بعد الخزي والإحساس بالدونية الذي كابده المطبِّعون والسِّلميون في الأيام الأحد عشر، التي ارتفع فيها الشعور بالمسؤولية تجاه القضية الفلسطينية، أثناء أحداث الشيخ جرَّاح وقطاع غزة الأخيرة، لم يعد لدى أولئك إلا محاولة الدفاع عن أنفسهم من خلال نبش ما يعتقدون أنه الأوراق القديمة لديهم تجاه الجهات المقاوِمة وخاصّة تجاه حركة حماس وحزب الله.
الملفت للانتباه أنّ مَن أزاحوا تلك الغلالة يبدون في الظاهر مِن مشاربَ مختلفة، لكن حقيقة مواقفهم اللاوطنية واللا إنسانية تفضحُ وحدةَ مَصبِّهم بغض النظر عن وحدة مَنشَئِهم.
بدءاً من دعوة ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي «على مسؤوليته»: «على العرب القضاء على حماس» بحسب تعبيره، بعدما وجّه انتقادات حادة لحركة حماس الفلسطينية، وحمّلها مسؤولية تصعيد المواجهات مع «إسرائيل» وسقوط قتلى فلسطينيين.
واتّهم خلفان حماس بأنها تتربح من القضية الفلسطينية، وقال: «لا تعترف اليوم إسرائيل بقيام دولة فلسطينية بسبب حماس، وحماس تقبض من إسرائيل على هذه الشغلة من بلدين بلد عربي وبلد غير عربي».
واعتبر خلفان أنّ حركة حماس مخترَقة من «إسرائيل»، قائلاً: «تنظيم حماس الإخواني مخترَق من قبل الإسرائيليين، وحماس صناعة إسرائيلية بإتقان»، على حدّ تعبيره.
ينبغي مهاجمة هؤلاء الانبطاحيِّين الذين يأخذون موقفاً من حماس وحزب الله على أساس أنّ حماس تمثل الإخوان المسلمين معتبرين أنّ الصراع هو إيديولوجي فقط أو ديني، وهُم لا يرون الممارسة في الواقع نهائياً، ومنهم من يأخذ مواقفَ اعتباراً مِن مواقفٍ لقادة حماس في الداخل السوريّ ولا يستطيعون إدراك المهمّة الوطنية التي تقوم بها حماس في الداخل الفلسطينيّ في لحظة تغير موازين القوى الدولي، إنها أوّل نموذجٍ مباشرٍ يشير إلى لحظة التغير بالملموس في ميزان القوى الدولي سواء أعجبَ هذا البعضَ أم لَم يعجبْهم.
في لحظة التقدم والانتصار وفي مواجهة أولئك الانبطاحيين تنشأ تياراتٌ تحمل نَفَساً معاكساً ولو بسيطاً، تدعو إلى التحرير من البحر إلى النهر، هذه التيارات لديها نَفَسٌ غير متوازن أيضاً، لأنها كذلك لا تستطيع أنْ تَقرأ موازين القوى بشكل صحيح وتُحمِّلُ الحركةَ الناهضة في فلسطين حِملاً أكبر من الواقع.
ويَظهر مَن يُبْطِنون ما لا يُظْهِرون مِن دُعاة السِّلم في اللحظة غير المناسبة ليسألونك: هل أنت مع أنْ تضربَ حماس «إسرائيل»؟ وكأنّهم يمثّلون الليبرالية الجديدة التي تعيش في نيويورك وليسوا أبناء هذه الأرض، في اغترابٍ عن القضايا الوطنية والإنسانية لمنطقتنا وانبطاحٍ أمام الدارج الأمريكي في سوق السياسة التطبيعيّة.
وكما قال مصطفى البرغوثي في معرض ردّه على السؤال التالي الذي طرحته عليه «قاسيون»:
«هنالك البعض ممن يدّعي أنه مع المصلحة الفلسطينية ويقدم محاججة ضد المقاومة العسكرية تقول بأنّ الانتقال من المقاومة الشعبية نحو العسكرية كان عملاً مضاداً للمصلحة الفلسطينية وأدى وسيؤدي إلى تضييع تلك المصلحة، ما رأيك بهذه المحاججة؟»
حيث أجاب: «هذه محاججة فارغة، الفلسطينيون ليسوا هم من قرّروا الانتقال إلى العمل العسكري، «إسرائيل» هي مَن دفع الأمور بهذا الاتجاه. مَن يقول هذا الكلام منزعجٌ من وَحدة النضال الفلسطيني ومِن أنّ المقاومة الشعبية الباسلة التي خاضَها الشعب الفلسطيني بشكل مستمر والتي تجلَّتْ طوال شهرِ رمضان المبارك في الشيخ جراح وفي القدس وفي باب العامود وأثبتَتْ جدواها وقوَّتها، في لحظةٍ ما عندما أمعَنَ الاحتلالُ في عُدوانه على المسجد الأقصى كان لا بدَّ من اندماجٍ للنضالِ الوطنيّ والمقاومة الشعبية، وجاء رد الفعل من غزّة بعد أن تم تحذير «إسرائيل»؛ جرى تحذيرهم بأنهم إن استمروا في هذه الاعتداءات فسيكون هنالك ردٌّ وهذا ما حصل».
وتابع البرغوثي قائلاً: «وبرأيي هذا ليس استبدالاً للمقاومة الشعبية بالمقاومة المسلحة بل استخداماً للمقاومة المسلحة لتقوية وإسناد المقاومة الشعبية، تماماً كما كان يجري في جنوب أفريقيا، أي أن المقاومة الشعبية كانت أسلوب ردع للاحتلال العدو الإسرائيلي وبعد أنْ تفاقمت الأمور بالعدوان على غزة وأماكن أخرى، كان لا بد أن يكون هناك قوة ردع، وقوة الردع نراها الآن في الكفاح المسلّح الفلسطيني الذي يساهم مع المقاومة الشعبية في تغيير ميزان القوى».
وختم إجابته بالقول: «لا يوجد تناقض بين الأمرين، الشكلان يكمّلان بعضهما البعض، من يهاجم المقاومة الشعبية مخطئ ومن يهاجم المقاومة بالردع والسلاح أيضاً مخطئ، يجب أن يُنظَر للأمر أنه تكامل في النضال الوطني الفلسطيني».
ويأتي المتنطِّحون للدفاع عن الكيان الصهيوني والذين يسألون أين حزب الله اليوم مِن هذه المعركة؟
نعرف أنّ ترسانة حزب الله قد تم تجديدها بمركبات مدرعة وأنظمة أسلحة مضادة للدبابات بعد الحرب في سورية، وهي الآن تتجاوز بشكل كبير قوته في تموز 2006 وكل شيء في وقته حلو.
ولأجل أن تكشف نوايا أولئك الذين كانوا يوجّهون حرابهم على الدوام إلى إيران ويقولون إيران عدوَّتُنا في المنطقة وليست «إسرائيل»، نذكِّرُهم بتقديم القيادة الإيرانية لـ«مساعدة شاملة» لحركة حماس الفلسطينية في المواجهة الحالية مع «إسرائيل»، نعرف اليوم أنهم كانوا ينتظرون هذه اللحظة ويعوّلون على أنّ الكبار سيموتون والصغار لن يتذكّروا، نقولُ لهم لم ننسَ ولنْ ننسى فللبشرية ذاكرةٌ أقوى من دعايات إعلامكُم المشوَّه، واشتراكُ كلّ الشعب الفلسطيني حتى الرازح تحت الاحتلال منذ 1948 هو أكبر دليلٍ على أنهم جميعاً كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة؛ لحظة تغيرُّ موازين القوى العالمية ليعبّروا عن ذاكرة البشرية القوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.عروب المصري