصّل إلى اتفاق يَنتج منه تمديد الهدنة في اليمن وتوسيع نطاقها. وفي هذا الإطار، كشفت مصادر في «أنصار الله»، لـ«الأخبار»، أن الجانب السعودي أرسل، قبل أيام، وفداً رفيع المستوى إلى العاصمة العُمانية لإجراء مباحثات حول التمديد، مشيرة إلى أن عملية التفاوض تَجري بين الرياض وصنعاء عبر الوسيط العُماني الذي تُعوّل عليه المملكة لجهة إحداث اختراق جديد يُبقِي التهدئة سارية. ولفتت المصادر إلى أن المملكة حاولت، في الآونة الأخيرة، فتح خطوط تواصل مباشرة مع «أنصار الله»، إلا أن الحركة رفضت ذلك لِما يعنيه من تصوير السعودية نفسها كوسيط سلام.
ومع عودة المبعوثَين الأممي هانس غروندبرغ، والأميركي تيم ليندركينغ، إلى المنطقة لاستكمال المباحثات الخاصة بالهدنة مع كل من الرياض وأبو ظبي ومسقط، اتهمت وسائل إعلام تابعة للحكومة الموالية لـ«التحالف»، غروندبرغ، بممارسة أقصى الضغوط على «المجلس الرئاسي» للقبول بشرط صنعاء الخاص بصرف رواتب منتسبي وزارتَي الداخلية والدفاع وفق كشوفات عام 2014.
وجاء ذلك في ظلّ الحديث عن قيام الأمم المتحدة بإدخال تعديلات جديدة على المقترح السابق الخاص بدفع المعاشات، تضمّنت، وفق مصادر، آلية للصرف وضمانات باستمراريّته، لكن موقف «الرئاسي» إلى الآن لا يزال يعاكس التفاهم بهذا الخصوص.
ومن هنا، اتهم ناشطون سياسيون وديبلوماسيون يمنيون موالون لـ«التحالف»، «الرئاسي»، بـ«التعاطي غير المسؤول» مع مطالب صرف رواتب شريحة واسعة من المجتمع اليمني، عادّين مستحقات العسكريين القُدامى «قضيّة إنسانية قبل أن تكون حقوقية لا تقبل التسييس»، كما لفتوا إلى أن المجلس يصرف معاشات مئات الآلاف من عناصر الميليشيات التابعة لـ«التحالف» من المال العام، على حساب موظّفي الدولة الأساسيين.
ad
من جهتها، أكدت مصادر مقرّبة من الحكومة الموالية لـ»التحالف»، لـ«الأخبار»، أن رواتب العسكريين وآلية صرفها ونوع العملة التي سيتمّ الصرف على أساسها والضمانات الكفيلة باستمرار هذه العملية، لا تزال حتى الآن محلّ خلاف رئيسي، في حين تُشدِّد صنعاء على دفع معاشات جميع الموظفين، وبالعملة التي يباع على أساسها الخام (أي الدولار)، إلى جانب مطالبتها بضمانات تكفل مواصلة الصرف من دون توقُّف، على أن يتمّ الاتفاق على آليه مرنة تفضي إلى دفْع المتأخرات المستحَقّة للموظفين، والبالغة – وفق التقديرات – نحو أربعة مليارات دولار. وفي محاولة لتخفيف الضغط الخارجي على «المجلس الرئاسي» والحكومة التابعة له، تقود وزارة الخارجية في الأخيرة حملة تستهدف الدفاع عن موقفها الرافض لمطالب «أنصار الله».
حاولت السعودية، في الآونة الأخيرة، فتح خطوط تواصل مباشرة مع صنعاء
وفي هذا الصدد، قالت مصادر ديبلوماسية، لـ«الأخبار»، إن السفراء التابعين لتلك الحكومة تلقّوا توجيهات بالحديث عن أن «الحوثيين يستغلّون الضغوط الدولية التي تواجهها لفرض رواتب لمقاتليهم، وأن قبولها بهذه المطالب سيطيل من أمد الحرب».
ووفقاً لهذه المصادر، فإن لقاء سفير الحكومة التابعة لـ«التحالف» في موسكو، الاثنين الماضي، بمبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، جاء في السياق المذكور، بعدما قادت موسكو، الأسبوع الماضي، وساطة غير معلَنة بين صنعاء والرياض أدّت إلى منع التصعيد.
ولفتت المصادر إلى أن الوساطة الروسية لدى صنعاء جاءت بناءً على طلب سعودي، إذ طلبت موسكو من «أنصار الله» منْح المفاوضات مهلة إضافية للتوصّل إلى اتفاق في شأن النقاط الخلافية، في حين جدّدت روسيا، هذا الأسبوع، تأييدها الجهود الأممية الهادفة إلى إحلال السلام في اليمن.
في هذا الوقت، فإن السعودية التي لجأت، منذ انتهاء صلاحية الهدنة مطلع الشهر الجاري، إلى جهات عديدة للتوسّط لدى صنعاء، مِن مِثل العراق وإيران وألمانيا وغيرها من الدول، لمنْع التصعيد ومواصلة المفاوضات، لمّحت، خلال لقاء جمع مسؤول الملفّ اليمني في الديوان الملكي، وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، إلى رئيس «المجلس الرئاسي» المقيم في الرياض، رشاد العليمي، فجر الثلاثاء، إلى إمكانية اللجوء إلى القوّة وتحريك بعض الجبهات – وبخاصة جبهة الجوف -، وتالياً عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الثاني من نيسان الفائت، في ما لو فشلت مفاوضات تمديد الهدنة، وفق ما أفادت به مصادر مقرّبة من «الرئاسي».
المصدر: الأخبار اللبنانية