مئات المليارات من الدولارات دفعتها السعودية والإمارات للخزينة الأمريكية قيمة سلاح خلال سنوات العدوان على اليمن من ضمنها صفقة بأكثر من مائتي مليار دولار وصفقة أخرى بحوالي 64 مليار دولار خصصت كلها لقتل الشعب اليمني، حيث قتلوا الأطفال والنساء والشيوخ ودمروا البنية التحتية للبلاد على مدى أكثر من ست سنوات.
صفقات حكومية وتجارية
عقدت الولايات المتحدة الأمريكية صفقات قيمتها 68.2مليار دولار، مقابل أسلحة ومتفجرات وأنظمة أسلحة وتدريبات عسكرية مع السعودية والإمارات، منذ بداية العدوان على اليمن، الصفقات التي عقدتها أمريكا أكثر بكثير مما تم الإعلان عنه سابقًا، بحسب المعلومات التي جمعها مرصد المساعدة وهو مركز أبحاث أمريكي.
وتشير معلومات مرصد المساعدة الأمنية (SAM) إلى حجم الصفقات المُبرمة التي تشمل صفقات تجارية بالإضافة إلى الصفقات الحكومية للأسلحة، ويدل ذلك على أن عمق التدخل الأمريكي في الحرب على اليمن أكبر بكثير مما يتصوره البعض. ويوزاي المبلغ الذي تم إنفاقه على الأسلحة 17 ضعف المبلغ الذي ناشدت الأمم المتحدة بندائها الإنساني لجمعه لليمن 2019م والبالغ 4 مليارات دولار.
تعقّب صفقات الأسلحة التجارية ما بين المصانع والحكومات الأجنبية صعب ومعقد للغاية، رغم أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بالإعلان عن تفاصيل الصفقات المُتعاقد عليها من خلال برنامج ” المبيعات العسكرية الخارجية”. مرصد المساعدة الأمنية ومراقب تجارة الأسلحة جمع أيضاً معلومات عن صفقات تجارية أخرى للأسلحة تم إبرامها بقيمة 14 مليار دولار بين أمريكا والإمارات والسعودية.
تركزت المبيعات الحكومية على صفقات أنظمة معينة مثل الطائرات المقاتلة والدبابات والقنابل والسفن، كلها يتم استخدامها في اليمن وغالبا ما تكون المبيعات التجارية مخصصة للمعدات الأصغر مثل الأسلحة النارية والقنابل، ولكن عدد هذا النوع من الصفقات يميل إلى أن يكون أكثر لِإمكانية معالجتها وتسليمها بشكل أسرع. بالإضافة إلى كون الصفقات التجارية مربحة أكثر. تُشكل الصفقات التجارية ما يقارب ثلاث من كل أربع صفقات للأسلحة الأمريكية في 2018 بحسب المرصد ذاته.
صفقات كبيرة
وبناءً على المعلومات المحدودة المتاحة، قال ويليام دي. هارتونج، مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسات الدولية، وهو مركز أبحاث تقدمي في العاصمة الأمريكية واشنطن: “أعتقد أن سحب كل قنوات الدعم العسكري للسعودية والإمارات ستشل قدرتها على شن حرب في اليمن، والحرب الجوية العشوائية بشكل خاص”. وأضاف هارتونج :إن البيانات التجارية تُظهر أن تأثير الولايات المتحدة في اليمن كثرّ بدرجة كبيرة” لأن المبيعات التجارية “نادراً ما تناقش، مقارنة بالصفقات المثيرة الضخمة مثل الطائرات المقاتلة”، كما أن الأسلحة التي تتضمنها “من المرجح أن تستخدم في النزاع بشكل غير متجانس”.
وقالت كريستينا أرابيا، التي تدير مرصد المساعدة الأمنية (SAM)، :إن التفاصيل الخفية للتعاملات ونقص الشفافية من قبل الإدارة الأمريكية ومصنعي الأسلحة يعني أن الصفقات التجارية معقدة ويصعب تتبعها، وحتى قد تكون أقل بمليارات الدولارات مما يتم إعلانه. وتقول أرابيا: إن بعض الصفقات مدرجة كدول متعددة، تخفي المستلم الحقيقي والمبلغ الكامل للصفقات. البعض الآخر لا يدرج أنواع أسلحة بشكل محدد.
هناك أيضًا عتبات حد أدنى، مما يعني أن صفقات معينة ذات قيمة متدنية لم يتم الإفصاح عنها للكونجرس على سبيل المثال، تم إدراج قيمة صفقة مُؤخراً على أنها 50 مليون دولار، إلا أن بيانات مرصد المساعدة الأمنية أظهرت أنها في الواقع تزيد قيمتها تزيد على 195.5 مليون دولار. وتقول: لقد مرت صفقات الأسلحة بملايين ومليارات الدولارات من خلال الكونغرس طوال حرب اليمن.
قامت المنظمات غير الحكومية والمنافذ الإعلامية بتوثيق أكثر من 100 غارة جوية شنتها قوات التحالف منذ مارس 2015 والتي أدت إلى مقتل المدنيين أو استهدفت مستشفيات وقرى أو استخدمت قنابل عنقودية. ويعد التحالف مسؤولاً عن 4,764 حالة وفاة مدنية تم الإبلاغ عنها منذ 2016، وفقًا لمشروع بيانات الموقع والحدث في مناطق النزاع المسلح(ACLED) .
صفقات مماثلة تم رصدها في 2015 و2016م
قامت إدارة أوباما، التي أبرمت ما قيمته 117 مليار دولار من صفقات الأسلحة للسعوديين في ثماني سنوات، بتعليق صفقات بيع الذخائر الموجهة بدقة بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان قبل فترة قصيرة من مغادرته لمنصبه، لكن الرئيس ترامب ألغى التعليق. “من الطبيعي جدًا العثور على أسلحة أمريكية في اليمن”، قالت ندوى الدوسري، مديرة مركز اليمن للمدنيين في الصراع “هذه ليست مفاجأة لأي يمني”.
تقول: إن هذا ليس فقط بسبب تقديم الولايات المتحدة الدعم للرئيس السابق علي عبد الله صالح في الحرب على الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر، ولكن أيضاً بسبب فقدان وزارة الدفاع الأمريكية أثر أسلحة نارية والطائرات وغيرها من المعدات العسكرية في اليمن تقدر قيمتها بـ500 مليون دولار في اليمن سنة 2015م. وأظهر تقرير لأريج تم نشره العام الماضي، أن قوات تحالف العدوان – وفي انتهاك لاتفاقيات الأسلحة– قامت بتحويل العربات المدرعة الأمريكية إلى الميليشيات المحلية.
كما أظهر الفيلم الوثائقي أن كتائب أبو العباس –التي يوجد زعيمها الآن على قائمة الإرهاب الأمريكية– استلمت ثلاث سيارات مصفحة مضادة للألغام طراز(Oshkosh M-ATV) أمريكية الصنع في نوفمبر 2015، ويظهر علم اليمن الجنوبي يحلق على مركبة أخرى من هذا القبيل، عربة من طراز كايمن المصفحةBAE Caiman MRAP. تم استخدام هذه العربات من قبل الميليشيات المدعومة من الإمارات، الذين يزعمون أنهم دربوا 25000 جندي يمني.
رؤوس حربية وأنظمة توجيه ليزر
من المحتمل أن تزداد الصفقات التجارية مستقبلاً مع الائتلاف مع تزايد الضغط على الدعم الأمريكي للحرب، على حد قول أرابيا. وأضافت أن أحدث صفقة بقيمة 195.5مليون دولار“ربما كانت ستتوقف في الكونغرس لو كانت عملية بيع عسكرية أجنبية”. إن الكم الهائل من الأسلحة والتدريب التي توفرها الولايات المتحدة للتحالف يعني إن الحكومتين كلتيهما تعتمدان اعتماداً كبيراً على الولايات المتحدة في مجهودهما الحربي في اليمن – خاصة السعوديين.
