بالتوازي مع اشتداد المواجهات العسكرية في جبهات غرب مدينة مأرب وشمالها، واقتراب الجيش و”اللجان الشعبية” من حقول النفط في منطقة صافر، بعثت حكومة صنعاء أكثر من رسالة إلى الرياض، بعضها عبر الطائرات المُسيّرة البعيدة المدى التي أُطلقت خلال الأيام الماضية، وأخرى من طريق قنوات دبلوماسية متعدّدة، تُحذّر من أن منشأة النفط في حقول صافر شمال مأرب “خطّ أحمر”،
وتُهدّد بأنه في حال إقدام سلاح الطيران السعودي أو الإماراتي أو الموالين لـ”التحالف” على تفجيرها فالردّ سيكون باستهداف شركة “أرامكو”، عملاق النفط السعودي، ومنشآت اقتصادية حسّاسة في المملكة، بعمليات أشدّ من عملية “توازن الردع الخامسة” الأخيرة.
وجاء ذلك في ظلّ تصاعد التحذيرات القبلية من احتمال تفخيخ حقول النفط في صافر من قِبَل أطراف موالين للتحالف السعودي – الإماراتي، بعدما تمكّنت قوات صنعاء من السيطرة على مناطق واسعة محيطة بالعلمَين الأبيض والأسود في جبهات شمال مأرب الصحراوية، وهو ما قَرّبها من السيطرة على الطريق الدولي الرابط بين مأرب وحضرموت.
كما جاء على إثر مقتل القيادي في تنظيم “القاعدة”، مجاهد علي، مطلع الأسبوع الجاري، في جبهات شمال مأرب التي تبعد 30 كيلومتراً من حقول النفط شرق صافر، والذي دفع القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، خلال الأيام الماضية، إلى استقدام العشرات من عناصر التنظيم من مديرية مودية في محافظة أبين، عبر المدعو خالد العرماني، وهو قائد لواء ينحدر من أبين ومقرّب من “القاعدة”.
وأعلنت صنعاء، أول من أمس، على لسان المتحدّث باسم قواتها العميد يحيى سريع، مرحلة جديدة من “توازن الردع” الاستراتيجي، مُتوعّدةً بأن أيّ اعتداء سيقابَل بالمثل، وهو توعّدٌ سبق أن نفّذت مثيله لدى تفعيلها معادلة “المطار بالمطار” في مواجهة السعودية.
وفي خلال الأشهر الماضية، تراجعت وتيرة استهداف الجيش و”اللجان” للمنشآت النفطية السعودية، إلا أن ذلك لا يعني أنهما أزالاها من بنك أهدافهما. ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن ثمّة قراراً حاسماً في صنعاء بـ”الردّ المؤلم” على أيّ تعرُّض لحقول النفط في صافر بالاستهداف المباشر أو غير المباشر، و”لن نهدأ حتى تَخرج أرامكو التي تُعدّ العمود الفقري للاقتصاد السعودي عن كامل الجاهزية”، كما تؤكد المصادر.
نُفّذت عملية “توازن الردع” الأخيرة بواسطة سرب من الطائرات المُسيّرة المحلّية الصنع
ويلفت الخبير العسكري في صنعاء، العقيد مجيب شمسان، في حديث إلى “الأخبار”، إلى أن “عملية توازن الردع الخامسة جاءت بالتزامن مع عملية واسعة يقودها الجيش واللجان الشعبية، مسنودَين بأبناء القبائل الشرفاء، لتحرير ما تبقّى من محافظة مأرب، لتُوجِّه عدداً من الرسائل إلى تحالف العدوان”، مُبيّناً أن من “أبرز تلك الرسائل، تحذير النظام السعودي في حال فَكّر في الاعتداء على منشآت النفط في مأرب”،
وأضاف أن “قوات صنعاء، التي تجنّبت استهداف المنشآت النفطية السعودية خلال الأشهر السابقة، ستكون حاضرة في حال استهداف القطاعات النفطية في صافر من قِبَل الطائرات السعودية أو الموالين للرياض، بما باتت تمتلكه من قدرات نوعية في سلاح الجوّ المُسيّر والقوة الصاروخية، باستهداف المنشآت النفطية السعودية بعمليات شاملة لن تكون كعملية بقيق وخريص، بل أوسع وأشمل”.
وكانت عملية “توازن الردع” الأخيرة، التي استهدفت خمسة مطارات سعودية في آن واحد (الرياض وجيزان وخميس مشيط وبيشة (عسير) وأبها) منذ مساء السبت حتى فجر الأحد، أربكت حركة الملاحة الجوية، ودفعت هيئة الطيران السعودي إلى تأجيل العشرات من الرحلات إلى اليوم التالي. واللافت في العملية أنها نُفّذت بواسطة سرب من الطائرات المُسيّرة المحلّية الصنع من نوع “صماد 3”.
وهذه الطائرات، التي يصل مداها إلى أكثر من 1300 كيلومتر وتحمل رؤوساً حربية شديدة الانفجار، لا تستطيع منظومات الدفاع الجوي الحديثة كشفها. كذلك، استُخدمت طائرات “كي 2” المُطوَّرة من “قاصف 1″، والتي تحمل رأساً حربياً متشظّياً شديد الانفجار، وتمتاز بالانفجار قبل الارتطام بالهدف بمسافة 20 متراً، ويراوح مدى انتشار شظاياها ما بين 30 و80 متراً حول الهدف، إضافة إلى صاروخ “ذو الفقار” الباليستي الشديد الانفجار.
ميدانياً
ميدانياً، فشلت قوات هادي، أمس، في استعادة المواقع العسكرية التي سقطت تحت سيطرة الجيش و”اللجان” في سلسلة جبال البلق القبلي، باستثناء عدد محدود منها، بعدما شنّت الطائرات السعودية عشرات الغارات الجوية على السلسلة الجبلية.
وفي أقصى جبهة صرواح، حَقّقت قوات صنعاء، أمس، تقدُّماً عسكرياً في منطقة الهيال الواقعة بين البلقَين الأوسط والغربي.
ووفقاً لمصادر قبلية في مأرب، فإن “الجيش واللجان سيطرا على أجزاء من سلسلة جبال البلق الأوسط، وتقدَّما نحو البلق الغربي، بعدما فتحا جبهة جديدة من الهيال جنوب وادي ذنة، وتقدَّما من قاع المنجورة الواقع تحت سيطرتهما منذ أيّام، وصولاً إلى البلق الأوسط”.
وكانت “قوات صنعاء أتمّت سيطرتها على مناطق حاكمة على سدّ مأرب من ثلاث جهات رئيسة، بعد تجاوزها منطقة أراك جنوب السدّ”، بحسب المصادر نفسها، التي أكدت “استمرار المواجهات في محيط الطلعة الحمراء، بالتزامن مع تقدُّم الجيش واللجان في وادي البراء والمشجح، باتجاه تباب العطيف الاستراتيجية، وسيطرتها بعد مواجهات عنيفة استمرّت لساعات على مساحات جديدة في وادي نخلا”.
وفي مسعًى لتخفيف الضغط عن جبهات محيط مدينة مأرب، حاولت قوات هادي، أمس، التصعيد في جبهات مراد والجوبة، لتدور خلال الساعات الـ24 الماضية مواجهات عنيفة في منطقة رحبة الواقعة في نطاق جبهة مراد جنوب مأرب، وأخرى بالقرب من مدينة الجوبة، تَمكّنت قوات صنعاء على إثرها من تحقيق مكاسب ميدانية.
الأخبار اللبنانية