في أتون العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وبينما تنتفض مدينة القدس المحتلة، ويتعرض قطاع غزة لقصف مستمر، توالت ردود فعل إسلامية وعربية غاضبة ومؤازرة للفلسطينيين في كفاحهم، وعلى النقيض جاء الموقف الصادم لرئيس وزراء السودان عبدالله حمدوك الذي أعلن أن تطبيع بلاده مع إسرائيل سيستمر بأي حال من الأحوال.
موقف حمدوك تسبب في ردود فعل شعبية غاضبة، ووجه الشعب السوداني وطوائفه رسائل قاسية إلى رئيس الوزراء السوداني، ورئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان.
وطالبت أحزاب ونخب حمدوك والبرهان بالتراجع عن المضي في قطار التطبيع، واحترام الإرادة الشعبية والوطنية للسودان، الذي تميز تاريخه بمواقف مشرفة رافضة لاحتلال الأراضي الفلسطينية.
صدم رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الرأي العام السوداني والعربي، عندما عقد لقاء مع صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، في 19 مايو/أيار 2021، متجاوزا للانتهاكات القاسية من قبل دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، ومتغافلا عن غضب أبناء شعبه المتضامنين مع القضية.
زاد من حدة الموقف التصريحات التي أدلى بها حمدوك في سياق تطبيع العلاقات، عندما قال للصحيفة العبرية إن “عملية التطبيع مع إسرائيل في مصلحة السودان” مشددا أنه “سيلتزم بهذا الاتفاق”.
وأضاف: “هذا في مصلحتنا وهذا ما نريده، أخذنا على عاتقنا التزامات وسنقوم بتنفيذها، نحن حاسمون بشكل كامل بشأن تطبيق الاتفاق مع تل أبيب”.
موقف رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لم يقل عن موقف حمدوك، ففي 21 مايو/أيار 2021، دافع بقوة عن خيار التطبيع مع إسرائيل.
وقال البرهان، في مقابلة تلفزيونية مع قناة “فرانس 24″، إن التطبيع ليست له علاقة بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم”.
مظاهرات غاضبة
جاءت المواقف الجدلية لحكام السودان بعد 11 يوما من العدوان الإسرائيلي الغاشم، حيث أسفرت الهجمات الصاروخية لقوات الاحتلال على قطاع غزة المحاصر، برا وجوا وبحرا، عن 243 شهيدا فلسطينيا، بينهم 66 طفلا و39 سيدة و17 مسنا، فيما أدت إلى 1910 إصابات بجروح مختلفة شديدة الخطورة.
وهو الأمر الذي رفضه الشعب السوداني شكلا ومضمونا، كما رفض السياسة الخارجية للنظام تجاه دولة الاحتلال.
وعبر الشعب السوداني عن غضبه من الواقع المؤلم للنظام برمته الذي انزلق إلى التطبيع، وظهرت معالمه في الموقف الضعيف من إدارة الخرطوم تجاه الأحداث المتصاعدة والدموية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
عقب صلاة جمعة يوم 21 مايو/ أيار 2021، انطلقت مظاهرات السودانيين الداعمة لفلسطين والرافضة للتطبيع.
وردد المشاركون في المسيرة شعارات مناوئة للبرهان وحمدوك، على خلفية اتفاق التطبيع مع إسرائيل، ورددوا هتافات مثل “يا برهان يا عميل لا تطبيع مع الكيان”.
الحزب الشيوعي السوداني من جانبه أصدر بيانا يوم 17 مايو/أيار 2021، مطالبا حكومة بلاده بالإلغاء الفوري لكل خطوات التطبيع مع إسرائيل.
وأضاف في البيان، أنه “يجب رد الاعتبار لقانون مقاطعة إسرائيل المجاز عام 1958، من برلمان منتخب والعودة إلى احترام الموقف المبدئي للشعب”.
وكان الحزب الشيوعي في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، قد أعلن انسحابه من قوى الحرية والتغيير “الائتلاف الحاكم”، وقوى الإجماع الوطني في البلاد بسبب التطبيع.
ويذكر أن مجلسا السيادة والوزراء في السودان، قد صدقا بشكل نهائي على مشروع يلغي “قانون مقاطعة إسرائيل”.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن السودان تطبيع علاقته مع إسرائيل، في ظل معارضة قوى سياسية عديدة، أعلنت رفضها القاطع لإقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي، بينها أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم.
عاصمة الخذلان
وصف حزب “المؤتمر الوطني” (الحاكم السابق) الخرطوم أصبحت بـ”عاصمة الخذلان” للشعب الفلسطيني.
