تحليل.. هل التقارب الإيراني السعودي مقدمة لحلحلة قضايا المنطقة

438
تحليل.. هل التقارب الإيراني السعودي مقدمة لحلحلة قضايا المنطقة
تحليل.. هل التقارب الإيراني السعودي مقدمة لحلحلة قضايا المنطقة

أثارت مسألة التقارب الإيراني السعودي العديد من الشكوك والتساؤلات حول مدى جدية الرياض في حلحلة قضايا المنطقة والإسهام في وقف تبديد ثرواتها وفتح آفاق جديدة نحو المستقبل، ومدى جديتها في بناء علاقات دولية على مبدأ المساواة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

فالسعودية على مدى تاريخها لديها سجل حافل بالتدخلات في شؤون الدول، وتعمل على تدمير العالم العربي سواء في العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو حتى فلسطين، وما زالت أياديها وبأموال المسلمين تعبث في لبنان والأردن وتونس والجزائر والسودان ومصر.. وغيرها.

وفي هذا الأسبوع أدلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بتصريحات، تحدث فيها عن موقف بلاده من إيران، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مثيرة للجدل حيث تحمل تبدلا ملحوظا في لهجة الرياض تجاه طهران.. وتدور حولها الكثير من الشكوك والتساؤلات. وقال بن سلمان في مقابلة تلفزيونية: “ايران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع ايران”.. مضيفاً: “لا نريد وضع إيران أن يكون صعبا، بالعكس نريد ايران مزدهرة وتنمو، لدينا مصالح فيها، ولديهم مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار”.

وللتعرف على الأسباب التي تقف وراء تغير موقف الرياض من طهران، يجب النظر لطبيعة المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم بأسره، فجائحة كورونا فرضت الكثير من الضغوط الاقتصادية على جميع دول العالم، بما فيها السعودية. كذلك أصبحت حرب اليمن عبئاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً ثقيلا على المملكة، إذ أن الحرب دخلت عامها السابع مع عدم استطاعة الرياض حسم المعركة منذ تدخلها العسكري في مارس 2015.

وأيضاً لا يمكن إغفال التغييرات الدولية وأهمها وصول ساكن جديد للبيت الأبيض، إذ أصبح من الواضح أن سياسة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، تختلف تماما عن سياسة سلفه، دونالد ترامب. ويسعى بايدن إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران.. وتؤكد إدارته أن التوصل إلى اتفاق ملزم مع طهران هو الحل الأمثل لأزمة الملف النووي الإيراني، على عكس سلفه ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي وكانت سياسته تقوم على أساس ممارسة أقصى درجات الضغط على طهران.

موقع مجلة “فورين بوليسي” سلط الضوء على تصريحات ولي العهد السعودي، الأخيرة بخصوص “إقامة علاقات جيدة مع إيران”.. عازية ذلك إلى عدة عوامل.

وذكرت المجلة أن أهم هذه الأسباب هو تزايد الدلائل على أن الولايات المتحدة جادة في تحويل تركيزها بعيدا عن الشرق الأوسط، وأن الصراع في المنطقة أجبر قوى المنطقة على استكشاف دبلوماسيتها الخاصة، على عكس التوقعات القاتمة لمؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن، إذ لم تنفجر الفوضى بسبب الانسحابات العسكرية الوشيكة للولايات المتحدة من المنطقة، بدلا من ذلك، اندلعت الدبلوماسية الإقليمية.

وكانت تعليقات بن سلمان على الأرجح إشارة محادثات سرية بين إيران وجيرانها العرب (دول الخليج)، في العراق، والتي ذكرت لأول مرة في “الفاينانشال تايمز”، والتي كانت تهدف إلى تخفيف التوترات ووضع حد للحرب في اليمن. وبحسب مجلة “فورين بوليسي”، فإن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي لديه مصلحة واضحة في حل التوترات السعودية الإيرانية، يعمل على تسهيل المحادثات العربية الإيرانية.

وأشارت المجلة إلى أن من العوامل التي أجبرت الجهات الفاعلة في المنطقة على متابعة الدبلوماسية، هو وجود إشارات واضحة على نحو متزايد على أن الولايات المتحدة تنفصل عسكريا عن الشرق الأوسط. ورحبت وزارة الخارجية الإيرانية بتغيير اللهجة السعودية تجاه إيران.. مشيرةً إلى إمكانية الدخول بفصل جديد من التعاون البنّاء معها. كما أشارت إلى أن إيران “رائدة في التعاون الإقليمي عبر تقديم مقترحات وخطط للحوار والتعاون في الخليج”.

وكانت الخارجية الإيرانية قد أكدت في يناير الماضي أن طهران منفتحة على الحوار مع السعودية، في حال ابتعدت الأخيرة عن العنف وإهمال الأمن الإقليمي والتعاون مع القوى خارج المنطقة.

من جانبه، قال معاون قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، رستم قاسمي، الخميس، خلال لقائه مع “الميادين” ضمن برنامج “لعبة الأمم” إن “في السعودية مكة المكرمة وهي قبلة المسلمين ونحن نرغب في أن يكون هناك علاقات معها”.. مشيراً إلى أن “في إيران 80 مليون نسمة ويمكن للسعودية أن يكون لديها مصالح معنا ولا سيما في مجال الطاقة”. وأضاف: إن “العلاقة بيننا وبين السعودية علاقة استراتيجية وهذا ما يراه المسؤولون الإيرانيون”.. مؤكداً أن العلاقات الحسنة بين إيران والسعودية ستصب في مصلحة الشعبين”.

وفي وقت سابق من الشهر المنصرم، أكد مصدر حكومي عراقي وآخر دبلوماسي غربي أن لقاءً جمع مطلع أبريل في بغداد وفدين رفيعي المستوى من السعودية وإيران.. وبقيت هذه المناقشات سرية إلى أن كشفت عنها صحيفة الـ(فاينانشال تايمز). وبينما نفت الرياض ذلك عبر وسائل إعلام رسمية، لم تعلق طهران على الأمر واكتفت بالتأكيد على أن الحوار مع السعودية كان “دائما موضع ترحيب”.

كما أكد مصدر سياسي عراقي لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ناقش خلال لقائه مع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، خلال زيارته إلى بغداد الإثنين الماضي، موضوع وساطة العراق بين إيران والسعودية.. مؤكداً أن العراق تحول حالياً لـ”لعب دور الوسيط” بين البلدين. وسبق أن نقلت وسائل إعلام غربية عن مصادر متعددة أن بغداد استضافت يوم 9 أبريل جولة أولى من محادثات مباشرة بين وفدين من السعودية وإيران تطرقت إلى الأوضاع في اليمن ولبنان.

الرئاسة الروسية وعلى لسان متحدثها دميتري بيسكوف أكدت اليوم الجمعة، أن الكرملين أولى اهتماما للمقابلة المفصلة التي أجريت مع الأمير السعودي، وخاصة تصريحات بن سلمان عن التزام بلاده بدور الأمم المتحدة المركزي في الشؤون الدولية، وبناء علاقات دولية على أساس مبادئ المساواة في الحقوق والاحترام المتبادل والمراعاة العادلة للمصالح الوطنية المتبادلة وعدم تدخل الدول في شؤون بعضها البعض. وكانت روسيا قد رحبت بأي تقارب بين السعودية وإيران.. معتبرة أن هذه العملية ستؤثر إيجابيا على الأوضاع الأمنية في منطقة الشرق الأوسط.

وكشف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس الخميس، أن وفدا أمريكيا رفيع المستوى سيصل إلى الشرق الأوسط الأسبوع المقبل لتهدئة التوتر، ولكن من دون أن يركز على الموضوع الإيراني.

من جهته أكد وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن التمسك بميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة الدول صمام أمان لحفظ الأمن بالمنطقة والعالم. وأعلن تأييد بلاده دعوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لسياسة خارجية ترتكز على حسن الجوار والحوار، بما في ذلك مع إيران.

رئيس حزب التوحيد العربي اللبناني وئام وهاب غرد عبر حسابه على “تويتر” قائلاً: “التقارب الإيراني السعودي يريح منطقتنا ويساهم في وقف تبديد ثرواتها ويفتح آفاقاً جديدة.. المهم أن يستفيد لبنان من هذا التقارب ويفكر بمصالحه الحقيقية أي الانفتاح على المحيط”.

من جهة ثانية حذر مركز أبحاث صهيوني من تداعيات الجهود الثنائية، التي تبذلها كل من السعودية وإيران لنزع فتيل التوتر بينهما، على مصالح “إسرائيل” الاستراتيجية. وقال (مركز أبحاث الأمن القومي) الإسرائيلي: إن “الرياض وطهران أظهرت مؤخرا عدة “مؤشرات مقلقة” على سعيهما لتنفيس الأزمة الحالية بينهما، لا سيما من خلال استعدادهما لحل المشاكل العالقة عبر الحوار”.

واعتبر المركز أن “التقارب السعودي الإيراني المحتمل سيجبر (إسرائيل) على إعادة صياغة استراتيجيتها الإقليمية، على اعتبار أن هذه الاستراتيجية قامت على وجود مصالح مشتركة بينها وبين السعودية في مواجهة إيران”.

بدوره أكد الباحث السعودي الدكتور، عبدالله العساف، لشبكة (بي بي سي نيوز) عربي أن تصريحات ولي العهد السعودي ليست الأولى من نوعها في الآونة الأخيرة التي تصدر عن الرياض، فقد سبقتها- على حد قوله- تصريحات مماثلة من وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، ومن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان. ورأى العساف أن وجهة نظر السعودية بسيطة وتتمثل في أن “كلفة السلام على المنطقة أقل بكثير من تكلفة الحرب.. وأن تسوية قضايا الخلاف يمكن أن تقوم على مبدأ أن يربح الجميع”.

ومنذ اندلاع موجة الانتفاضات العربية فيما عرف بـ”الربيع العربي”، تحولت عدة مناطق في العالم العربي إلى بؤر للتدخل الإقليمي، لكن الشهور القليلة الماضية شهدت بوادر مصالحات قد توحي بتهدئة وشيكة، أبرزها ما طرأ من تغير على السياسة التركية بالإقليم.. فهل هو “موسم المصالحات” في الشرق الأوسط؟.

سبأ مرزاح العسل