العلاقات بين تل أبيب والرياض أبعد من التطبيع.. اسرائيل تصنف السعودية ومصر ضمن المتعاونين معها وتحذر ادارة بايدن من المبالغة في توجيه الإنتقادات

389
الرياض
الرياض

قالت صحيفة “تايمز اوف اسرائيل” أن اسرائيل تخشى من أن استهداف السيسي ومحمد بن سلمان بانتهاكات حقوق الإنسان يهدد بدفع بلادهم إلى أحضان إيران والصين وروسيا.

وصرّح مصدر على اطلاع بالأمر لـ “تايمز أوف إسرائيل” الأربعاء، أن المسؤولين الإسرائيليين حذّروا مراراً نظرائهم في إدارة بايدن من المبالغة في انتقاد الحكومتين السعودية والمصرية، بسبب مخاوف من أن مثل هذه الانتقادات قد تدفع الرياض والقاهرة إلى اللجوء إلى دول مثل إيران والصين وروسيا للحصول على الدعم.

تولى بايدن منصبه متعهّدًا بوضع علاوة على حقوق الإنسان في صياغة سياسته الخارجية ، محذّرًا من أن دولًا مثل المملكة العربية السعودية ومصر ستحتاج إلى الإصلاح إذا أرادت الحفاظ على علاقاتها الطويلة مع الولايات المتحدة.

لكن هذا النهج أثار قلق اسرائيل ، التي تعتقد أنه قد ينفّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، مما سيدفعهما للبحث في مكان آخر عن الدعم – وبالتحديد من إيران ، ولكن أيضًا من خصوم الولايات المتحدة الصين وروسيا. وقال المصدر ، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته ، إن هذه المخاوف تم نقلها إلى مسؤولي الإدارة في مناسبات متعددة.

ومع ذلك ، علمت “تايمز أوف إسرائيل” أن الأمر لم يُطرح خلال الاجتماع بين بايدن ورئيس الوزراء نفتالي بينيت الأسبوع الماضي.

وأعرب المصدر عن ارتياحه لأنه بينما حافظت إدارة بايدن على خطابها لصالح دعم حقوق الإنسان في الخارج ، فإنها “تجنبت حتى الآن قلب العلاقات الأمريكية مع [القاهرة والرياض] تمامًا”.

تنظر إسرائيل إلى السعودية ومصر على أنهما جزء من محور أكثر اعتدالاً للدول العربية في المنطقة التي تسعى للتعاون معها ضد إيران ، وقد ترددت أنباء في الماضي للضغط على الولايات المتحدة لدعم المساعدات الاقتصادية لكلا البلدين.

وقعت إسرائيل ومصر معاهدة سلام عام 1979 ، منهية عقوداً من الصراع وأقاما علاقات دبلوماسية كاملة. في السنوات الأخيرة ، تعاون البلدان بشكل وثيق في المجال الأمني ، في الغالب حول قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء.

في غضون ذلك ، اقتربت المملكة العربية السعودية من إسرائيل وسط جهود البلدين لإحباط تطلعات إيران الإقليمية. لكنها قاومت حتى الآن إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية.

وأبرزت دراسة نشرها المعهد المصري للدراسات في ديسمبر الماضي أن العلاقات الإسرائيلية السعودية أبعد من التطبيع.

وقالت الدراسة أن الإعلان الفوري عن الاجتماع السري بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، جاء تأكيداً على مؤشر الرياح الجديدة التي تهب في الخليج العربي؛ وتزامن ذلك مع تزيين العديد من الهدايا التذكارية في مكتب رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، وتواصل أعمال تعاونه الصامتة، واجتماعاته الغامضة التي عقدها نتنياهو بعواصم غير مألوفة لإسرائيل، لاسيما في منطقة الخليج، وعلى رأسها الرياض وجدة، وأخيرا مدينة نيوم الساحلية.

وكشفت التطورات الأخيرة في العلاقات السعودية-الإسرائيلية عن إنجازات الأخيرة خلال الشهور القليلة الماضية مع المملكة؛ وبفضلها لم تعد إسرائيل دولة صغيرة مهددة ببحر من العرب، بل باتت قوة إقليمية تلتف حولها الدول العربية من أجل مواجهة التحديات المشتركة، ويا للمفارقة المؤسفة!

يتناول التقدير التالي جملة من المحاور الهامة التي رافقت تنامي العلاقات السعودية الإسرائيلية، سواء على صعيدها الثنائي، أو تمدداتها الإقليمية والدولية..

لقاء نيوم

بينما تخرج هذه السطور إلى حيز النشر، عبرت بصورة علنية أول طائرة إسرائيلية متجهة إلى أبو ظبي مرورا بأجواء السعودية، ما يعني أن تغادر الرحلات الجوية من مطار بن غوريون مباشرة إلى دبي من خلال سماء الرياض، وحينها ستمتلئ منازل الإسرائيليين بهدايا من السعودية والإمارات والبحرين، مع أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للسعودية، لأنها قصة مختلفة من وجهة نظر إسرائيل، وهي تعتقد أنه سيمر بعض الوقت، قبل أن يقفز الإسرائيليون إلى الرياض.

شكّل لقاء نتنياهو وابن سلمان، بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، حيلة دعائية؛ وبالتالي فإن كل المؤشرات تشير أن الأطراف أرادوا تسريب قصة الاجتماع، لأنهم حتى يومنا هذا لم يجدوا صعوبة في إخفاء محادثاتهم؛ ومع أن هذا ليس اللقاء الأول أو الثاني لهما، فقد تكررت حالات اختفى فيها نتنياهو لمدة 24 ساعة، ولم يلاحظ أحد ذلك؛ لكن هذه المرة، كلف أحدهم عناء ترك الكثير من العلامات الدالة على الاجتماع، كما لو أرادوا فقط أن يتم اكتشافها.

بات واضحا أن الرقابة العسكرية حظرت في الماضي نشر معلومات عن اجتماعات نتنياهو مع ولي العهد السعودي، لكنها هذه المرة سمحت بالنشر، ولم يوافق على إبقاء الاجتماع سرا، ويمكن تقدير أنه فعل ذلك بتفويض وإذن من شركائه في الاجتماع، ابن سلمان وبومبيو، ومن بين هؤلاء الثلاثة المشاركين في الحوار، فإن الوريث السعودي هو اللاعب الرئيسي والروح الحية وراء عملية التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.

على عكس الإمارات والبحرين، اللتين شهدتا منذ سنوات انفتاحا على العالم الغربي، فإن السعوديين متأخرون كثيرا، رغم إدراك ابن سلمان أن مملكته بحاجة للانفتاح على العالم، لأنه يقود رؤية المملكة لعام 2030، وتشمل تطوير السياحة والاستثمار، وكأن لسان حاله يقول أنه لن يستطيع حمل رؤية الجيل القادم للعالم، أو تسويق السعودية كمملكة للاستثمار الأجنبي، مع الاستمرار بمقاطعة إسرائيل، ولذلك يأتي الكشف عن لقاء نتنياهو وابن سلمان بالونا تجريبيا.

من وجهة نظر سياسية، وصلت إسرائيل لأقصى الحدود مع السعودية، ليس فقط في الجانب الأمني، رغم أن مشاركة الجنرال آفي بالوت السكرتير العسكري لنتنياهو في اجتماع نيوم يظهر أنهم تحدثوا عن التهديدات الأمنية والعسكرية، وهذه موضوعات الحوار بين كوهين ورجاله، وضباط الجيش الإسرائيلي مع السعوديين لسنوات، بزعم أن من يهددون السعوديين يهددون إسرائيل أيضا، وهي إيران.

شكّل تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة المحفز الأكبر الذي يدفع السعودية لأحضان إسرائيل، وفي الشهر المقبل يخطط نتنياهو للقيام بزيارة تاريخية للبحرين والإمارات، وخلاصة القول أن ما حدث قبل سنوات مع الإمارات تحت الرادار، ومنذ نشر اتفاقيات أبراهام، يحدث هذا اليوم مع السعوديين، لكن العلاقات الإسرائيلية السعودية، على الأقل في هذه المرحلة، ستبقى تحت الظل.

وصول بايدن

في الوقت ذاته، فقد توقع خبراء إسرائيليون بفتح تل أبيب مكتب تمثيل دبلوماسي لها في السعودية قريبا، في ظل عدم التوصل إلى اتفاق تطبيع رسمي للعلاقات بين الجهتين، لأن لقاء نيوم بين نتنياهو وابن سلمان وبومبيو يعتبر فصلا جديدا في تشكيل التحالف ضد طهران، ورسالة للرئيس الجديد جو بايدن بعدم العودة للاتفاق النووي معها.

من الواضح أن الاجتماع السري في السعودية يجب فحصه على خلفية عدة عمليات واسعة النطاق، فهو يأتي في وقت غروب شمس إدارة الرئيس دونالد ترامب، وقبل دخول بايدن للبيت الأبيض، وهذا الاجتماع السري سلط الضوء على جزء صغير من علاقاتهما التي تم الكشف عنها هذه الأيام، رغم أن السعودية لم توقع اتفاقية رسمية مع إسرائيل، إلا أن الاتجاه الحالي هو إيجاد تحالف بين دول الخليج وإسرائيل في رسالة موجهة للإيرانيين وبايدن معاً، فالإسرائيليون والسعوديون ينسقون جيداً.

تتحدث التقديرات الإسرائيلية عن إمكانية قريبة لمأسسة أكثر رسمية في العلاقات مع السعودية، ولكن طالما أن الملك سلمان على قيد الحياة، فمن الصعب رؤية اتفاقية تطبيع موقعة رسمياً، وقد يُنظر لخطوات أخرى، مثل فتح مكتب تمثيلي، أو مكتب ارتباط إسرائيلي ومصالح في الرياض، على أنها مراحل وسيطة، صحيح أنه لن يكون هناك إعلان رسمي للعلاقات الدبلوماسية، لكن هذه الخطوات ستكون منطقية بالتأكيد.

فجأة، بدت مدينة نيوم السعودية التي احتضنت اللقاء السري الأخير، الأكثر تفضيلا لدى الإسرائيليين، وكأن المدينة تنتظر الإسرائيليين إن سئموا من أبوظبي ودبي، اللتين تمتلئان بالفعل بالإسرائيليين، ولكن كما كان الحال مؤخرا، فإنه يختلط الشطرنج الإقليمي مع العمود الفقري للحياة السياسية الإسرائيلية، والتي تعيش دائما على وشك إجراء انتخابات.

المشكلة الوحيدة أن الإسرائيليين نسوا طلب الإذن من السعوديين بالكشف عن لقاء نتنياهو وابن سلمان، وبقيت الرياض محرجة وصامتة لمدة نصف يوم، وأبقت جميع وسائل إعلامها متجاهلة له، حتى وصل الأمر بوزير خارجيتها أخيرا لنفي عقد الاجتماع، رغم أن هذا النفي لم يقنع أحدا، حتى الفلسطينيين الذين سئموا من الاندفاع السعودي باتجاه الإسرائيليين لم يكن ذلك كافيا، لأنه ليس جديدا عليهم أن إسرائيل والسعودية تحافظان على علاقات على أعلى المستويات.

صحيح أن الفلسطينيين يفهمون أن الدول لديها مصالح، ولذلك قد يمتصون السلوك السعودي، لكن ما يزعجهم هو تعبيرات السلام والأخوة بين إسرائيل والعرب، ويرونها سكينا في الظهر، لذلك فقد تظاهروا بأنهم لم يروا سجلات رحلات نتنياهو، مع أن التنسيق السعودي الإسرائيلي قبل تشكيل الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي جو بايدن ضروري للسعوديين، كما بالنسبة للإسرائيليين.

