بعدَ تأكيداتِ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي للمبعوث الأممي على استحالة القبولِ بأية مساومة تربط المِلف الإنساني بالمِلفات السياسية والعسكرية، وانتقاده لتواطؤ الأمم المتحدة مع تحالف العدوان في هذا الابتزاز، دفع الأخير بحكومة المرتزِقة، أمس، للإعلان عن “السماح بدخول كميات من الوقود عبر ميناء الحديدة” واعتبار ذلك إنجازاً، في محاولة للتغطية على الجريمة المُستمرّة المتمثلة باستخدام الاستحقاقات الإنسانية لليمنيين كأوراق ضغط، الأمر الذي وصفته صنعاء بأنه “سخافةٌ”، مجددة التأكيدَ على التمسك بموقفها الرافض لأية مساومة بتلك الاستحقاقات.
وقال رئيس الوفد الوطني، ناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، أمس الثلاثاء: إن “إدخَال سفينة نفطية بين فترة وأُخرى والتمنن بها على الشعب اليمني ووصف ذلك بالإنجاز رغم الخروقات! هو سخافة منقطعة النظير”.
وَأَضَـافَ أن “وصول الدواء والغذاء والمشتقات النفطية إلى الشعب اليمني حقٌ مكفول دون قيد أَو شرط وفي كُـلّ الظروف ولا قبول لأية مقايضة أَو ابتزاز في حقوق إنسانية مكفولة لكل البشرية”.
تصريحُ عبد السلام جاء عقب إعلان حكومة المرتزِقة عن “إدخَال كميات من الوقود عبر ميناء الحديدة”، في محاولة مكشوفة للتغطية على جريمة الحصار والابتزاز المُستمرّة، كما أنها أَيْـضاً محاولة لتبرئة الولايات المتحدة الأمريكية والنظام السعوديّ من هذه الجريمة، من خلال استخدام حكومة المرتزِقة كواجهة، على الرغم من أن قوات تحالف العدوان والسفن الحربية الأمريكية هي من تقوم باحتجاز السفن في البحر الأحمر، وهو ما أكّـدته حتى وسائل إعلام أمريكية.
إلى ذلك، يمثل إعلان تحالف العدوان على لسان مرتزِقته، عن “السماح بإدخَال كميات من الوقود” اعترافاً صريحاً باستخدام سفن المشتقات النفطية كورقة سياسية وعسكرية، وهو أمر لا يشكل أي إنجاز، بل يدين النظام السعوديّ والولايات المتحدة الأمريكية وَأَيْـضاً الأمم المتحدة، خُصُوصاً وأن هذا الإعلان يأتي كمحاولة مفضوحة لتحسين صورة هذه الأطراف بعد التأكيدات شديدة اللهجة التي سمعها المبعوث الأممي مارتن غريفيث من قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في صنعاء، بخصوص عدم القبول إطلاقاً بالربط بين المِلف الإنساني والمِلفات العسكرية والسياسية، وانتقاد السيد لتماهي الأمم المتحدة مع محاولة الابتزاز هذه.
وليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها الرياضُ وواشنطن إلى هذا السلوك للتغطية على جريمة الحصار، إذ باتت إدارة بايدن تتبِّعُ هذا الأُسلُـوبَ بشكل منظَّمٍ، حَيثُ تتمسك باستخدام سفن الغذاء والوقود كأوراق ضغط وابتزاز، ثم تدفع بحكومة المرتزِقة للإعلان عن دخول سفينة بين كُـلّ فترة وأُخرى (غالبًا تكون تابعة للقطاع الخاص وليس للاستهلاك العام) للتضليل على الرأي العام.
وفي السياق ذاته أَيْـضاً، قال عضو الوفد الوطني، عبد الملك العجري: إن “حجز سفن المشتقات عقوبة جماعية وجريمة جسمية واستخدامها وسيلة ضغط في المفاوضات جريمة مضاعفة، مثلها مثل الدعوة للتفاوض تحت ضغط التهديد بذبح الأسرى ليجبرك على التفاوض معه وعينك على شفرات السكاكين الموضوعة على رقاب أسراك، ليحاصر هامش خياراتك فإما تقبل إملاءاته وإلَّا فالسكين جاهز للعمل”.
