أيام قليلة وتنتهي الهدنة الأممية المعلنة في اليمن، ولا مؤشرات لتجديدها مرة أخرى في ظل تعنت قوى التحالف السعودي الإماراتي، وعدم إلتزامها بتنفيذ بنود الهدنة بجميع فتراتها الثلاث، ناهيك عن إستمرارها تشديد الحصار والعدوان على الشعب اليمني.
من هذا السياق يبدأ حوارنا مع الكاتب والباحث السياسي اليمني عبد العزيز أبو طالب، لمناقشة دوافع التحالف في تقؤيض كل جهود السلام في اليمن، إلى جانب تسليط الضوء على تطور القدرات العسكرية للقوات اليمنية، والرسائل الإستراتيجية التي وجهتها القوات خلال عروضها الأخيرة.
معركة التحرر الشاملة تقترب وصنعاء عازمة على تحقيق الإستقلال الكامل من الوصاية والإحتلال
التحالف يغذي الصراعات العميقة بين فصائله للإستمرار في الإحتلال ونهب الثروات اليمنية
إحتجاز التحالف لسفن الوقود يهدف لخفض سقف الإستحقاقات المشروعة للشعب اليمني
فصائل العدوان غرقت في مستنقع العمالة وغير قادره على العودة إلى صف الوطن
العدوان يحشد عسكرياً ويتجه إلى جولة جديدة من التصعيد
فصائل التحالف تُفشل جهود فتح الطرق لتحصيل الجبايات
العدوان على اليمن أمريكي بريطاني والسعودية والإمارات لا تملكا قرار وقف الحرب
الزيارة الأخيرة لوفد صنعاء المفاوض إلى موسكو.. ما دلالاتها ومضامينها السياسية في هذا التوقيت بالذات خصوصا بعد تأكيد رئيس الوفد محمد عبدالسلام، بأن هناك تغيراً حقيقياً في الموقف الروسي تجاه صنعاء؟
تأتي الزيارة أثناء سريان النسخة الثالثة من الهدنة التي دعت إليها الأمم المتحدة كما هي في ظرف عسكري ونقصد به العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لم تكن الزيارة هي الأولى فقد سبقتها زيارة في الربع الأخير من العام 2018م، تشير هذه الزيارة إلى نجاح الدبلوماسية اليمنية لحكومة الإنقاذ المقاومة في صنعاء في كسر العزلة التي يريد العدوان أن يفرضها على صنعاء لمنعها من إيصال صوت الشعب اليمني إلى المحافل الدولية.
وبإعتبار روسيا أحد الدول الكبرى وتملك حق الفيتو في مجلس الأمن، فإن هذه الزيارة بلا شك ستكون لها آثارها الإيجابية، وذلك ما أشار إليه رئيس الوفد الوطني من “التغيير الحقيقي” في الموقف الروسي، خاصة وأن موسكو وبكين تقودان جهوداً دولية لإعادة رسم النظام الدولي الذي تهيمن عليه واشنطن أو ما يسمى بالقطبية الأحادية، كون صنعاء تعتبر الحرب القائمة عليها هي حرب أمريكية بإمتياز.
صرح رئيس حكومة الإنقاذ د. عبدالعزيز بن حبتور، مؤخرا بتلقي صنعاء العديد من الرسائل والاتصالات من عدد من الدول، مؤكدا أن صنعاء تسعى “لجمع الصداقة والحلف مع روسيا والصين” .. كيف أصبحت صنعاء لاعبا رئيسيا في صناعة التوازنات في المنطقة؟ وهل نحن أمام تطورا يفتح الأفق لعودة علاقات صنعاء على الساحة الدولية؟
– من يملك القضية العادلة هو من يملك الدافع القوي والحافز على مقاومة كل جهود العدو وأهدافه الرامية إلى عزل اليمن وجعل قضيته حرباً منسية في ظل تواطؤ دولي تحكمه المصالح الإقتصادية التي يجنيها من دول العدوان، وكما يقال إن الحقيقة هي أول ضحايا الحرب إلا أن القضية العادلة هي من تعيد إحياءها والدفع بها إلى الواجهة.
تستغل صنعاء التطورات الدولية الرامية إلى إعادة تشكيل النظام الدولي لإفشال جهود العدوان لعزل اليمن، وثمة مؤشرات كثيرة يتم التقاطها من أكثر من تصريح ومن زيارات بعض السفراء الأوروبيين لصنعاء، وما هو مطلوب من حكومة الإنقاذ هو الإستغلال الكامل للتحولات الدولية وطرق أبواب أمريكا اللاتينية التي بدأت تتحول بوتيرة متصاعدة نحو اليسار المعادي للإمبريالية الأمريكية.