مع العلم أن لقاء نتنياهو مع ابن سلمان برعاية بومبيو، بالتزامن مع مرحلة تغيير الإدارة في الولايات المتحدة، يعتبر محاولة إسرائيلية لـ “سرقة الخيول” من بايدن، لأن إسرائيل تحاول تسريع عملية التطبيع على أمل أن تنتهي بحلول يناير، وهو ذات تاريخ تنصيب بايدن، رغم إعلان السعودية أنها لن تقدم على اتفاق مع إسرائيل بدون دولة فلسطينية.

ولأن التوقعات تزداد بإجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل، فإن نتنياهو يريد الاتفاق مع السعودية تحضيرا لحملته الانتخابية المقبلة، ولا يوجد أمامه شيء أفضل من اتفاق سلام للتغطية على فشل إدارته في مواجهة فيروس كورونا، على اعتبار أن الناخبين الإسرائيليين ذاكرتهم قصيرة، ونتنياهو يعرف ذلك، والتطبيع مع الرياض سيغطي كل أخطائه الحكومية، بما في ذلك المحاكمة المتوقعة في قضايا فساده.

يبدو لافتا أن من سرّب خبر الاجتماع السري في نيوم، وهو ما يبدو لُغزا، ربما جعل ابن سلمان مستاءً من محاولة نتنياهو سرقة الخيول من بايدن معه، مع أن تسريب خبر الاجتماع قد يعطيه مصداقية سياسية في البيت الأبيض، ولذلك ربما جاء التسريب من إسرائيل، وإذا فهم كوهين ونتنياهو أن ابن سلمان لن يسلم البضاعة، فقد أعادا حساب الطريق، وأرادا الحصول على الفضل من بايدن.

ربما قدم ترامب للسعودية شروطاً أكثر ملاءمة لإسرائيل، لأنه قبل أيام قليلة من اجتماع مدينة نيوم السعودية، قام بومبيو بزيارة إسرائيل، وكما يريد ترامب جمع أكبر عدد ممكن من النجاحات قبل نهاية فترة ولايته في يناير، وإسرائيل خير خادم في هذا الصدد.

أهداف بالجملة

من الواضح أن التقارب السعودي الإسرائيلي يحمل عدة أهداف بالجملة، أبرزها أن المبادرة العربية التي تبنتها السعودية لحل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي باتت “تاريخا”، وأنها تعلن صراحة مضيها في التطبيع، الذي يعتبر فضلا عن كونه إعلانا عن حشد متجدد ضد إيران في المنطقة، فإنه يعني نجاحا إسرائيليا بإعادة صياغة المعادلة الإقليمية ضد طهران، وربما لم يكن صدفة أن يتم اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة بعد أيام قليلة فقط من لقاء نيوم.

يشهد التقارب السعودي مع إسرائيل وجود العديد من الدوافع على خلفية مخاوفهما من سياسة الرئيس المنتخب للولايات المتحدة جو بايدن، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، وقد حذر نتنياهو من العودة للاتفاق كما كان، مع العلم أن العلاقات الإسرائيلية مع السعودية، في حال تحقيقها، ستكمل الخطوة التي بدأها الرئيس دونالد ترامب بشأن العلاقات بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة، بعد أن وقعت الإمارات والبحرين بالفعل اتفاقيات معها، وكذلك مع السودان.

مع العلم أن السعوديين لا يشعرون بالحرج من الأحاديث المتواترة عن تقاربهم مع إسرائيل، لكن موافقتهم الأخيرة على نشر لقاء نتنياهو مع ابن سلمان تعتبر القصة الكبيرة، لا سيما أن الزيارة تمت بعد اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والسودان والبحرين، ما يشير إلى أن إسرائيل في طريقها لاتفاق مع السعودية، ورغم أن الشيء المهم ليس الاجتماع، ولكن حقيقة أنه تم السماح بنشره، مع أن لقاء نتنياهو مع ابن سلمان بحضور بومبيو فيه إشارة للجميع بأن السعودية تلعب دورا كاملا في لعبة التطبيع هذه بين إسرائيل والدول العربية.

هناك رغبة إقليمية، ومنها سعودية، بتنسيق المواقف مع إسرائيل، لأن فرضية جميع الأطراف أن إدارة ترامب لن تنتظر طويلا، وقد يحتمل الأمر خطوة تطبيع، واتصالات، واجتماعات عامة، أو أن زيارة نتنياهو تحمل إشارة للجميع بأن السعودية تلعب دورا كاملا في اللعبة الدائرة في المنطقة، وهذا هو التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ما جعل من زيارة نيوم الدراما الكبرى لنهاية هذا العام المزدحم بالأحداث.

لم يعد الإسرائيليون والسعوديون بحاجة للمزيد من المعطيات السرية للخروج بقناعة مفادها أن تعابير لقاءات نتنياهو وابن سلمان تحمل إشارات بأن المبادرة السعودية تعني تاريخا، والزيارة تعني تحالفا دفاعيا بين إسرائيل والسعودية ضد إيران، التي لم تكن متفاجئة من هذا التقارب، خاصة وأن الرياض تعيش أجواء من التوتر إزاء قضية رفع العقوبات عن إيران من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة.

تتملك الإسرائيليين قناعة لا يعرف مصدرها بأن السعوديين يشعرون بالضعف، لأن الأمريكيين ليسوا في جوارهم، خاصة أن بايدن يرى الإيرانيين بمكان ما في هذه المنطقة كشركاء، لأنه يتعامل معهم بشكل مختلف عن ترامب، وبالتالي تجد الرياض نفسها متجهة نحو تل أبيب تعويضا لها عن فقدانها لواشنطن كشريك وحليف موثوقين، في مرحلة بايدن.

تشير الخطوات التقاربية المتزايدة بين الرياض وتل أبيب أن الأولى قلقة من اليوم التالي لعهد ترامب، ولهذا السبب بادرت بالاتصال بنتنياهو، رغم إدراكها أنه ليس لديها ما تقدمه لإسرائيل كهدية، لكنها تعود إلى النمط السابق للعلاقات القائمة على التعاون بشكل رئيسي مع رئيس الموساد ورئيس الوزراء، ويتمثل ذلك في توثيق العلاقات الأمنية والاستخبارية، واليوم فإن إسرائيل لا تعمل على تعميق العلاقات الأمنية مع السعودية فحسب، بل أيضا العلاقات التجارية.

التطبيع التدريجي

إن الفرضية التي تشغل إسرائيل تتعلق بالتحاق السعودية بموجة التطبيع، ومدى سرعتها أو بطئها في ذلك، خاصة أنه سيكون عليها التغلب على التحديات المختلفة التي تعترض التحاقها، سواء داخليا أو خارجيا، إلى جانب بحث الفرص الكامنة من هذا التطبيع.

تعمل السعودية تدريجيا على تغيير موقفها تجاه إسرائيل، وتمهد الطريق لعملية ستؤدي في النهاية لتطبيع علاقاتهما، فمصلحة إسرائيل بالترويج للتطبيع مع المملكة بسبب أهميتها الاقتصادية والدينية والسياسية، مع الحفاظ على تفوقها العسكري، لكن السعودية لديها قيود في الداخل والخارج، وحساسيات تميزها عن غيرها.

إن التقديرات السعودية الحالية تشير أن اتفاقا مع إسرائيل خطوة أبعد من اللازم، دون نفي تحضيراتها، وتهيئة الرأي العام المعارض لها، واتخاذ خطوات محسوبة من “التطبيع الزاحف”، لأن هوية العاهل السعودي القادم ستؤثر على ذلك، رغم سعي المملكة لتوسيع الاتفاقات “الإبراهيمية”، وتحسين علاقات إسرائيل بالفلسطينيين، وحصولها على أسلحة متطورة، وإحداث تغييرات داخلية لتحسين صورة إسرائيل أمام الرأي العام.

