مقالات مشابهة

لماذا هدّد جِنرالات إيران بمُساواة تل أبيب وحيفا بالأرض؟ وكيف نفسر هذا التصعيد في الأيام الأولى لإدارة بايدن؟

مِن المُفترض، وبعد خُروج الرئيس دونالد ترامب من السّلطة، ومجيء خصمه الدّيمقراطي جو بايدن، أن يعود الهُدوء نسبيًّا إلى منطقة الشّرق الأوسط، خاصّةً على الجبهة الإيـرانيّة الإسرائيليّة، ولكن مُتابعة التّهديدات المُتبادَلة بين البلدين، و”التّلاسن” الحاد بين المسؤولين العسكريين فيهما،

يبدو أن التوتّر بات أقوى من أيّ وقتٍ مضى، مرفوقًا بإجراءاتٍ وتحشيداتٍ عسكريّة غير مسبوقة على الأرض، مِثل نشر الولايات المتحدة للقبب الحديديّة الإسرائيليّة في قواعدها في منطقة الخليج، وضمّها “إسرائيل” إلى غُرفة عمليّات القيادة العسكريّة المركزيّة الأمريكيّة الوسطى المُكلّفة بالعمليّات العسكريّة في منطقة الشّرق الأوسط، ومُواصلة تحشيد السّفن الحربيّة والقاذفات العملاقة “B52” في مِياه المنطقة وأجوائها.

الجِنرال أفيف كوخافي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي فاجأ الجميع قبل أيّام معدودة، بتوجيه تهديدات فريدة من نوعها إلى ايران وحُلفائها، على رأسها التّوعّد بتوجيه غارات جويّة وصاروخيّة لتدمير المُنشآت النوويّة والبُنى التحتيّة الإيرانيّة،

ونصَح اللّبنانيين في الجنوب، وأبناء قِطاع غزّة بمُغادرة منازلهم القريبة من مخازن الصّواريخ، أنّها ستكون عُرضةً للقصف والتّدمير، وعليهم أخذ هذا التّحذير بكُل جديّة، مُدّعيًا أنّ “إسرائيل” لا تُريد وقوع ضحايا مدنيين التِزامًا بالقانون الدّولي، مُؤكِّدًا على أنّ الجيش الإسرائيلي يُعيد “تجديد” خططه العسكريّة لضَربِ إيران.

اللواء أبو الفضل شكرجي، المُتحدّث باسم هيئة أركان الجيش الإيـراني، سارع بالرّد على هذه التّهديدات بالتّحذير “أنّ أيّ عُدوان إسرائيلي على إيران سيُقابَل بضرب تل أبيب وحيفا، وتسويتها بالأرض”، مُضيفًا “أنّ الطّائرات الإسرائيليّة التي ستَقصِف إيران قد لا تَجِد مطارات وقواعد عسكريّة تَهبِط فيها بعد عودتها”.

القِيادة العسكريّة الإيـرانيّة أجرت مُناورات عسكريّة بحريّة وبريّة وجويّة قبل أسبوعين في المُحيط الهندي وبحر العرب كشفت فيها عن صواريخ جديدة قادرة على تدمير بوارج حربيّة، وطائرات مُسيّرة مُلغّمة وانتحاريّة، علاوةً على زوارق سريعة جدًّا، وغوّاصات مُتطوّرة.

المُلاسنات والتّهديدات العسكريّة المُتبادلة لم تقتصر على الجِنرالات الإسرائيليّة والإيرانيّة، بل توسّعت وباتت تشمل المُتحدّثين الرّسميين الدّبلوماسيين الأمريكيين والإيرانيين أيضًا، بعد نُزول أنتوني بلينكن، وزير الخارجيّة الأمريكي الجديد، إلى الحلبة واشتِراطه أن تعود طِهران إلى الاتّفاق النووي أوّلًا حتى تبدأ المُفاوضات،

فيأتيه الرّد قويًّا من السيّد مجبتي ذو النور، رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشّورى الإيراني، ومن محمود واعظي، رئيس مكتب الرئاسة،

