تناولت مجلة “معرخوت” الإسرائيلية، -وهي نشرة متخصصة بشؤون الجيش الإسرائيلي والأمن القومي الإسرائيلي-، مسألة هجوم القوات اليمنية على الإمارات في الفترة الأخيرة.
ورأت المجلة أنّ الهجوم اليمني على “إسرائيل” أصبح مسألة وقت، وفق تقرير لـعومر دوستري، ومحاضر في المجال العسكري والأمني في قسم العلوم السياسية بجامعة بار إيلان، وباحث في الأمن القومي، حيث أشار في التقرير إلى أنه “يجب على إسرائيل الاستعداد عسكرياً، ودفاعياً وهجومياً”، لأن المسألة أصبحت متى؟ وكيف؟
وفيما يلي النص المنقول إلى العربية:
بعد التقرير الذي صدر يوم أمس الأحد، خلال زيارة قام بها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لدولة الإمارات، بشأن اعتراض صاروخ باليستي أطلقه أنصار الله، يمكن الافتراض أنّ هجومهم ضد أهداف إسرائيلية أو ضد “إسرائيل” نفسها ليس مسألة سؤال ( هل سيحصل الهجوم) وإنما متى وكيف؟.. سيكون من الجيد لو تصرفنا في هذه المرحلة لتقليل وإضعاف التهديد من اليمن.
ففي 17 كانون الثاني/يناير الجاري، هاجم مقاتلو أنصار الله في إطار عملية سمّوها “إعصار اليمن“، المطارات الدولية في دبي وأبو ظبي، ومصفاة أدنوك الوطنية للبترول في أبو ظبي، بواسطة خمسة صواريخ باليستية (أحدها إيراني الصنع–ذو الفقار) وسرب من الطائرات المسيرة المفخخة.
بعد أسبوع، في 24 من الشهر نفسه، أطلقت أنصار الله في عملية “إعصار اليمن الثانية” صاروخين باليستيين باتجاه مطار الظفرة وأهداف حيوية في أبو ظبي، بحسب أنصار الله. بعد أسبوع بالضبط من الهجوم، في الـ30 من الشهر الجاري، أعلنت الإمارات عن اعتراض آخر لصاروخ باليستي أطلقه أنصار الله من اليمن، في عملية “إعصار اليمن الثالثة”، بينما كان الرئيس الإسرائيلي يزورها.
ورافق الهجوم الأخير، استيلاء أنصار الله على السفينة الإماراتية “روابي” في 3 كانون الثاني/يناير 2022. ينضم الهجوم الواسع في الإمارات إلى سلسلة عمليات إطلاق مسيرات متفجرة، وصواريخ في الشهر الماضي، “من قبل مليشيات عراقية” ضد السفارة الأميركية في بغداد، وضد قاعدة عين الأسد، وقاعدة أخرى بالقرب من مطار بغداد الدولي، تستضيف قوات أميركية.
ويأتي هذا، في إطار الذكرى السنوية لاغتيال قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني، قاسم سليماني، في 3 كانون الثاني/يناير 2020، قرب مطار بغداد الدولي.
هجوم “أنصار الله” في السياق الاسرائيلي
الهجوم الأخير على الإمارات في الـ30 من الشهر الجاري، أثناء وجود الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في البلاد، هو نموذج جيد لخيارات هجوم أنصار الله، من بين أمور أخرى، ضد مسؤولين إسرائيليين رسميين، ورسالة تهديد يقومون بإرسالها إلى الإمارات، ضد اتفاقيات التطبيع، المعروفة بـ”اتفاقيات ابراهام”.
حتى الآن، اكتفى أنصار الله بتصريحات وأقوال معادية، بما في ذلك التهديد بمهاجمة أهداف إسرائيلية أخرى، لكنهم لم يعملوا ضدها.
ويشير أنصار الله الآن إلى أنهم يعتزمون الارتقاء بمستوى التهديد. على سبيل المثال، وفقاً لمسؤول كبير في أنصار الله: “كانت لعملية [الاستيلاء على السفينة الإماراتية رسالة واضحة للعدو الإسرائيلي مفادها أنّ أي عمل عسكري ضد اليمن سيعني تدمير السفن والقواعد الإسرائيلية التي يتدرب فيها المرتزقة “، مضيفين أنّ “كل تحركات العدو الصهيوني في جزر اليمن لن تستمر ولن تنتهي بدون رد”.
الاستعدادات الإسرائيلية واتجاهات العمل ضد العدوان الإيراني من اليمن
يجب على “إسرائيل” الاستعداد عسكرياً: دفاعياً وهجومياً، لسيناريو هجوم مشابه ضد المنشآت النفطية التابعة لشركة (أرامكو) السعودية في 14 أيلول/سبتمبر 2019 ، أو هجوم أنصار الله الأخير ضد البنية التحتية لإنتاج النفط في الإمارات. استخدم في كلا الهجومين طائرات من دون طيار وصواريخ باليستية، بينما استخدم الهجوم في السعودية أيضاً صواريخ مجنّحة (كروز).
في السنوات الأخيرة، يتمتع أنصار الله، بتعاظم عسكري وتكنولوجي كبير. يتضح هذا من خلال القدرات الهجومية المتقدمة نسبياً لأنصار الله، حيث أنّ مسافة هجوم أنصار الله الأخير ضد أهداف في الإمارات -حوالى 1800 كيلومتر -هي نفس المسافة تقريباً مثل هجوم محتمل من اليمن يستهدف إيلات (حوالى 2000 كيلومتر).