وقال في بيان موجه إلى السلطات السودانية، “نخاطبكم اليوم وقد بلغت الأوضاع مبلغا عايشتموه أسى ومذلة وضيق عيش وسوء كيل فلم تحترم سيادة الشعب السوداني فأصبحت الوصاية الأجنبية حاضرة في كل أفعال سلطة الفترة الانتقالية”، في إشارة أن السبب الرئيس في إقدام النظام على التطبيع هو الانصياع الكامل للقوى الخارجية.
وذكر أنه: “أضحت بلادنا مرتعا للمخابرات الأجنبية والعملاء، وغدت خرطوم اللاءات الثلاث عاصمة لخذلان الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة في وقت ناصرته الشعوب التي لا يربطه بها إلا رابط الإنسانية العريض”.
وشهدت الخرطوم موقفا تاريخيا في أعقاب هزيمة العرب أمام إسرائيل في نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، عندما استضاف السودان مؤتمر القمة العربية في 29 أغسطس / آب 1967، وهي التي عرفت باسم قمة “اللاءات الثلاثة”، المتمثلة في “لا سلام ولا اعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل”.
من وقتها عرفت الخرطوم باسم “عاصمة اللاءات الثلاثة”، وظلت على موقفها الصامد ضد تل أبيب، حتى جاءت إدارة المجلس السيادي تحت حكم البرهان.
وفي السياق ذاته، أعلنت حركة القوى الشعبية السودانية “قاوم” رفضها الكامل لتوجهات الحكومة، ودعمها للشعب الفلسطيني، وقالت في بيان: “لقد قدمت المقاومة الفلسطينية أداء رفيعا وغير مسبوق كسر غرور جيش الاحتلال وفضح توحشه وجرائمه وانتهاكاته لكل القيم الإنسانية”.
وأضافت: “التهنئة من شعب السودان لأهل القدس وغزة وفلسطين وخلفهم أمة المسلمين وكل أحرار العالم بالنصر العزيز الذي سجلته المقاومة الفلسطينية الباسلة على الصهاينة المحتلين الغاصبين”.
كما طالبت الحكومة الانتقالية بـ”التراجع الفوري عن اتفاقيات التطبيع” التي وصفها بالمخزية.
ضد الشعب
السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبد العاطي، قال في حديثه تعليقا على موقف الحكومة السودانية من الأحداث الأخيرة في فلسطين، إن “حمدوك وحكومته لا يمثلون الشعب السوداني العظيم، وموقفه الثابت والراسخ من القضية الفلسطينية، المتمثل في الرفض الكامل لكل أوجه وأشكال التطبيع”.
وأورد: “علينا إدراك أن حمدوك وحكومته يدركون جيدا أنه ليس لهم ظهير شعبي حقيقي، وأن كثيرا من الهيئات والمؤسسات على رأسها القوات المسلحة لا ترغب لهم ولا يريدون إدارتهم”.
لذلك فقد ولى وجهه شطر الغرب منذ البداية، وقدم كل السبل التي تستلزم دعمهم، بداية من طلب الوصاية الدولية على السودان، وهو أمر يرقى إلى جريمة الخيانة العظمى، وصولا إلى التطبيع مع إسرائيل، والإصرار على المضي قدما في ذلك الملف تحديدا، بحسب تعبيره.
وأردف”هو يعلم جيدا أن إقامة علاقات مع دولة الاحتلال سوف ترسخ قدمه أمام الغرب، وتفتح له بوابة أوروبا والولايات المتحدة”.
وأضاف: “حمدوك الذي يروج للرأي العام بإنجازات رفع العقوبات عن السودان، وتقديم الدعم المادي والمالي للشعب عن طريق القروض والمنح، كمكتسبات ناجمة عن السياسة الخارجية والتطبيع مع إسرائيل، يتغافل عن الفشل الذريع لنظامه في إدارة البلاد سياسيا واقتصاديا”.
وفي تقديره فإن “هذه المنح والتقارب مع الأعداء ما هي إلا (كمسمار جحا) حيث سيستمر نهب خيرات ومقدرات السودان، وسيظل الشعب على حاله ووضعه المادي المتردي”.
واستطرد: “لذلك فمن المهم التشديد دائما أن موقف الشعب السوداني مختلف تماما، وهناك أحزاب كثيرة، ومظاهرات واحتجاجات رافضة لسياق التطبيع”.
وختم أنه “لو كانت حكومة حمدوك منتخبة وممثلة للشعب لما جرأت على فعل هذا الأمر، ولكنها حكومة هشة تم فرضها في لحظة غابرة من تاريخ السودان”.