المشهد اليمني الأول| متابعات

مقتل ثلاثة جنود اتراك واصابة عشرة آخرين في غارة جوية للطيران السوري في منطقة الباب، هو آخر ما يتمناه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي يتلقى هذه الأيام الضربات السياسية والعسكرية من معظم الجهات الإقليمية والأوروبية، وتتزايد عزلته بالتالي.
فالرئيس التركي يخوض حاليا عدة حروب على عدة جبهات، والأولى ضد حزب العمال الكردستاني داخل تركيا، والثانية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي داخل سورية، والثالثة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، واذا قام بالرد على هذه الغارة الجوية السورية التي استهدفت قواته داخل الأراضي السورية، مثلما هدد السيد بن علي يلدريم رئيس الوزراء، فإنه يفتح بذلك جبهة رابعة، ربما تكون الأخطر، لأنها تعني حربا مباشرة مع الحكومة السورية، وغير مباشرة مع حليفها الروسي، وفوق هذا وذاك قد يتوحد هؤلاء الأعداء جميعا، وفي جبهة، او تحت مظلة واحدة ضد تركيا، ان لم يكونوا قد توحدوا فعلا.
الطيران الحربي السوري ما كان يقدم على هذه الغارة الجوية، ويستهدف قوات تركية بالقصف الا بعد التنسيق مع الحليف الروسي، مما يعني ان الروس أصحاب اليد العليا عسكريا في الأرض السورية، يعارضون هذا التدخل العسكري التركي، واذا اضفنا الى كل هذا ما صرح به المتحدث باسم الحكومة الامريكية اليوم الخميس “ان التحالف الدولي ضد “الدولة الإسلامية” لا يدعم العمليات التي تشنها القوات التركية (درع الفرات) على مدينة الباب، فإن هذا يعني ان القوتين العظميين المتورطتين في الازمة السورية يعارضان هذا التدخل التركي كليا، الامر الذي يطرح تساؤلا على درجة كبيرة من الأهمية هو: على من يراهن الرئيس اردوغان في مغامرته وتدخلاته العسكرية هذه؟
من المفارقة ان الرئيس التركي مني بضربة قوية اليوم الخميس عندما صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية ضخمة (479 صوتا مقابل 37 صوتا معارضا) على وقف كل المفاوضات مع تركيا حول انضمامها للاتحاد الأوروبي، بسبب انتهاكها لحقوق الانسان، والإجراءات القمعية التي أقدمت عليها الحكومة التركية منذ الانقلاب العسكري الفاشل في تموز (يوليو) الماضي.
توغل القوات التركية في الأراضي السورية انتهاك للسيادة يرتقي الى درجة الغزو والاحتلال، حتى لو جاء تحت ذريعة إقامة منطقة عازلة، لان مثل هذا التوغل لا يتم في اطار قرارات دولية صادرة عن مجلس الامن، ناهيك عن معارضة القوتين العظميين له.
الرئيس اردوغان لم يتسامح مع توغل طائرة روسية لثوان معدودة في الأجواء التركية قبل عام، وأعطى أوامره بإسقاطها، قرب الحدود التركية السورية، واعتبر هذا التوغل انتهاكا للسيادة التركية، ونستغرب رفضه لتصدي الطيران السوري لتوغل قواته في أراضي سورية، بعمق اكثر من الف كيلومتر مربع، ويريد توسيعها خمسة اضعاف، والتصدي للغزو امر مشروع تكفله كل القوانين والتشريعات الدولية، أيا كان الرأي في الحكومة السورية سلبا او إيجابا.
فتح جبهة جديدة مع سورية المدعومة روسيا لن يكون في مصلحة تركيا وامنها واستقرارها، وقد تكون هذه الخطوة بداية حرب استنزاف اكبر للجيش التركي هو في غنى عنها، لان لديه من النزيف في جبهات أخرى داخلية وخارجية ضد “الارهاب” ما يكفيه واكثر.
وضع الرئيس اردوغان الداخلي والاقليمي بات مقلقا، خاصة في ظل تواصل التفجيرات الإرهابية، وتراجع النمو الاقتصادي نتيجة حالة عدم الاستقرار الناجمة عن هذه التفجيرات، ولعل القرار الذي صدر اليوم بزيادة معدلات الفائدة على الليرة التركية لوقف انهيارها احد المؤشرات في هذا المضمار.
الرئيس اردوغان سيكون الخاسر الأكبر في أي مواجهة مع الحكومة السورية، مع تسليمنا انه الأقوى عسكريا، لأنه ليس هناك ما يمكن ان تخسره هذه الحكومة، وينطبق عليها المثل الذي يقول “ضربوا الاعمى على عينة فقال ما هي خسرانة خسرانة”.

*افتتاحية رأي اليوم

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا