من المفيد قبل استعراض نتائج العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الإشارة الى الأسباب التي أدّت الى اطلاقها وتالياً الأهداف المطلوب تحققها.
من المعروف أن أسباب الحروب ترتبط بمسألتين أساسيتين:
1- استهداف الأمن القومي.
2- الإضرار بالاقتصاد.
وفي حالة روسيا فقد كنا أمام إجراءات أميركية متعاقبة وصلت الى مرحلة التهديد الأقصى لركائز الأمن القومي الروسي بالتزامن مع العقوبات المتلاحقة التي تفرضها كل من أميركا وأوروبا على أسس وقواعد ارتكاز الاقتصاد الروسي.
تمثلت هذه الإجراءات بـ:
– الدفع المتسارع لضم أوكرانيا الى “الناتو”.
– حشر روسيا ودفعها نحو حرب استنزاف طويلة الأمد لإضعافها ومن ثم إسقاطها.
– فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا الهدف الرئيسي منها شل مشروع خط الغاز السيل الشمالي 2 والاستعاضة عنه بالغاز القطري والأميركي.
– إشغال روسيا عن سوريا وآسيا الوسطى.
– منع تشكل الحلف الجديد الذي تقوده روسيا.
– تحريك المعارضة الداخلية الروسية لخلق حالة فوضى متوسعة ومتنامية.
انطلاقاً من هذه التهديدات وبعد مرحلة طويلة من التعنت الأميركي بعدم الاستجابة لطلبات روسيا انطلقت العملية الروسية لتحقيق أهداف واضحة استعرضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ولخصها بـ:
– حماية إقليم الدونباس بجمهوريتيه بعد اعتراف روسيا بهما.
– تطهير أوكرانيا من النازيين الجدد.
– منع عسكرة أوكرانيا.
– التفاوض لتثبيت اتفاق يضمن مصالح روسيا وأمنها القومي.
أما وقد مضى على العملية العسكرية الروسية أكثر من أسبوع فيمكن القول إن الوضع الميداني بات على الشكل التالي:
– استطاعت القوات الروسية أن تندفع لعمق كبير داخل الأراضي الأوكرانية يتراوح بين 60 الى 100 كلم على طول الحدود الشمالية والشرقية والجنوبية للحدود الروسية – الأوكرانية.
– تركيز نقاط تموضع واسعة في محيط العاصمة كييف في الشمال ومدينة خاركوف في الشرق ومدينة خيرسون في الجنوب التي دخلتها القوات الروسية في حين أن القوات الروسية تعمل على تطويق مدينة خاركوف من ثلاثة اتجاهات والعاصمة كييف من اتجاهين.
– في موازاة تثبيت نقاط التموضع الواسعة يتم بناء جسور تقدم من الشرق نحو مدينة خاركوف حيث تتم عملية اخراج للبنية العسكرية الأوكرانية من الخدمة قبل الاندفاع، تمثلت بتدمير مطار خاركوف واكاديميتي الدبابات والطيران كنقاط ارتكاز ودعم في خلفية المدينة.
– التقدم نحو العاصمة من اتجاهين رئيسيين، من الشمال عبر التموضع في مطار غوستوميل واربين على مشارف العاصمة وماكريف، ومن الشمال الشرقي عبر رأسي جسر تقدمًا من مدينة سومي ووصولًا الى بوبروفيتسيا على بعد 25 كلم من الجهة الشرقية للعاصمة.
– اغلاق كامل شاطئ بحر آزوف في الجنوب ومحاصرة مدينة ماريوبول بشكل كامل.
– السيطرة على مدينة خيرسون بالكامل وبدء التحضير للسيطرة على مدينة ميكولاييف شمال خيرسون.
– الهدف المباشر للسيطرة على ميكولاييف هو الاستدارة نحو الجنوب الغربي لتطويق مدينة اوديسا واكمال التقدم شمالًا للالتقاء مع القوات المتقدمة غرب كييف لتحقيق الإطباق على أكثر من نصف مساحة أوكرانيا ووضع القوات التي تقاتل شرق نهر الدينبر داخل الطوق وافقادها قدرة المناورة تمهيدًا لإخضاعها.
حاليًا من المتوقع أن تستكمل القوات الروسية عمليات مد الجسور واستكمال عمليات استهداف البنية التحتية العسكرية الأوكرانية وهو أمر سيستغرق بعض الوقت.
بالوصول الى مرحلة تطويق العاصمة كييف ومدينة خاركوف في الشرق ومدينة اوديسا في الجنوب يمكن القول إن القوات الروسية دخلت مرحلة شل الثقل الإستراتيجي لأوكرانيا المتمثل بالمدن الثلاثة وهو أمر قد يؤدي الى تسارع انهيار القوات المسلحة الأوكرانية بشكل أكبر مما هو قائم الآن.
والمؤكد أن شكل العملية الحالي يدل على نية القوات الروسية تنفيذ أكبر عملية تطويق وإطباق منذ الحرب العالمية الثانية.
في الآفاق ليس هناك تأكيدات على توقعات محددة ترتبط بخط سير القوات الروسية سوى باتجاهات الهجوم الرئيسية حيث تمتلك القوات الروسية أعلى هوامش المناورة في خلق عشرات الاتجاهات الفرعية بهدف تضليل القوات الأوكرانية واستنزافها عبر عمليات الدفاع المتحرك بهدف تسهيل كشفها وتدميرها.
في التوقعات، إن العملية الروسية ليست نزهة بالتأكيد وستأخذ وقتها بالنظر الى عدم قدرة روسيا على التراجع عن تحقيق الأهداف المعلنة للعملية لأن التراجع سيكون بمثابة ضربة كبيرة لهيبة روسيا وقدرتها على فرض معادلات التوازن والردع، وهو ما يعني ضرورة تسريع العمليات والبدء باستثمار نتائج العملية في البعد السياسي وتحديدًا بما يرتبط بتحقيق الأهداف الروسية واحباط الأهداف الأميركية.
عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية