كان العام 2020 أحد أكثر الأعوام تأثيراً في أسعار النفط.. فما هي أبرز الأحداث التي شهدها العام 2020 بما يتعلق بقطاع النفط؟ وما هو المتوقع للأعوام المقبلة على صعيد العلاقة بين الدول المنتجة؟
ينتهي العام 2020 مع تسجيل النفط أسعاراً تتراوح بين 50 و52 دولاراً، وذلك في عامٍ كان مليئاً بالأحداث السياسية والأمنية والصحية، سجلت خلاله الأسعار تراجعاً غير مسبوق بفعل تأثرها بجائحة كورونا من جهة، وتراجع الطلب من قبل كبار المستهلكين (أبرزهم الصين) أمام فائض العرض، بالإضافة إلى “حرب الأسواق” التي اشتعلت بين السعودية وروسيا ومعهما الولايات المتحدة، وما ترتب عليها من تصدع في “أوبك” و”أوبك+”، لا تزال آثاره مستمرة.
بدأ العام 2020 بخلافٍ بين موسكو والرياض على نسبة الخفض في إنتاج النفط بعد جائحة كورونا. فحتى كانون الأول/ديسمبر 2019 تقرر في “أوبك+”، زيادة خفض الإنتاج النفطي بما لا يقل عن 500 ألف برميل إضافية يومياً لدعم أسعار الخام، ليضاف هذا الخفض إلى المتفق عليه في عام 2017 وهو 1.5 مليون برميل، ويصبح مع بداية العام 2020، 1.7 مليون برميل يومياً.
في آذار/مارس 2020، رفضت روسيا وهي ضمن تحالف “أوبك+” مقترحاً جديداً لمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” بشأن تعميق وتمديد اتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية 2020، بحجم خفض كلي 3.2 ملايين برميل يومياً.
أرادت روسيا من خلال رفض أي خفضٍ جديدٍ للإنتاج، لدعم أسعار النفط كنتيجة مترتبة، استهداف قطاع النفط الصخري الأميركي، لا سيما وأن القرار الروسي تزامن مع عدة إجراءات أميركية فرضت من خلالها إدارة الرئيس دونالد ترامب، عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، وأدى ذلك إلى هبوط أسعار النفط في آذار/مارس إلى أقل معدلاتها منذ 18 عاماً (20 دولار للبرميل تقريباً).
وحاولت روسيا من خلال رفضها خفض الإنتاج حينها، الرد على الإجراءات الأميركية، لا سيما وأن كلفة إنتاج النفط الأميركي عالية وتحتاج إلى أسعار عالية للمبيع، لا يمكن الوصول إليها، إلا من خلال خفض الإنتاج، في ظل وفرة العرض وتراجع الطلب مع تأثيرات جائحة كورونا.
محللون في شركة استشارات الطاقة “FGE” (مقرها لندن) اعتبروا أن روسيا لمحت إلى أن الهدف الحقيقي هو منتجو النفط الصخري الأميركي، لأنّ موسكو “سئمت” من خفض الإنتاج وترك حصة السوق الأكبر للشركات الأميركية غير الخاضعة لاتفاقيات “أوبك+”. ونقلت وكالة “بلومبيرغ” بدورها، عن رئيس معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في موسكو ألكسندر دينكين، قوله إن “الكرملين قرر التضحية بـ(أوبك+) لوقف تزايد إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة”.
في المقلب الآخر، فإن السعودية سارت بعكس استراتيجيتها المتبعة، وكانت من أبرز الدول داخل “أوبك+” التي دعت إلى خفضٍ جديد للإنتاج، مدفوعةً بذلك من مطالب أميركية ملحة. وأمام الرفض الروسي، عمدت الرياض إلى اتخاذ بعض الإجراءات من أجل الضغط على موسكو وحفظ حصتها في الأسواق، حيث قامت في آذار/مارس بخفض سعر البيع الرسمي لنفطها لشهر نيسان/أبريل للعملاء الآسيويين بمقدار 6 دولارات للبرميل، و7 دولارات للبرميل لأميركا، و8 دولارات لأوروبا ومنطقة البحر المتوسط، وهي المناطق التي تبيع فيها روسيا جزءاً كبيراً من إنتاجها النفطي. وبالتوازي، أعلنت مجموعة “أرامكو” النفطية، زيادة إنتاجها بشكل كبير إلى 12,3 مليون برميل يومياً في نيسان/أبريل المقبل.
