المشهد اليمني الأول| تقارير
نشرت وكالة رويترز للأنباء على موقعها الإلكتروني ، تحليلاً يتحدث عن معركة حلب التي يقودها الجيش السوري ضد المسلحين مؤخراً ، وأبعادها السياسية وانعاكاستها على المشهد السياسي في المنطقة ، ويبدأ التحليل هكذا : ” اعترف مسؤولون أمريكيون يوم الاثنين بأن خسارة قوات المعارضة المعتدلة التي تدعمها الولايات المتحدة النصف الشرقي من حلب أكبر مدن سوريا أمام القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا ستكون هزيمة لجهود الرئيس باراك أوباما لتشجيع الديمقراطية ودحر الإرهاب في الشرق الأوسط”
قد يبدو من الغريب حشر كلمة “الديمقراطية” في البداية ، ولكن إذا ما أعدنا النظر إلى الحديث مع أخذ مصلحة أمريكا بعين الإعتبار ، سنتفهم الحاجة إلى ربط “الديمقراطية” ببقاء مسلحي المعارضة ، كما سنتفهم وبصدر رحب أيضا لماذا تُسمى هذه الأخيرة “معتدلة” ، فالمصير الذي قد تفرضه معركة حلب في حال انتصار الجيش السوري، يقتضي هزيمة كبيرة لأمريكا ، وهذا ما وضحه تحليل رويتزر بكثير من التفصيل الإجمال ، ولذلك لا غرابة في أن تربط كل الأسماء والمصطلحات البراقة ببقاء المعارضة في حلب .
وكشاهدٍ على هذا الكلام ، ينقل تحليل رويترز عن محلل أمريكي سابق لمعلومات المخابرات يدعى (بول بيلار) قوله إن “سقوط شرق حلب سيواجه الولايات المتحدة بحقيقة أن دعم معارضة معتدلة مع أي أمل بأن تتولى الحكم في سوريا في المستقبل .. لم يعد أملا.”
إن كلام المحلل الأمريكي هذا ، يفصح عن طبيعة النظرة الأمريكية للحرب في سوريا بدون مواربة ، والأهم من ذلك هو التدليل على حساسية الوضع الذي تفرضه معركة حلب ، فأمريكا التي “تأمل” منذ خمس سنوات من الحرب أن يحكم سوريا شخص ما “مدعوم” من قبلها ، صارت مهددة بفقدان هذا الأمل ، على ما في لفظة “الأمل” من معان تظهر أمريكا كما لو أنها متمسكة بالحبل الأخير الذي بات مهترئاً .
التحليل التي نشرته الوكالة ، تحدث صراحة أن انتصار قوات الجيش السوري في حلب يضمن سيطرته على كل المدن ، ومن الطبيعي أن يتم تقديم “الإنتصار الروسي” كنتيجة حتمية لذلك ، فأمريكا تخوض الحرب في سوريا من منطلق قص ذراع روسيا في المنطقة ، ولكن الأهم هو أن معركة حلب ستجلب هزيمة كبيرة لأمريكا في حال طرد المعارضة منها ، وهذا ما يعني انتهاء أكبر أزمة راهنت عليها أمريكا في المنطقة خلال السنوات الأخيرة ، ولن نستطرد في سرد ما يمكن أن يتبع ذلك من الآثار السيئة التي ستعود على التحالفات الأمريكية في المنطقة ، وبخصوص هذا بالذات سندع الحديث للوكالة التي أوردت في تحليلها ، عن مسؤول “كبير” لم تذكر اسمه ، قوله التالي :
“من يفوز؟ بوتين والإيرانيون والأسد.. ومن يخسر؟ نحن والأردن (حيث دربت وكالة المخابرات الأمريكية مقاتلي المعارضة المسلحة المعتدلة) بشكل خاص . السعوديون ودول الخليج.”
