ليست معركة مأرب هي المعركة الأولى التي يخوضُها أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة، وبالعودة إلى الماضي نجد أنهم بدأوا بالنِّزال لمواجهة الغزاة والمعتدين بعد الاعتداء عليهم في عُقرِ ديارهم حينذاك، حينما قرّر الشيطانُ الأكبرُ أن تقومَ أذرعتُه بشن العدوان وتسيير الحملاتِ العسكرية على محافظة صعدة وتحديداً منطقة (مران الإباء) موطن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-، والذي شُنت عليه الحربُ ظلماً وعدواناً وتكبُّراً، حتى آل به الأمرُ إلى أن يلقى اللهَ سعيداً شهيداً بعد أن أكمل رَسْمَ معالم مشروعه النهضوي القائم على الإظهار لموالاة أولياء الله ومعادَاة أعدائه.
تلك الحربُ والمعركة الضارية كانت إرضاءً للمشروع الأمريكي الذي انزعج كَثيراً وما زال إلى اليوم منزعجاً من وجودِ وتنامي المشروع القرآني المناوِئِ لقوى الاستكبار العالمي.
ومن هُنا كانت البدايةُ، ومن هنا وُجِدَ الرجالُ الصادقون في انتمائهم وتوجُّـههم لتشقَّ المسيرةُ القرآنيةُ والجهادية دربَها وتمضي قُدُماً إلى أن يفتحَ اللهُ لأنصارها بالنصر والفرج.
نعم مسيرةٌ لكل التوَّاقين إلى الحرية والكرامة والحياة الكريمة المُجَـرّدة من الاستبداد والتسلط، فشقَّت طريقَها وتقدمت برعايةٍ محفوفةٍ بالتدخلات الإلهية كانت الأشبهَ بالمعجزة، وبفضل من الله تلاشى الطغاةُ والمستكبرون والمضللون.
واقتضت إرادَةُ الله أن يتطهَّرَ بلدُ الإيمان والحكمة من دنس المنحرفين والظالمين، فبدأت معركة التحرّر من محافظة صعدة وُصُـولاً إلى عمران، تلا ذلك سقوطُ سلطةِ النفاقِ وصانعيها في صنعاء قلب العاصمة اليمنية.
ونتيجةً لتلك الانتصارات، تكالبت الأعداءُ وحضرت لتَشُنَّ أكبرَ عدوان عرفه التاريخ، تحالَفَ فيه المرتزِق اليمني والذنبُ السعودي والإماراتي مع الشيطان الأمريكي والمحتلّ الإسرائيلي والبريطاني، وها هو عُمُرُهُ على مشارفِ الانتهاء من العام السادس، ورغم إمْكَاناتهم ما الذي تحقّق لهم.
بل شاءت الأقدارُ لهذه المسيرة أن تنتصرَ وتكبَرَ في عينِ العدوّ والصديق، والمحالف والمخالف، وحشد الأعداءُ حشدَهم وشنوا حربَهم، وأمعنوا في مكرهم وكيدهم وخبثهم، وقتلهم للأطفال والنساء، وارتكاب أبشع الجرائم، وفرضوا على أبناء اليمن الحصارَ، وطغَوا وتجبّروا في البلاد وأكثروا فيها الفساد.
لكنَّ ربَّك برجاله المتمرسين في فنون الحرب بعدَ معاناة وضائقة صبُّوا عليهم سوطَ عذاب، فكانت الحربُ هي القاصمةَ، وها هي في طريقِها إلى بلوغ الخاتمة، وما نياحُ وتخوُّفاتُ قوى الاستكبار وضجيجُهم الإعلامي على سقوط آخر أوراقهم (مأرب) وحشدهم المهول لعناصر داعش والتكفيريين إلى مأرب والزج بهم في معركة كهذه إلا مؤشر خِزيٍ وانهيار متسارع لسقوطهم المدوي وعظيم خسارتهم الفادحة، ما يؤكّـدُ حضورَهم القويَّ في المشهد.
وهنا ليفهمِ المعتدون بأن مَن ظفر بالانتصار عليكم في معركة ماضي صار بفضل من الله اليوم هو المؤهلَ لتحقيق ما هو أكبرُ من المكاسب والانتصارات، وعمليتا “نصر من الله” و”أمكن منهم”، تشهدان بذلك قولاً وعملاً، بل ما زالتا حديثةَ العهد ويمكنكم الاستفادة من دروسهما، وكما خرجتم فارِّين منهما جبارين فَـإنَّكم لا محالة ستندحرون مهما بلغ نياحُكم ولن يكونَ لكم في اليمن موطئ قدم.
ولمَن ما زال حائراً من أبناء مأرب المغلوب على أمرهم، ثقوا بأن في تحريرِ أرضكم خيرٌ لكم، لا أن يعيثَ فيها الغازي السعودي والإماراتي وأولياؤهم الفسادَ وينهبوا الاقتصاد، وأنتم تنظرون ولا تجرؤن على اتِّخاذ أيِّ موقف، وما حادثةُ اختطافهم للنساء إلا دليل على الخسة والدناءة لأُولئك الأرجاس.
الحرية لا يوازيها ثمنٌ وأنتم يا أبناءَ مـأرب الشرفاء معدن الرجولة والقيم والأصالة والحضارة، فلا تكترثون للشائعات ولا ينطلي عليكم تهويلُهم،
فالمسيرة هي المسيرة، والعونُ والرعايةُ من الله هي السائدةُ والملاذُ للجميع في الماضي والحاضر والمستقبل.
ولا نامت أعين الجبناء والله المستعان.
______
عبدالسلام الطالبي* رئيس الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة