مقالات مشابهة

إصلاح مجلس الأمن الدولي.. عالم جديد أم تحجيم للخصوم؟

منذ ما يقارب ربع قرن، لم تتوقّف المحاولات لإصلاح مجلس الأمن الدولي، أبرزها العمل على تقييد حق النقض، أو ما يُعرف بـ”الفيتو”، وهو حق الاعتراض على أي قرار يقدَّم إلى مجلس الأمن، من دون إبداء أسباب موجبة، من جانب الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا والصين).

أول أمس الخميس، تعهّدت الولايات المتحدة العمل من أجل إصلاح مجلس الأمن الدولي، وتوسيع عضويته، على نحو يؤدي إلى “استيعاب الحقائق العالمية الحالية، ووجهات النّظر الأكثر تنوعاً جغرافياً”.

جاء ذلك على لسان مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة، السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، في المؤتمر المنعقد في سان فرانسيسكو، بشأن أولويات الإدارة الأميركية خلال الدورة الـ77 للجمعية العامة الأممية.

وطرحت غرينفيلد خريطة طريق من 6 مبادئ لإصلاح مجلس الأمن، المبدأ الأول فيها يتعلق بالدفاع والتصرف بصرامة للدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة.

وقالت المندوبة الأمريكية إن المبدأ الثاني يتعلق بعزم الدول الأعضاء التصدي للتهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليان، بصورة عملية.

ويتعلق المبدأ الثالث بالامتناع عن استخدام حق النقض “الفيتو” إلّا في حالات نادرة، وغير عادية. أمّا بشأن المبدأ الرابع، فقالت السفيرة الأمريكية إنّ “أعضاء مجلس الأمن يجب أن يكونوا قادة عالميين في دعم حقوق الإنسان، في الداخل والخارج، وأن يُظهروا روح القيادة في هذا الشأن”.

وينصّ المبدأ الخامس على تعزيز التعاون والشمولية والشفافية داخل مجلس الأمن. وسادساً وأخيراً، ينبغي، وفق غرينفيلد، للمجلس أن يعكس، بصورة أفضل، الحقائقَ العالمية الحالية، وأن يضم وجهات نظر أكثر تنوعاً جغرافياً.

ولعلّ أبرز هذه المبادئ هو البند الثالث المتعلق بالامتناع عن استخدام حق النقض إلّا في حالات نادرة وغير عادية. وهنا، شدّدت المندوبة الأميركية على أن “أي عضو دائم في مجلس الأمن يمارس حق النقض للدفاع عن أعماله العدوانية، سوف يفقد سلطته المعنوية، ويجب أن يحاسَب”.

ولفتت إلى أنه، منذ عام 2009، استخدمت روسيا 26 مرة حق النقض، وفي 12 منها انضمت إليها الصين، بينما استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 4 مرات فقط. لكن الدبلوماسية الأميركية لم تذكر أن بلادها استخدمت حق الفيتو أكثر من 40 مرّة لمصلحة “إسرائيل”، في الفترة بين عامي 1973 و2017.

مشروع أمريكي غير مكتمل

تلجأ الولايات المتحدة الأميركية، من خلال مقترح إصلاح مجلس الأمن، إلى استخدام أساليب دبلوماسية، وذلك بعد أن ابتعدت عن الحل العسكري بسبب الردع النووي للدول التي تواجهها، مثل روسيا والصين.

وكثيراً ما لجأت واشنطن في الماضي إلى استخدام القوة، وصمتت عن استخدام بعض حلفائها لها، أو دعمتهم عبر استخدام حق النقض. والدليل على ذلك هو التصويت لمصلحة “إسرائيل”، وغزو العراق ليبيا وغيرهما.

وعن قرار “الإصلاح” من جانب واشنطن، قال محلل الميادين لشؤون أمريكا والأمم المتحدة، نزار عبود، إنّه لا يوجد مشروع حقيقي لإصلاح مجلس الأمن الدولي.

ولفت عبود إلى أنّ “الولايات المتحدة الأميركية تشعر حالياً بأنّ الباب مسدود أمام مشاريعها في مجلس الأمن، بسبب معارضة روسية صينية وبعض الدول الأخرى الأعضاء في المجلس”.

وأكد أنّ مشروع القرار الأمريكي “غامض إلى حدّ كبير، فواشنطن لا تريد ضم عدد كبير من دول أميركا اللاتينية وأفريقيا”، معتبراً أنها تريد أن تستخدم أصوات الدول “كي تربح حرباً خسرتها في أوكرانيا”.

توسيع مجلس الأمن محاولات لتحجيم الخصوم

إصلاح مجلس الأمن من المواضيع المطروحة في الأمم المتحدة، بصفته مسؤولاً عن السلم والأمن الدوليّين. وقضيّة تغيير بنيته طُرحت عدة مرّات من جانب مجموعات العمل الدوليّة ودول مستقلة.

وتُعَدّ مبادرة ليختنشتاين من أواخر المبادرات التي دعت إلى تقييد حق النقض. وتقوم المبادرة على عقد اجتماع تلقائي لأعضاء الجمعية العامة، المؤلفة من 193 دولة، في كل مرّة يتم فيها استخدام “حق النقض” من جانب الدول الدائمة العضوية. وأيّد هذه المبادرة 83 دولة في المجلس.

وسبقت مبادرةَ ليختنشتاين عدةُ مبادرات، منها المبادرة الفرنسية في عام 2018، والتي دعت أيضاً إلى تقييد حق النقض، إلّا أنّها واجهت تحديات جعلت نجاحها أمراً بالغ الصعوبة.

والمشاريع الإصلاحية لمجلس الأمن تقسم إلى قسمين: الأول يتعلق بزيادة عدد الأعضاء الدائمين والأعضاء غير الدائمين، والثاني يُغيِّر تغييراً جذرياً تركيبة مجلس الأمن.

زيادة المقاعد الدائمة ستطرح إشكالية كبرى، وهي أنّه سيصبح من الصعب، بل من المستحيل فيما بعدُ، أن تُسحب هذه المقاعد من أصحابها، وذلك مع غياب آلية انتقال الدول من المقاعد غير الدائمة إلى المقاعد الدائمة. فالأمم المتحدة لم تذكر في ميثاقها، عام 1945، معايير الاختيار للعضوية الدائمة، لأنّ الدول الكبرى آنذاك دخلت مجلس الأمن بعضوية دائمة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ إعطاء هذه الدول حقّ النقض “الفيتو” سيزيد في خطر شلل مجلس الأمن، مع العلم بأنّ عدم خلق توازن فيما خصّ دول العالم الثالث لا يحترم المساواة في السيادة بين الدول في الأمم المتحدة.

ومن العوائق أمام الإصلاحات وتوسيع مجلس الأمن، وجود المادتين الـ108 والـ109 من الميثاق، واللتين تعطيان الدول الدائمة العضوية حق النقض “الفيتو”. لذلك، فإنّ أيّ مشروع سيُقترح الآن يجب أن يأخذ في الحسبان تغيير هاتين المادتين أو تعديلهما من أجل منع الدول الدائمة العضويّة من معارضة أيّ مشروع مقترح.

وتؤكد المادة الـ108 أنّ التعديل يمكن عبر قرار من الجمعية العامة يوافق عليه ثلثا أعضائها، ويصدق عليه ثلثا الأعضاء، وبينهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن. وحدثت هذه العملية مرة واحدة فقط عندما تم رفع عدد أعضاء مجلس الأمن إلى 15 عضواً، وهو العدد الحالي، وذلك بزيادة عدد الأعضاء غير الدائمين من ستة إلى عشرة.

وبشأن أمر التعديلات في قرارات الجمعية العامة، قال محلل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية، موسى عاصي، إنّ أمر التعديلات مستحيل، لأنّ التعديل يحتاج إلى موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية. فالولايات المتحدة تريد أن تفتح جبهة أو مواجهة مع روسيا، وأن تُظهر للعالم أن روسيا هي التي تمنع دخول هذه الدول لمجلس الأمن الدولي.

ولفت إلى أنّ توسيع مجلس الأمن، بحسب الخطة الأميركية، يُحتّم على الأعضاء الجدد دخول مجلس الأمن وفق الشروط الأميركية الغربية. وبالتالي، تريد واشنطن أن تحوّل المجلس إلى سلطة تدور في الفلك الأميركي الأوروبي بصورة مطلقة.

وفي حين أنه يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إلى فرض عقوبات، أو حتى السماح باستخدام القوة للمحافظة على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما، كما حدث في عدد من الحالات، فإنَّ هذا الأمر لا يمكن تطبيقه على الدول الخمس الدائمة العضوية، لأنّ أياً منها يمكن أن يمنع التنفيذ أو حتى صدور القرار باستخدام حق النقض.

ويبقى البديل في هذه الحالة أن أمام واشنطن اللجوء إلى الضغط مالياً على مجلس الأمن الدولي، من خلال التهديد بوقف تمويلها للأمم المتحدة، والذي يبلغ 11.6 مليار دولار سنوياً. وهذا الأمر يوقع المنظمة الأممية في عجزٍ وشلل لحركتها، إذ ستتلقى مصير عصبة الأمم نفسها، التي انهارت في عام 1945، وفشلت في حل النزاعات القائمة في أوروبا.

تسعى الولايات المتحدة لإبعاد لاعبين أساسيين عن الساحة الدولية، من خلال انتهاك صلاحيات الأعضاء الدائمين في المجلس، وتقويض حق “الفيتو”، وهذا الأمر وصفه نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، بـ”العذاب المر”.