الآن تبدو أن معركة حلب في خلفيتها السياسية أكبر من تلك التي تدور في الميدان بكثير ، فالحديث عن هزيمة أمريكا ، ربما يدور حوله الكثير من الكلام الذي قد يخفف من وقع لفظة الهزيمة أو الخسارة ، ولكن ما يشي به كلام المسؤول “الكبير” الذي تحدث لرويترز ، هو أن المسألة مصيرية إلى حدود لا ينفع معها التخفيف من وقع الألفاظ ، ومجرد تخيل بسيط لسياق كلامه يجعلنا نرى إعلان انتصار الجيش السوري في حلب ، بمثابة فاجعة ستجعل ربطات العنق السياسية في أمريكا والأردن (حسب ترتيبه) تُربط بسرعة وأصحابها مستعجلون للذهاب إلى اجتماعات لاطائل لها ، وكذلك الحال بالنسبة لعقالات الخليج .
بعد ذلك يتجه تحليل الوكالة إلى “معاتبة” ولوم أوباما ، وهو الوضع الصائب (منطقياً) بعد ما ذُكر أعلاه ، ولكن : هل فعلاً قصّر أوباما في التدخل في سوريا ؟ وهل يتحمل هو مسؤولية أن أمريكا قد وصلت إلى هذا الحد من توقّع الهزيمة التي ربما لم تكن في قاموسها قبل أعوام من الحرب؟ .. لم يتحدث التحليل عن ذلك بالتفصيل واكتفى بالعتاب ، كما لو أن أية تفاصيل لا تجدي .
ومع ذلك لم ينس كاتب التحليل في الوكالة أن يشير بما يشبه الإعتراف – أو التحسر- إلى ما يكمن أن نقول عنه : عدم جدوى المحاولة ، حيث نقل ومجدداً عن المحلل الأمريكي “بيلار” قوله : ( لم يكن هناك أبداً ما يكفي من مستقبل سياسي أو قاعدة لما يسمى بالمعارضة المعتدلة قبل تدخّل الروس أو بعده )
كما نرى إذن :شهادات متتابعة ومرتبة في نسق درامي جاد يبدأ بالتخوف من الهزيمة ويمر بالمعاتبة وهاهو ينتهي بالإعترافات ، ولكن – وبلمسة سينمائية – يأتي بعد كل ذلك ما تحدثنا عنه قبل قليل “محاولة تخفيف الأمر” حيث يظهر لنا المسؤول الأمريكي “الكبير” فجأة ويقول إن ” حلب تسقط ولكن الحرب مستمرة” ثم يسوق الموضوع في المنحنى الجديد مراهنا على على عودة المسلحين الذين سيخرجون من حلب إلى القتال ، وهذه المرة بـ”أسلوب العصابات” حد تعبيره ، كما لو أنهم الآن ليسوا كذلك ، ثم يورد احتمالاً لا يخلو من الخبث ، وهو أن تستمر السعودية والخليج بدعم هؤلاء المسلحين ، بل وأن يزيد ذلك الدعم بعد توقفه من قبل أمريكا .. وإذن ، هل ستدفع السعودية ضريبة التراجع الأمريكي في حلب؟ لا نعلم ، اسألوا رويترز!
في النهاية تأتي النتيجة الأسوأ لهزيمة أمريكا في حلب – من وجهة نظر رويترز – وهي تهديد إسرائيل فبعد انتصار الجيش السوري ستقوى شوكة الأسد وبالتالي إيران وستكون سوريا
“هي قاعدة العمليات المتقدمة ضد إسرائيل والقناة إلى حزب الله”
ينتهي تحليل الوكالة عند هذا الموضوع ، ولا نحتاج كلمات إضافية لتلخيص ما سبق ، ولكن على أية حال : من الغريب ان يكون طرح وكالة رويترز بهذا الشكل ، ونحن لم نقصد السخرية المطلقة من تحليلها ، كما لم نقصد التعامل معه بجدية مطلقة ، فعندما تقوم رويترز بإظهار أمريكا بهذا الشكل ، فالموضوع مضحك مبكي بنفس الوقت ، اذا جاز لنا استعمال تعبير قديم كهذا .
وفي النهاية ربما يجب أن ننوه بأن أي انفعال أو تهور أًردناه في التعاطي مع معركة حلب لم يكن سببه الوثوق الكامل بما طرحه تحليل الوكالة ، وإنما مجرد توضيحه ، وبعبارة أخرى نقول : هذا ما أرادت منا الوكالة أن نفهمه ونقوله : أن أمريكا ستتلقى صفعة كبيرة في حال سقوط حلب من قبضتها!
ضرار الطيب – المراسل نت