وفي إطار زخم تعزيز اتفاقيات السلام والتطبيع مع دول الخليج وأفريقيا، فإن لإسرائيل مصلحة في الترويج لاتفاقية مماثلة مع السعودية، مع تقديرها بأن يكون ثمن هذا التطبيع أعلى مقارنة بدول الخليج الأخرى، رغم أن المملكة قطعت شوطا طويلا في دعمها للاتفاقات الإبراهيمية، وسماحها لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق فوق أراضيها، وتصريحات كبار مسؤوليها السابقين والحاليين.

لقد تطورت علاقات إسرائيل والسعودية على مر السنين في عدد من القنوات الموازية: قناة أمنية استخباراتية، ولا تزال صلبة، وإن كانت ضيقة، وطبيعي أن تبقى سرية، وقناة اقتصادية تجارية هادئة؛ وقناة تركز على حوار الأديان، وبجانب سرية معظم اتصالاتهما، فقد تطورت العلاقات بمرور الوقت، وتشمل اجتماعات لكبار مسؤولي الجانبين، خاصة من شغلوا سابقا مناصب رسمية، لنقل الرسائل العامة.

ولذلك فقد تمت المفاوضات والاتفاقيات مع الإمارات والبحرين والسودان بمعرفة ودعم كبار المسؤولين السعوديين، لأنها تخدم المملكة وتزودها بمقياس يمكن من خلاله تقييم التغييرات والمخاطر المحتملة، وفحص استجابة الرأي العام لاتفاق محتمل مع إسرائيل.

هناك عامل مساعد في عملية التطبيع، تمثل ببعض التغييرات الأخيرة التي شهدتها المملكة في هيكل وموظفي مجلس الشورى ومجلس الحكماء، فقد توفر راحة ومرونة كبيرة للبيت الملكي لاتخاذ مثل هذه الخطوات بعيدة المدى، ويواصل ابن سلمان استخدام الأموال لدرء المعارضة، وإضفاء الشرعية على تحركاته السياسية المثيرة للجدل، بما فيها التطبيع مع إسرائيل، وتبني خطاب أكثر تسامحا تجاه اليهود.

هناك تحديا آخر يتعلق بالحفاظ على مكانة المملكة في العالم الإسلامي، وهذا الأمر يهمها، وقد يتضرر من انتقادها من دول تسعى لزيادة تأثيرها في القضية الفلسطينية مثل تركيا وإيران، فالمملكة تتنافس على النفوذ في العالم الإسلامي أمام من يسعون لتحديها، والاتفاق مع إسرائيل يضر بهذه المنافسة.

تزعم الرياض أن إقامة علاقات رسمية مع تل أبيب يساعدهما على تحقيق عدة أهداف استراتيجية، أولها أن هذه العلاقات ستعزز الاتصالات مع الولايات المتحدة، وهي مصلحة سعودية عليا، وله تأثير على مكانة ابن سلمان في الداخل ، وثانيها أن الاتفاق مع إسرائيل يحسن صورتها ومكانتها الدولية التي تضررت في السنوات الأخيرة بسبب بعض تحركاتها.

وقد ارتبطت العلاقات مع إسرائيل بمسألة استقرار السعودية ومكانتها، وكلما شعرت العائلة المالكة بأن لديها القدرة على السيطرة على الخطاب العام، شعرت بأمان أكبر لاتخاذ خطوات أقرب من إسرائيل، مع أنها ستطلب طلبا أهم من إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية، ومن أمريكا ستسعى على تحسين قدرتها العسكرية، وصولا للمجال النووي.

التحالفات الإقليمية

تسعى السعودية من تقاربها مع إسرائيل، وصولا لإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية كاملة مع مرور الوقت إلى تشكيل تكتل سياسي أمني ضد إيران، فيما تبقى من حقبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفيما يحث ابن سلمان على التطبيع مع إسرائيل، لكن والده الملك سلمان لا يزال يعارض ذلك، وفي الوقت ذاته تشير مصادر في تل أبيب وواشنطن أن السعوديين قريبون من اتخاذ القرار بشأن التطبيع مع إسرائيل.

بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، تتوقع إسرائيل الآن الجائزة الأكبر من خلال اتفاقية جديدة مع السعودية، حيث تنشر تل أبيب وواشنطن تلميحات كثيفة بأن الرياض على وشك اتخاذ قرار الاعتراف بإسرائيل، ولكن لا يزال من غير المؤكد أن الرياض ستنضم للسودان، خامس دولة عربية تعقد سلاما معها، ورغم ذلك، فإن جميع المؤشرات تشير أن الاتفاقيات مع الإمارات والبحرين حصلت على الضوء الأخضر من الرياض ، بسبب المصلحة الرئيسية لدول الخليج في تكوين كتلة سياسية أمنية ضد إيران برعاية الرئيس ترامب، تحضيرا لعلاقة ليست سلسة مع إدارة بايدن.

إن التحليق الإسرائيلي في الطيران شرقا فوق السعودية إلى البحرين والإمارات والهند، سيوفر الكثير من الساعات والمال، وبعد أن كانت إسرائيل معزولة، فقد بات واضحا أننا ذاهبون إلى تسونامي سياسي، وسيكون هناك المزيد من الدول التي ستوقع اتفاقيات مع إسرائيل.

صحيح أن السعودية ليست في عجلة من أمرها للانضمام إلى عربة التطبيع، وتذويب العلاقات مع إسرائيل، وهي تعرف السبب، لأنه بالنسبة للدولة العربية القوية في الخليج التي وضعت أساس “المبادرة السعودية”، من الصعب الدخول في تحالف مع اليهود، على الأقل حاليا، مع أن السلوك السعودي يطرح السؤال عن سبب ذلك، رغم أنها رأس السهم في مثلث يضم الإمارات والبحرين، وتم الاتفاق على إقامتهما لعلاقات مع إسرائيل بالتشاور الوثيق مع السعودية، وموافقتها، ورحبت العائلة المالكة بصمت بهذا التقارب، لكنها ليست مستعجلة بالانضمام للعربة.

إن السلام بين إسرائيل وأهم نظام عربي في الخليج سيخلط الأوراق بميزان قوى المنطقة؛ لأنه سيشكل ختم موافقة عربية وإسلامية على حق إسرائيل في الوجود، وسيوجه ضربة قاضية إلى حلم الدولة الفلسطينية داخل حدود 1967، لذلك، ولأسباب أخرى، ستكون مفاجأة كبيرة إذا قال السعوديون نعم، لأنها في هذه الحالة تحتاج المملكة لإدارة ظهرها لمبادرتها.

وفيما كسرت الإمارات والبحرين قاعدة “الأرض مقابل السلام”، حين ذهبتا نحو “السلام مقابل السلام”، فإن السعودية كي تسير بهذا المسار، عليها أن تكسر أغلال المبادرة التي أصدرتها بنفسها، ومثل هذه الخطوة ستنظر في الشارع العربي كانعطاف مؤسف، وتخلي عن الأقصى والفلسطينيين، رغم افتخار العاهل السعودي بلقب “خادم الحرمين”، فكيف سيتخلى عن القدس، ذات المرتبة الثالثة بقداستها.

تتزايد مظاهر التقارب الأمني والاقتصادي الإسرائيلي مع السعودية، بالتزامن مع ما تشهده المملكة من تغييرات في العديد من الاتجاهات: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تشمل العلاقة مع إسرائيل، وعرفت العلاقات السعودية الإسرائيلية عدة مستويات “مرئية وخفية”، ومنذ سنوات عديدة تحاول المملكة القيام بدور نشط في حل الصراع العربي الإسرائيلي، وإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية.

لقد تخللت العلاقات الثنائية بين الرياض وتل أبيب نشوء حالة من التعاون الاستخباري بينهما، بجانب مشاهد عديدة تشير لتطبيع خفي بينهما خلف الكواليس، وبعيداً عن مبادرات السلام، وبسبب نفوذ إيران الذي يهدد السعودية وإسرائيل، فقد تم إنشاء تعاون بمختلف المجالات المتعلقة بالصراع الإقليمي ضد التوسع الإيراني.