فالأوّل قال إنّ المجلس تأخّر في الرّد على انسِحاب الرئيس ترامب من الاتّفاق النووي، وأنّ إيـران يجب أن تُوقِف جميع التِزاماتها بهذا الاتّفاق حتّى يلتزم الطّرف الآخَر بتعهّداته، مُؤكِّدًا أنّ هذه هي اللّغة الوحيدة التي يفهمها الأمريكان، جمهوريين كانوا أم ديمقراطيين، أمّا الثّاني، أيّ السيّد واعظي،

فكان أكثر دبلوماسيّةً عندما قال إنّ إيران لم تنسحب من الاتّفاق النووي حتى تعود إليه، وأنّها أعطت أمريكا وحُلفاءها الأوروبيين مُهلَةً حتّى 23 شباط (فبراير) المُقبل لرَفعٍ شاملٍ للعُقوبات، وبدأت تنفيذ الشّق الأوّل من قرار مجلس الشورى، أيّ نصب أكثر من ألف جِهاز مُتطوّر للطّرد المركزي لتخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وإعلان انسِحابها من الاتّفاق بعد ذلك التّاريخ إذا استمرّت العُقوبات.

ربّما يُجادل البعض بالقول إنّ هذه التّهديدات المُتبادَلة تأتي تمهيدًا لمُفاوضاتٍ وشيكة، حيث يُحاول كُل طَرف إعلاء سقف مطالبه، والظّهور بمظهر الجانب الأقوى، وهذا الاحتِمال غير مُستَبعد، لكنّ اللّهجة التّهديديّة للجِنرال كوخافي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، تُوحِي بأنّ إسرائيل “مُرتَبِكَة”

وفقدت فُرصةً ذهبيّةً بتدمير المُنشآت النوويّة الإيرانيّة برحيل الرئيس ترامب ومُستشاره جاريد كوشنر ووزير خارجيّته مايك بومبيو، ومن المُحتَمل أن تُقدِم على توجيه ضربات انتقاميّة ضدّ إيران لجرّ إدارة بايدن إلى الحرب،

فمَن غير المُعتَقد أن يكون نصب القبب الحديديّة في القواعد العسكريّة الأمريكيّة في الخليج جاء بمحض الصّدفة وإنّما للتّحضير إلى “عملٍ ما” في المُستَقبل المَنظور.

المُقرّبون من إيـران يُؤكّدون أنّها لن تكون البادئة في الحرب، وتستطيع امتِصاص الضّربة الإسرائيليّة والأمريكيّة الأولى، ولكن ردّها، وحُلفاءها الإقليميين سورية ولبنان والعِراق واليمن وقطاع غزّة سيكون مُدَمِّرًا ليس للقواعد الأمريكيّة وحواضنها الخليجيّة، وإنّما لإسرائيل أيضًا، فمِئات الآلاف من الصّواريخ الدّقيقة قد تهطل مِثل المطر على مُدنها وقواعدها العسكريّة وبُناها التحتيّة، وقد تنجح القبب الحديديّة باعتِراض بعضها، ولكنّ الأغلبيّة العُظمى ستَصِل إلى أهدافها، حسب رأي هؤلاء.

عبارةٌ خطيرةٌ وردت في المُؤتمر الصّحافي الأوّل للوزير بلينكن قال فيها “إنّ انسحاب أمريكا من الاتّفاق النووي جعل إيران على بُعد ثلاثة أو أربعة أشهر لإنتاج قنبلة نوويّة، والوصول إلى اتّفاقٍ نوويّ جديد بات يحظى بالأولويّة لإدارته لتمديد السّقف الزّمني للاتّفاق القديم.

مجلة “الإيكونومست” تحدّثت مُطوّلًا في عددها الأخير الصّادر أمس الجمعة عن الطّموحات النوويّة الإيرانيّة، وهي التي توقّعت في افتتاحيّةٍ سابقةٍ أن تملك قنبلتين نوويتين على الأقل بالنّظر إلى كميّات اليورانيوم عالية التّخصيب وإنتاجها معدن اليورانيوم الذي يُشَكِّل عامل مُهم في بناء الرّؤوس النوويّة.

هل عودة التّركيز الغربي مُجَدَّدًا على القُدرات النوويّة الإيرانيّة هو للضّغط عليها للعودة إلى مائدة المُفاوضات، أم لخلق المُبرّرات والذّرائع لتبرير الحرب؟ لا نملك إجابةً لكنّ الأسابيع المُقبلة ستَكشِف الكثير من النّوايا في هذا المِضمار.. واللُه أعلم.