مع استمرار التحالف في احتجاز السفن النفطية وعرقلة الرحلات الجوية وإعلان صنعاء خطة طوارئ لمواجهة قرصنة التحالف .. ما الذي اضافته الهدنة الأممية الجديدة بخصوص الجوانب الإنسانية؟ وماذا بشأن آلية صرف المرتبات ولماذا لم يلتزم التحالف بهذا الشرط في ظل استحواذه على الثروات اليمنية؟
– لم يتمكن التحالف من إخفاء طبيعته العدوانية تحت ستار الهدنة الإنسانية التي لم تخدم الإنسان اليمني في حدود البنود المتفق عليها رغم تواضعها، ذلك يعطي رسالة للشعب اليمني أن العدو إنما يلتقط أنفاسه ويعيد ترتيب أوراقه أو ما يسمى إستراحة محارب، ونلاحظ أن تلك الهدنة كانت بطلب من قبل العدوان بعد الضربات اليمنية المؤلمة لدولتي العدوان في عصبها النفطي، في ظل أزمة النفط والغاز بفعل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
لا يزال العدوان يماطل في تنفيذ بنود الهدنة سواء على مستوى الرحلات الدولية أو دخول السفن النفطية التي تعتبر احتياجات إنسانية لا ينبغي استغلالها في الصراع بأي شكل من الأشكال، يهدف العدو من احتجاز السفن هو خفض سقف المطالب الإنسانية والإستحقاقات المشروعة للشعب اليمني وعلى رأسها دفع مرتبات الموظفين حتى إذا تم مناقشة هدنة جديدة تكون مطالب اليمن هي إدخال السفن ولكن تصريحات الرئيس المشاط كانت واضحة في عزم الدولة في اتخاذ الخطوات الضرورية لإجبار العدو على إطلاق السفن التي يقرصنها في البحر، وأعتقد أن العروض العسكرية الأخيرة كانت رسائل مفهومة للعدو.
عقب تأكيد رئيس وفد صنعاء المفاوض بعدم تمديد الهدنة مجددا وفقا لشروطها السابقة .. أي شروط جديدة تطرحها صنعاء لتجديد الهدنة؟ وهل نحن ذاهبون إلى جولة جديدة من التصعيد في ظل عدم إلتزام التحالف بتنفيذ بنود الهدنة بالشكل المطلوب ؟
– لا تمثل الهدنة مطلباً نهائياً للشعب اليمني إنما توفر جواً من الهدوء الذي يساعد على الحوار بعيداً عن التأثيرات العسكرية والضغوط المصاحبة، فكان الهدف من الهدنة هو تحقيق عملية بناء الثقة والبدء في مفاوضات جدية تنتهي بوقف إطلاق النار بشكل كامل ورفع الحصار والتفاوض في الملفين العسكري والسياسي.
ولكن تعنت العدوان في تنفيذ بنود الهدنة وسعيه إلى التحشيد والحصول على أسلحة جديدة لعل آخرها السفن العسكرية المتطورة التي حصل عليها من أسبانيا مؤخراً والمناورات البحرية في البحر الأحمر بمشاركة عربية وأجنبية كلها تدل على نية العدو في الذهاب إلى جولة جديدة من التصعيد، وهذا ما لم تغفل عنه القيادة الثورية والسياسية في صنعاء انطلاقاً من معرفتها الجيدة بالعدو وتكتيكاته من خلال التجارب السابقة خلال سنوات العدوان الثمان.
خلال الشهر الأخير نظمت قوات صنعاء أكثر من سبعة عروض عسكرية مهيبة .. أي رسالة توجهها القوات داخليا وخارجيا؟ وما مدى جهوزيتها لأي محاولات تصعيد جديدة للتحالف؟ وهل تعتقدون أن معركة تحرير كافة التراب اليمني تقترب ؟
– تمثل العروض العسكرية الأخيرة رسائل ردع للعدو الذي أعتقد أن اليمن قد تم إنهاكه بفعل العدوان العسكري والحصار الإقتصادي الخانق وضرب البنى التحتية والخسائر البشرية المدنية وأن معنوياته قد تراجعت خلال سنوات العدوان ولكن هذه العروض تأتي لتجمل رسائل مهمة أبرزها أن اليمن مصمم على الإستقلال من الوصاية والإحتلال وأن أبناءه يتسابقون إلى ميادين الجهاد والمقاومة للدفاع عن أرضهم وكرامتهم ومستقبلهم.
كما أنها تبعث برسالة مفادها أن الشعب مستمر في حالة الإلتفاف حول قيادته الثورية والسياسية، وأنه مستعد للنفير في معركة التحرر الوطني التي نراها قريبة بالفعل، فمن يقرأ مجريات الأحداث خلال هذا العدوان سيلحظ أن منحنى القوة لدى القوى الوطنية المقاومة والمناهضة للعدوان في تصاعد.
بينما منحنى العدو في تراجع ويمكن قراءة ذلك ميدانياً من خلال فشل العدو في الإقتراب من صنعاء، بل وتمكن صنعاء من تنفيذ عمليات عسكرية نجحت في تحرير مناطق جغرافية واسعة محتلة سواء على مستوى محافظات أو مديريات كانت محتلة.
اقتتال فصائل التحالف في المحافظات الجنوبية.. كيف يمكن قرائته في ظل المتغيرات التي تشهدها اليمن ؟ وهل يسعى العدو اليوم للتخلص من بعض أدواته؟ لماذا؟
– من الطبيعي أن يتبع المحتل سياسة التأليب بين القوى المنضوية تحت العمالة، ذلك يوفر له المناخ الملائم للإستمرار في الإحتلال ما دامت الأدوات منشغلة بالصراعات البينية، ومن جهة أخرى يعمل على إضعاف الجميع وإبقائهم في حالة الحاجة إلى المحتل ليساند بعض تلك القوى على بعضها الآخر، وهي سياسة بريطانية سابقة.
يمكن القول إن العدو يريد التخلص من إحدى القوى العميلة البارزة وهى ميليشيات الإخوان لأسباب أيدلوجية وسياسية ولكن في إعتقادي أنه لا يريد التخلص منها بشكل نهائي لأنه عمل على الوصول بالإخوان إلى مرحلة اللاعودة ما يجعله يتحكم في مسار تحركاته وفي نفس الوقت تأديبه وقمعه دون القدرة على الرد أو المقاومة. وما نتمناه من المغرر بهم هو أن يفهموا مخططات العدو الذي يسعى للفتنة بين أبناء الشعب اليمني للتفرغ لسرقة ونهب ثوراته في غفلة وانشغال بالصراعات الداخلية.
ما حدث في محافظتي شبوة وأبين من اجتثاث لقوات الإصلاح بتدخل مباشر من طيران التحالف.. ألا يفترض أن يكون عبرة لفصائل التحالف لمراجعة نفسها والالتحاق بصفوف الشعب اليمني؟ لماذا تصر هذه الفصائل على البقاء تحت لواء التحالف بعد محاولاته لتصفيتها؟
– يقوم العدو بتنفيذ إستراتيجية مرسومة بدقة وبخطوات يمكن للمتابع أن يتنبأ بها، فمحافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز تفتح شهية المحتل السعودي الإماراتي ومن ورائهما الأمريكي والبريطاني والفرنسي، لسرقة النفط والغاز لتعويض النقص في السوق الدولية جراء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ولابد من إشاعة الفوضى والإقتتال كما هو الحاصل في ليبيا وسوريا والعراق للوصول بالدولة إلى حالة الفشل وعدم الإستقرار ليتسنى للعدو نهب الثروات وسرقتها بينما تقتتل الأدوات، وتلعب دول العدوان تبادل الأدوار في دعم الميليشيات كما هو في ليبيا، تتزعم الإمارات مسألة التدخل المباشر بحجة القضاء على الإخوان المسلمين وعلاقتهم بالإرهاب والقاعدة.
وكما قلنا سابقاً إن العدو أوصل ميليشيات الإصلاح إلى مرحلة اللاعودة وكما قال رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي، مناشداً السعودية والإمارات ألا يتركوهم في منتصف الطريق فقد أوصلوهم فعلاً إلى نهاية الطريق، ولكن تلك النهاية هي الطرف المسدود في نفق العمالة والإرتزاق فلم يعد بإمكان الإصلاح العودة إلى حضن الوطن لأنه قد ارتكب من الخيانة بحق الوطن وأبنائه ما يمنعه من الرجوع.
ولم يعد يمتلك العلاقات الطيبة مع دول العدوان التي شابها الكثير من الريبة بفعل ضربات “النيران الصديقة”، وهذا بإعتقادي مصير متوقع منذ البداية، ومع ذلك لا تنفك صنعاء من مد يد الأخوة وفتح قنوات التواصل لمراجعة الإصلاح لمواقفه.
تلك الضربات ينبغي أن تكون عبرة لبقية الميليشيات والقوى السياسية المنضوية تحت راية العدوان ولكن أعتقد أيضاً أنها لن تستفيد من ذلك لغرقها في مستنقع العمالة الذي يقف عائقاً أمام أي مراجعة وطنية وإتخاذ القرار الصائب بتفضيل الوطن على العمالة والشعب على العدو والأمن والإستقرار على سفك الدماء وحصار الشعب.