إن المعلومات الاستخباراتية التي يتم تمريرها بين السعودية وإسرائيل، تشير إلى أن هناك اتفاقا ضمنيا على تسيير الرحلات الجوية الإسرائيلية في سماء المملكة، في الوقت الذي تحجب فيه الفضاءات الأخرى عنها من دول المنطقة، وبجانب الاجتماعات السرية للمسؤولين السعوديين والإسرائيليين، فإن لقاءات تعقد بينهما على هامش المؤتمرات والمؤتمرات الدولية، مما يعطي بداية للتغيير والعلاقات المفتوحة بين الجانبين.

لقد شملت اللقاءات السعودية الإسرائيلية قادة الرأي في المؤسسات الدينية، كمنظمة المؤتمر الإسلامي، وزيارة المدونين والصحفيين السعوديين لإسرائيل، لكن اللافت أن أحاديث في المملكة باتت تتناول العلاقة مع إسرائيل بصراحة، وليس بغموض، والأكثر إثارة للاهتمام أن رجال دين سعوديين بدأوا يعبرون عن أنفسهم إيجابيا تجاه إسرائيل، بل يخاطبونها بشكل علني في منشوراتهم، ويهنئونهم بأعياد الفصح.

ومنذ عدة سنوات وحتى الآن، يمكن للأجانب الذين لديهم جواز سفر إسرائيلي، أن يدخلوا السعودية دون استصدار تأشيرة دخول إليها، دون مشاكل، ولم يعد اليهود يواجهون مشاكل إن ظهرت عليهم علامات اليهودية مثل كتب الصلاة بالعبرية والمظاهر الخارجية، مع أن هذه المشاهد كانت في السابق سببا للمتابعة والتحقيق في المطارات السعودية.

كما سيكون الإسرائيليون قادرين على الحصول على تأشيرة عمل لدخول المملكة، حتى بجواز سفر إسرائيلي، وهناك عدد من الشركات الإسرائيلية ورجال الأعمال الإسرائيليين يقيمون العلاقات التجارية مع نظرائهم في السعودية، في عدد من المجالات، بدءا من البنية التحتية والمياه والاتصالات والحوسبة والبرمجيات وحتى التقنيات وصولا لصناعة النفط.

وتشمل مجالات التعاون الاقتصادي الإسرائيلي السعودي الشركات التي تبيع تقنيات المدن الذكية للمشاريع في المملكة في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وإجراء المبيعات مباشرة من خلال الحيازات أو الشراكات الخارجية، وبعضها من خلال وسيط ثالث.

وقد سمحت السعودية لطائرات تجارية في طريقها من وإلى إسرائيل باستخدام مجالها الجوي، وكانت الطائرات الهندية أول من حصل على موافقة المملكة، وفي مارس وافقت السعودية على تحليق أول طائرة إسرائيلية للطيران بسمائها، نقلت إسرائيليين تقطعت بهم السبل في أستراليا بسبب كورونا، وشوهدت الطائرة فوق القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ويمكنك العثور على طرق جوية فوق أجواء عمان والسعودية والأردن وإسرائيل.

خاتمة

رغم حالة الاندفاع السعودية الرسمية باتجاه التقارب مع إسرائيل، لكن المعطيات الإسرائيلية تتحدث عن وجود انقسام داخل القيادة السعودية حول مسألة التطبيع معها، فبينما يدلي مسؤولوها في الماضي والحاضر بتصريحات براغماتية حول إسرائيل، فإن الملك سلمان يتخذ موقفا أكثر تقليدية تجاهها، وصراعها مع الفلسطينيين، لكن احتمالية المضي قدما نحو التطبيع ستزداد بعد وفاته، وتعيين ابنه محمد الوريث ملكا، وعلى صعيد السياسة الداخلية، فلا يتوقع أن اتفاقية سلام مع إسرائيل ستلقى الدعم الشعبي السعودي.