في صيف 2017، الفترة التي شهدت تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، قامت السلطات السعودية بعدما عزلت كبار المسؤولين السابقين بالأمن والمخابرات، وبهدوء، بإعادة تنظيم أجهزة النيابة العامة والأمن السعودية.
وقتذاك، تمكن ابن سلمان من وضع أدوات القمع الأساسية في المملكة، تحت إشراف الديوان الملكي مباشرة.
ومع خضوع أجهزة الأمن بالكامل لسيطرة الديوان الملكي، شنت السلطات سلسلة من حملات الاعتقال، استهدفت فيها عشرات المنتقدين الحاليين والمحتملين للسياسات الحكومية السعودية.
وبدأت النيابة العامة أنها أداة طيعة في يد ابن سلمان يبطش بها بلا هوادة بالناشطين الحقوقيين في المملكة، إذ تُعد النيابة العامة واحدة من المرتكزات الإجرامية لنظام آل سعود وسنده في التعسف بالمعارضين والمدونين والدعاة في المملكة عبر اعتقالهم تعسفيا والمطالبة بأحكام جائرة تصل حد الإعدام عليهم. وفق ما تقول منظمة سند الحقوقية.
من هؤلاء مثلا الداعية البارز سلمان العودة، حيث طالبت النيابة العامة السعودية في أيلول سبتمبر 2018 باستصدار حكم بالإعدام ضده، بتهم تتعلق بالإرهاب. ووجه للعودة، البالغ من العمر 61 عاما، 37 تهمة من بينها التحريض ضد نظام الحكم.
وتؤكد منظمة سند الحقوقية أنه ليس أسوأ من عدم وجود قوانين وتشريعات إلا وجودها حبرا على ورق دون تطبيق ولا التزام وهذا أقل ما يمكن قوله عن أنظمة ومواد نظام النيابة العامة السعودية في تعاملها مع معتقلي الرأي والناشطين الحقوقيين، كما تضيف.
وتنص المادة الثانية من نظام النيابة العامة على أنه “يُحظر إيذاء المقبوض عليه جسديا ومعنويا، ويحظر كذلك تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة” غير أن كل الممارسات من أمن الدولة بأجهزتها المختلفة والنيابة العامة ذاتها تؤكد عكس ذلك، بحسب “سند” حيث أشارت إلى أن قضايا تعذيب النساء والتحرش بهن أمثال لجين الهذلول وسمر بدوي وإيمان النفجان وغيرهن لا تزال حاضرة في وسائل الاعلام الدولية والمؤسسات الغربية ولا يستطيع النظام السعودي إنكارها أو نفيها.
وتؤكد المنظمة الحقوقية أن ما تعرض له المعتقلون الآخرون أمثال سلمان العودة وعلي العمري وعبدالرحمن السدحان مدونة ومعروفة لدى العديد من الجهات الحقوقية في العالم.
والأكثر بشاعة في هذا السياق -كما تقول المنظمة الحقوقية- ما تعرض له سليمان الدويش وتركي الجاسر من إخفاء وتعذيب بشع تفيد مصادر متعددة أنهم ربما لقوا حتفهم تحت هذا التعذيب. بل إن ما حدث لهما ولغيرهما فيه خرق آخر لجزء من المادة ذاتها والتي تقول “لا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما”. حيث تفيد تقارير حقوقية أنهما أخفيا في أحد السجون السرية غير الرسمية الموجودة في قبو أحد القصور الملكية في الرياض وأنهما تعرضا للتعذيب على أيدي مسئولين كبار في الديوان.
وتقول المادة الرابعة من نظام النيابة العامة ”يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة” وهذا ما لم يتوفر ولم يسمح به مع كل معتقلي الرأي في السعودية دون استثناء في خرق واضح لنظام النيابة العامة وكل أنظمة العالم، وفق المنظمة الحقوقية.
ونادت كثير من المنظمات والشخصيات الحقوقية في العالم السماح للمعتقلين بتوكيل محامين وحضور جلسات التحقيق والمحاكمة لكن كل هذه النداءات باءت بالفشل أمام هذا النظام القمعي المستبد.
كما نصت المادة الثانية عشرة على أن “يكون التحقيق مع الأحداث والفتيات ومحاكمتهم وفقا للأنظمة واللوائح المنظمة”, وفي هذه المادة أبرزت منظمة “سند” أن النيابة العامة لم تخرق نصها فحسب بل تجاوزته بالمطالبة بإعدام أحداث وصغار في السن لأنهم شاركوا في مظاهرات مثل عبدالله الحويطي ومجتبى السويكت.
وتشير “سند” إلى أن سبب الوضع المتردي للتطبيق الحقيقي للأنظمة هو غياب المسائلة الشعبية والمشاركة المجتمعية بسبب انعدام كل مظاهر الديمقراطية والشورى وحرية التعبير. ومن جانب آخر بسبب تداخل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وعدم استقلاليتها.
“وإنما هي في حقيقة الأمر أداة في قبضة المستبد ينفذ بها بطشه بعد أن يشرعها كما يشاء”.
في 2019، كافأ الملك سلمان بن عبد العزيز جهاز النيابة العامة في نظامه على قمعه المنتشر في المملكة وما يرتكبه من انتهاكات جسيمة لمعتقلي الرأي في السجون والتغطية على جرائم النظام.
وأصدر الملك سلمان أمراً ملكياً بترقية 536 عضواً من أعضاء جهاز النيابة العامة بمختلف المراتب على سلك أعضاء النيابة العامة.