أربع جولات من المفاوضات التي استضافتها العاصمة الأردنية عمّان بشأن الهدنة وفتح الطرقات .. أي مصير تتوقعونه لهذه المفاوضات؟ ولماذا ترفض فصائل العدوان فتح الطرق؟
– دائماً ما تصر صنعاء على أن تكون المفاوضات مع من يملك القرار لعلمها أن المرتزقة القابعين في فنادق الرياض وأبو ظبي لا يستطيعون الفصل في قرارات تخدم السلام والإستقرار ومصلحة الشعب اليمني ومن ذلك فتح الطرقات في تعز وبقية المحافظات اليمنية، وقد بادرت صنعاء بتقديم مقترحات من طرف واحد تخدم في النهاية هدف التخفيف من معاناة المواطنين الذين ينظر إليهم مواطنين يمنيين سواء كانوا تحت سلطة حكومة الإنقاذ الوطنية أو في المناطق الخاضعة للإحتلال في تعز والمحافظات الجنوبية.
في رأيي تعنت قوى الإرتزاق راجع إلى سببين، الأول أنهم لا يملكون القرار، والثاني أن التوصل لأي مبادرات تخفف من معاناة المواطنين ستكون على حساب مصالحهم الشخصية التي يجنونها من إستمرار قطع الطرقات، والجبايات الكبيرة التي يتحصلون عليها يومياً، وفي غياب الوازع الديني والوطني سيكون الرفض هو أفضل الحلول بالنسبة للمرتزقة.
مع كل المتغيرات السياسية والعسكرية التي شهدتها الساحة اليمنية خلال الفترة الأخيرة.. برأيكم هل يسعى التحالف السعودي إلى تصعيد جديد أم إلى خروج نهائي من اليمن؟ كيف ذلك في كلا الحالتين؟
– في رأيي أن التحالف السعودي الإماراتي لا يملك قرار وقف العدوان إنما هم أدوات ووكلاء للعدو الأصيل وهو الأمريكي والبريطاني، وصمود الشعب اليمني حال دون تحقيق أهداف الأصيل، لذلك لا يسمح الأمريكي للسعودية والإمارات بالخروج رغم أنهما قد وصلا لقناعة استحالة كسر الشعب اليمني وسحق مقاومته، ففي العام 2017م أعلنت السعودية أن الحل في اليمن لن يكون عسكرياً، حتى جاء الرد من البيت الأبيض مباشرة أن السلام في اليمن لا يزال بعيداً وقد فهمت الرياض تلك الرسالة واستمرت في عدونها.
ما نتوقعه هو جولة جديدة من التصعيد لأنه لا يوجد أي مؤشرات جادة نحو السلام خاصة بعد تواجد القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية في المحافظات الجنوبية. في اعتقادي أن ذلك نسخة مشابهة لما يحدث في سوريا حيث قامت الميليشيات بإنهاك الدولة السورية ليتمكن الأمريكي والبريطاني من التواجد في شمال شرق سوريا وسرقة النفط السوري، واليوم يقوم العدو بسرقة النفط والغاز اليمني بينما تقوم السعودية والإمارات والمرتزقة بحماية أولئك اللصوص، وهذا مؤشر على ضرورة إستمرار القتال والعدوان لإشغال القوى الوطنية من التدخل لحماية الثروات وطرد المحتل.
في ظل تعنت ومراوغة دول التحالف على جميع الاتفاقيات السابقة وعلى رأسها الإنسانية .. كيف يمكن التهيئة للدخول في حوار سياسي شامل في اليمن من وجهة نظركم؟ وما المحددات التي تضعها صنعاء في هذا السياق؟
– لا يمكن الدخول في مفاوضات نهائية تصل بالشعب اليمني إلى تحقيق السلام ووقف نهائي وشامل لإطلاق النار ورفع الحصار وجبر الضرر إلا بعد أن تلمس القوى الوطنية المقاومة مبادرات حسن النوايا وتنفيذ الاتفاقيات وعلى رأسها الملف الإنساني.
وأرى أن مطالب صنعاء واضحة ومشروعة ومحددة في الحفاظ على الثوابت الوطنية من السيادة والإستقلال ووحدة وسلامة أراضي الجمهورية اليمنية والثوابت الوطنية المتعلقة بطرد جميع القوات الأجنبية والحفاظ على ثروات البلاد، ووقف كامل لإطلاق النار ورفع الحصار بدون أي قيود ومن ثم الدخول في مفاوضات إعادة الإعمار والتعويضات العادلة للشعب اليمني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حلمي الكمالي