علاوة على ذلك، مع تصعيد التهديد من اليمن، لا يتعين على “إسرائيل” انتظار هجوم محتمل للرد عسكرياً، ويجب أن تبادر إلى معركة عسكرية سرية لتقليص القوة العسكرية لأنصار الله، في إطار المعركة بين الحروب. يمكن الافتراض أنّ السلاح الموجه الآن في اليمن ضد السعودية والإمارات والسفن المختلفة في منطقة البحر الأحمر، سيتم توجيهه في مرحلة ما ضد “إسرائيل”، وبالتالي فمن الأفضل العمل عسكرياً.
نظراً لبعد المسافة بين اليمن و”إسرائيل”، فإنّ استخدام الطائرات المقاتلة لن يكون هادفاً وفعالاً بما فيه الكفاية، حيث سيتطلب ذلك إعادة التزود بالوقود في الجو. لهذا السبب تحتاج “إسرائيل” إلى مهاجمة أهداف أنصار الله، باستخدام سفن البحرية الإسرائيلية التي تبحر في قلب البحر الأحمر، وعلى مسافة قريبة نسبياً من اليمن. وستكون هذه السفن قادرة على إطلاق طائرات من دون طيار، وصواريخ دقيقة ضد الأهداف. ويمكن أن يتم بواسطة “السايبر” مهاجمة بنى تحتية حيوية لأنصار الله، مثل ميناء الحديدة.
على الصعيد الدبلوماسي والسياسي والأمني، يمكن للعدوان أن يكون بمثابة محفّز لتعزيز العلاقات بين “إسرائيل” والإمارات. أولاً: يجب أن يمارس الطرفان ضغطاً عاماً مشتركاً وقويً ومستمراً لإعادة أنصار الله إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأميركية، (بعد أن قام الرئيس الأميركي جون بايدن بإزالة أنصار الله من قائمة كمنظمة إرهابية) .
ومن الناحية الأمنية والعملانية، يجب على “إسرائيل” والإمارات زيادة حجم التدريبات العسكرية المشتركة -والإعلان عن ذلك-، وتعميق التعاون الاستخباراتي (اقترح رئيس الوزراء نفتالي بينيت هذا بالفعل) ، وتسخير الولايات المتحدة باعتبارها القائد لكل هذه التحركات.
من الأفضل لـ”إسرائيل” أن تشجع الولايات المتحدة الأميركية على بيع الإمارات أسلحة متطورة، لا يرغب الأميركيون في بيعه لها حالياً، من أجل تقليص ميزان القوى بين الإمارات وإيران في الساحة الإقليمية، وبالتالي تحويل الثقل لصالح المعسكر المعادي لإيران.
قراءة في جدية المخاوف من الهجوم على “إسرائيل”
الرد على الانتقادات المحتملة، ضد الاقتراح الوارد في هذا المقال بخصوص المبادرة إلى هجوم ضد أنصار الله، يمكن طرح ثلاثة ادعاءات رئيسية:
أولاً: اليمن لا يهاجم “إسرائيل”، لذلك لا داعي للاستعجال و البحث عن المشاكل بينما تواجه “إسرائيل” تهديدات أخرى.
ثانياً: اليمن ليس تهديداً كبيراً، لأنه ليس له حدود مع “إسرائيل”.
ثالثاً: الادعاء بضرورة شن هجوم في اليمن، على بعد 2000 كيلومتر من “إسرائيل”، يبدو “نظرياً وغير عملي، لا سيما فيما يتعلق بمهمة جمع المعلومات الاستخبارية عما يحدث في اليمن.
الجواب على الانتقاد الأول هو أنه سيكون واضحاً لكل صاحب عقل أنه لو عملت “إسرائيل” بحزم وبشكل مكثف ضد هذه التهديدات عند نشوئها والتي ازدادت لكان من الممكن أن تكون البيئة الأمنية اليوم أكثر أماناً. يجب إيقاف تطور التهديدات الموجودة في الأفق في البداية، عندما لا تكون القوة التي أمامك قادرة على إلحاق ضرر جسيم. ولهذا تعمل “إسرائيل” في السنوات الأخيرة ضد القوات الإيرانية المتمركزة على الأراضي السورية.
النقد الثاني المحتمل غير ذي صلة اليوم، هو أنه لدى أنصار الله، من بين أمور أخرى، مسيرات مفخخة متطورة وصواريخ مجنحة وصواريخ باليستية، يمكن أن يصل بعضها إلى إيلات. من المتوقع أن تستمر القوة العسكرية لأنصار الله في التطور، ويرجع ذلك أساساً إلى المساعدات الإيرانية، وخاصة إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية عن الإيرانيين – وهي خطوة ستسمح لطهران بالاستثمار بشكل أكبر في أنصار الله.
الانتقاد الثالث المحتمل، لا يأخذ في الاعتبار خيارات الهجوم الإضافية، بخلاف استخدام الطائرات المقاتلة التي تتطلب التزود بالوقود الجوي على مسافة 2000 كيلومتر. لأن “إسرائيل”، وفقاً لتقارير، لديها القدرة على القيام بعمل عسكري ضد أنصار الله، من مسافة قريبة نسبياً -في أعماق البحر الأحمر- وحتى باستخدام صواريخ (أرض-أرض). إنّ موضوع جمع المعلومات الاستخبارية في اليمن معقد، لكن من الممكن إيجاد حلولاً استخباراتية للتعامل مع الأمر، ناهيك عن إمكانية التعاون مع دول إقليمية وقريبة أكثر من اليمن.