وكتب هارتونج في تقرير مؤخراً: “سيستغرق الأمر عقودًا لكي تفطم المملكة نفسها عن الاعتماد على المعدات والتدريب والدعم الأمريكي”. طبقاً للتقرير ذاته، أكثر من ثلثي الأسطول السعودي الجاهز للقتال يأتي من الولايات المتحدة. وقد عقدت الولايات المتحدة صفقات معهم لكميات هائلة من القنابل. حيث عرضت الولايات المتحدة في نوفمبر 2015، صفقة بمبلغ 1.29 مليار دولار مقابل قنابل ورؤوس حربية وأنظمة توجيه الليزر كون الإمدادات السعودية قد “استنفدت”.
تذهب حصة الأسد من التمويل العسكري الإماراتي إلى الولايات المتحدة، حيث يتم تزويدهم بالأسلحة بالإضافة إلى تدريب الآلاف من الجنود الإماراتيين. طبقاً لهارتنج فإن 78 من أصل 138 طائرة حربية في الأسطول الإماراتي منشأها الولايات المتحدة. وبشكل عام، ثلاثة من كل خمسة أسلحة تمتلكها قوات التحالف يكون مصدرها مصانع السلاح الأمريكية، وذلك حسب مركز ستوكهولم لأبحاث ودراسات السلام.
التكلفة البشرية
وبالتحدث عن خلفية مبيعات الدفاع الأمريكي قال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: إن مبيعات الدفاع الأمريكي إلى الخليج جزء من التزامها بالاستقرار الإقليمي، وإن من المرجح أن تزداد وفيات المدنيين في ظل غياب أي ضغط أمريكي على السعوديين. وقال إن الإدارة تحكم على كل عملية بيع للأسلحة على أساس كل حالة على حدة. وأكد المسؤول أيضًا أن رقم وزارة الخارجية للقيمة الإجمالية لمبيعات الأسلحة إلى التحالف منذ مارس 2015 كان قريبًا من تقديرات مرصد المساعدة الأمنية حوالي 67.4 مليار دولار.
المليارات الإضافية في الإيرادات للولايات المتحدة لها تكلفة بشرية في اليمن فهي واحدة من أفقر البلدان في الشرق الأوسط، بشكل فعلي “لم يعد لها وجود”، وفقًا للأمم المتحدة، التي قالت إن البلاد تواجه الآن “أسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان في عصرنا”.
3000 قنبلة ذكية
وافقت الخارجية الأمريكية على بيع ثلاثة آلاف قنبلة ذكية التوجيه إلى السعودية في صفقة تصل قيمتها إلى 290 مليار دولار، في إشارة واضحة للرغبة الأمريكية مواصلة المشاركة في العدوان والمجازر المرتكبة بحق الشعب اليمني منذ ست سنوات.
وزعمت الخارجية الأمريكية أن “البيع المقترح سيحسن قدرة السعودية على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية من خلال زيادة مخزوناتها من الذخائر بعيدة المدى والدقيقة جو-أرض”. وقالت: أن “حجم الذخيرة يسمح بالوصول إلى الأهداف بدقة مع أضرار جانبية أقل”، وأن شركة بوينغ هي المقاول الرئيسي للصفقة مع السعودية. وأخطرت وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة للبنتاغون الكونغرس بالصفقة المحتملة وتعتبر الولايات المتحدة أكبر مصدري السلاح للسعودية تليها بريطانيا ثم فرنسا.
ومن المثير للسخرية أن الخارجية الأمريكية نفسها دعت شريكتها السعودية للتحقيق في بعض الجرائم المرتكبة بحق الشعب اليمني، كما جاء على لسان المتحدثة باسمها حين دعت النظام السعودي للتحقيق في حادثة باص ضحيان، كما أن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس حينها زعم أنه كلَّف قائداً عسكرياً بالتوجه إلى الرياض لتقصّي ما جرى في حادثة حافلة الطلاب والعمل على اتخاذ تدابير في المستقبل لتفادي تكرار حدوث، في محاولة لذر الرماد على العيون وتضليل الرأي العام الساخط على الجرائم، أما في الخفاء والعلن فإن أمريكا والسعودية تواصلان شراكتهما في الإجرام بحق الشعب اليمني.
الثورة/ محمد دماج