تنذر عودة التصعيد العسكري الذي تشهده مأرب خلال الأيام الماضية، بدخول المعركة مرحلة مختلفة تماما هذه المرة؛ تدفع قوات صنعاء بقوة في آخر فصولها، نحو إستكمال ما تبقى من المحافظة، على أن تبسط قبضتها على آخر تمثيل سياسي وعسكري لشرعية تتلاشى بين جموح الصراعات البينية، قبل أن تتهاوى تحت ضربات المدافع والصواريخ.
وحتى الرمق الأخير، لم يتيح تحالف الحرب وحزب الإصلاح اللذان يطبقان الخناق على صدور أبناء ومشايخ مأرب، كما أتاحت صنعاء فرص النجاة أمام أبناء المحافظة، والتي أطلقت عديد من المبادرات لإيقاف الحرب، آخرها المبادرة التي طرحها السيد عبدالملك الحوثي، مؤخرا لإنقاذ المدينة العتيقة من سطوة القوى الغربية وإعادة يمننتها مجددا بعد غربة طويلة.
على أية حال، فإن الحديث عن صمود تحالف الشرعية في مدينة مـأرب هو ضرب من الوهم بحكم المنطق والواقع، فالمعركة باتت محسومة لصالح صنعاء بعد سيطرتها على معظم مديريات المحافظة وأهم وأبرز المناطق العسكرية لفصائل التحالف، وفرضها سياج واسع على أسوار المدينة مدجج بالألوية العسكرية ، والتي أصبحت على مقربة من نقطة تماس أول نقطة عسكرية للشرعية داخل المدينة بمسافة لا تتعدى ثلاثة كيلوا متر.
بلا شك أن سقوط مأرب بيد صنعاء، اليوم، يعني بمثابة ضرب المسمار الأخير في نعش الشرعية، إلا أن الأهمية الإستراتيجية التي تشكلها مأرب بالنسبة للمعركة القائمة، لا تتوقف عند كونها آخر معقل للشرعية، بل أن أهميتها أكبر وأبعد من ذلك بكثير.
عودة مأرب إلى يد صنعاء سيحرم التحالف وأدواته أهم مورد إقتصادي يعتمد عليه أطراف التحالف لتغذية إستمرار الحرب على اليمن، بالتالي فإن توقف هذا المورد سيضع نهاية محددة وسريعة للحرب التي تدخل عامها السابع، فيما قد يفتح الآمال للمواطنين بمسألة إعادة صرف الرواتب وتطبيع الحياة المعيشية من جديد.
إذا ما تمعنا في ذلك، فإن استنزاف ثروات مأرب لمصالح شخصية لدى التحالف وأطراف موالية له، معروف ومعلن بشكل رسمي من قبل حكومة هادي التي اعترفت إبان فترة بن دغر، في أغسطس العام 2018م برفض محافظ هادي في مأرب، سلطان العرادة، والمحسوب على الإصلاح، توريد إيرادات المحافظة إلى البنك المركزي في عدن.
وبحسب مصادر مسؤولة في الشرعية ، فإن عائدات النفط والغاز في محافظة مأرب تصل يوميا إلى مليار و 800 مليون ريال، بإيرادات شهرية إجمالية تصل إلى 54 مليار ريال فضلا عن عائدات الضرائب والجمارك.
الأهم من ذلك، فإن إنتهاء مرحلة الشرعية في مأرب ومغادرة التحالف منها، سيعمل على وأد مشروع الأقلمة والتقسيم، التي تسعى قوى التحالف لفرضه في البلاد، والذي شكل أبرز أسباب إنطلاق تحالف الحرب على اليمن.
إذ يوفر المكان الجغرافي والديموغرافي الإستراتيجي لمأرب، بإعتبارها تتوسط ثلاثة محافظات نفطية بين الجوف وشبوة وحضرموت، تأمين كافة هذه المناطق وكسر عزلة الشمال والجنوب الذي تحاول مشاريع الأقلمة تكريسه عبر التحالف.
تفكيك حزمة التناقضات البينية داخل حلبة الشرعية والتحالف
في المقابل، ستدفع سيطرة صنعاء على مأرب، إلى تفكيك ما تبقى من وجود لحزمة التناقضات البينية داخل حلبة الشرعية والتحالف، ويبدو أن هذا ما يفسر دفع المجلس الإنتقالي كل ثقله للسيطرة على الجنوب تزامناً مع إقتراب حسم معركة مأرب لصالح صنعاء ، الأمر الذي أكده رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، خلال لقاء مع صحيفة ” الجارديان ” البريطانية ، بأنه على إستعداد بالحوار مع صنعاء في حال سقوط مأرب بيد قواتها بإعتبارها تفرض سيطرتها على كامل المحافظات الشمالية، بينما تفرض قواته على المحافظات الجنوبية.
إلى ذلك، فإن الكثير من المكاسب السياسية والعسكرية التي تنتظر صنعاء مع إحكام سيطرتها على المعركة في مأرب، التي يمكن أن يعلن عنها في أية لحظة، رغم كل الضغوطات التي تمارسها قوى التحالف على كافة اليمن لعرقلة هذا الإعلان وارضاخ التطلعات، فخيار السيطرة عليها على ما يبدو أصبح خيارا شعبيا، متفق عليه من صعدة إلى المهرة وأولهم أبناء المحافظة؛ ولا مناص من حدوثه.
البوابة الإخبارية اليمنية