وقال عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي: إن “الأممَ المتحدة تعملُ على شرعنة الحصار بالمساومة والابتزاز بعدم فك الحصار قبل وقف إطلاق النار في بعض محاور القتال”، في إشارة إلى إصرار الأمم المتحدة وواشنطن والرياض على مقايضة المِلف الإنساني بوقف تقدم الجيش واللجان في جبهة مأرب.
وَأَضَـافَ الحوثي أن دولَ العدوان تستغل سلوك الأمم المتحدة الذي يشرعن الحصار؛ مِن أجلِ تسويق الدعاية القائلة إن صنعاء تعرقل مسار السلام من خلال عدم القبول باستمرار هذه الجريمة.
ومن الدلائل الواضحة على التواطؤ الأممي مع تحالف العدوان في جريمة احتجاز السفن، أن جميع السفن المحتجزة تحمل كُـلّ التصاريح الأممية اللازمة لتفريغ حمولتها في ميناء الحديدة، إلا أن دولَ العدوان لا تكترث لهذه التصاريح، وبدلاً عن أن تقومَ الأممُ المتحدة بتحمل مسؤوليتها في إلزام تحالف العدوان بالإفراج عن السفن، تلجأ إلى تسييس القضية وتبرير القرصنة، وقد ظهر ذلك بشكل فاضح على لسان المبعوث الأممي نفسه، عندما برّر في وقت سابق قيام العدوان باحتجاز سفن الوقود رداً على صرف مرتبات الموظفين من الحساب المخصص للرواتب في البنك المركزي في الحديدة.
ومنذ مطلع العام الجاري، ومع وصول “بايدن” إلى البيت الأبيض، شدّدت الولايات المتحدة وتحالف العدوان إجراءات الحصار على اليمن بصورة غير مسبوقة، حَيثُ لم يسمح منذ بداية العام بدخول سفينة بنزين واحدة، بحسب تصريح المتحدث باسم شركة النفط عصام المتوكل للمسيرة، أمس.
وَأَضَـافَ المتوكل أن ما تم الإفراجُ عنه هو سفينةُ ديزل، مُشيراً إلى أن تحالف العدوان يواصل احتجاز خمس سفن مشتقات نفطية وسفينة غاز، وأن جميع السفن المحتجزة في البحر الأحمر، لا تغطي إلا حاجة أسبوعين فقط.
وقال المتوكل: إن الشركات المستوردة لم تعد قادرةً على الاستيراد؛ نظراً لاستمرار القرصنة والكلفة المترتبة على ذلك، حَيثُ يتم فرضُ غرامات كبيرة على الشحنات المحتجزة، مُشيراً إلى أن الإصرارَ على ربط المِلف الإنساني بمِلفات أُخرى ابتزاز مرفوض يستهدف تجويع الشعب اليمني.
وكانت بعض السفن المحتجزة قد لجأت إلى المغادرةِ وبيعِ حمولتها في مكان آخر، نتيجةَ طول مدة الاحتجاز، والآثار المترتبة على ذلك.
ولا تخفي الولاياتُ المتحدة استخدامَها لسفن الوقود كورقة ضغط وابتزاز، حَيثُ تضمنت “مبادرتها” المعلَنة على لسان المبعوث الأمريكي لليمن تيم ليندركينغ، مقايضة “تخفيف القيود عن ميناء الحديدة” مقابل وقف تقدم قوات الجيش واللجان الشعبيّة في مأرب، ولا زالت تتبنى هذه المساومة بشكل علني وصريح، بل وتقدمها كصفقة “سلام”!
وركّزت جميعُ جولات ليندركينغ وغريفيث في المنطقة خلال الأسابيع الماضية على محاولة إقناع صنعاءَ بالقبول بهذه المساومة.
ويرى مراقبون أن تأكيدَ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، هذا الأسبوع، على استحالة القبول بمقايضة الملف الإنساني بمكاسبَ عسكرية وسياسية، خلال لقائه بالمبعوث الأممي، مثلَ مؤشراً على إغلاق الباب نهائياً أمام المراوغات الأممية الأمريكية، ومحاولات كَسْبِ الوقت لصالح تحالف العدوان ورعاته، خُصُوصاً وأن هذا التأكيدَ تزامَنَ مع عودة الهجمات الجوية على العمق السعوديّ والكشف عن تفاصيل العملية الواسعة في محور جيزان.
صحيفة المسيرة