كان المطلوب من الخطوة السعودية، دفع روسيا للتراجع عن رفضها خطة خفض الإنتاج، وذلك تحت ضغط إغراق السعودية للأسواق بنفطها، ضمن أسعار أقل من المعروضة عالمياً، لكن المتأثر الأبرز كان سوق النفط الأميركي.
ففي 12 نيسان/أبريل اتفقت “أوبك+” على انخفاض تاريخي وقياسي في الإنتاج العالمي للنفط بنسبة 10 في المئة، وبمقدار 9.7 مليون برميل يومياً، لشهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو. وتم الاتفاق على تخفيض بمقدار 8 ملايين برميل نفط يومياً بعد حزيران/يونيو. على أن يتراجع التخفيض بداية 2021 وحتى نيسان/أبريل 2022 سيتم إلى 6 ملايين برميل يومياً.
تأثرت أسعار النفط باتفاق نيسان/أبريل، حيث ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت لتسجل 32 دولاراً للبرميل، كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى 23.7 دولاراً للبرميل.
لكن التقلبات والمناوشات السياسية المترافقة مع تأثيرات جائحة كورونا وعدم التوصل السريع إلى اتفاق لخفض إنتاج النفط، عوامل أدت إلى حدثٍ غير مسبوق في أسعار النفط الأميركي، حيث انهارت أسعار العقود الآجلة للخام الأميركي “تسليم أيار/مايو” إلى ناقص 37 دولاراً للبرميل (-37) وهو حدث للمرة الأولى في التاريخ.
والسبب في ذلك، خارجي وداخلي. خارجياً، فإن “حرب الأسعار” بين روسيا والسعودية، بالتزامن مع ضخامة الإنتاج الأميركي المتفلت من قيود “أوبك+”، أدت إلى امتلاء المخازن الأميركية مع عدم القدرة على التصريف الاعتيادي بسبب تأثيرات كورونا، بالإضافة إلى انخفاض الأسعار بشكل لا يتناسب مع سعر الإنتاج مما يؤدي إلى خسائر فادحة.
أما داخلياً، فإن امتلاء أماكن التخزين نتج عنه مخاوف من عدم القدرة على التخلص من عقود الشراء المستقبلية المتعلقة بأيار/مايو والتي يتحتم تسويتها قبل ظهر 21 أبريل/نيسان. لذا، فإن المستثمرين اضطروا للدفع من أجل التخلص من عقود “الخام”، قبل انقضاء مهلة عقودهم، وكان يجب عليهم العثور على مشترين بأي طريقة، وهو ما تسبب ببلوغ سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط 37,63 دولاراً تحت الصفر مع انتهاء التعاملات، إذ كان المطلوب التخلص من النفط المعروض بأي سعر في ظل التكلفة الكبيرة للتخزين والنقل.
الانخفاض الحاد الذي شهدته أسعار النفط الأميركي ترك آثاراً سلبية على شركات النفط الأميركية، فمنها من ذهب باتجاه إعلان إفلاسه ومنها من قام بعملية تسريح واسعة للموظفين. لكن الأثر الأكبر كان على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فحرب أسعار النفط بين موسكو والرياض والأزمة التي شهدتها الأسواق الأميركية دفعت الشركات الأميركية إلى اتخاذ إجراءات تقشفية، وكانت ولاية بنسلفانيا التي تعتبر من أبرز الولايات في صناعة النفط الصخري، أكثر المتأثرين، وهي إحدى الولايات المتأرجحة في الانتخابات الأميركية (20 صوتاً في المجمع الانتخابي) والتي صوتت لصالح ترامب في عام 2016 بعد وعوده بدعم صناعة النفط الصخري.
وبفعل التأثيرات السلبية التي طالت قطاع النـفط الصخري، الذي يعد العصب الاقتصادي لولاية بنسلفانيا المهمة انتخابياً (أكثر من 30 ألفاً من سكان الولاية يعملون في القطاع النفطي) فإن العديد من المراقبين أشاروا، إلى أن تلك الأحدث كانت سبباً في خسارة ترامب أصوات الولاية، والتي بدورها أثرت بشكل مباشر على نتائج الإنتخابات بشكل عام.
مع اتفاق أعضاء “أوبك+” على خغض للإنتاج يرضي المؤثرين، وما يصاحب ذلك من بدء عملية اللتلقيح ضد كورونا، فإن أسعار النـفط تعود تدريجياً إلى استقرارها، لكنها لا تزال دون الأسعار المطلوبة للعديد من الدول، لا سيما السعودية التي تعتمد بشكل أساسي على العائدات النفطـية.
في المقابل، فإن واشنطن أدركت خلال العام 2020 أنها لم تعد قادرة على التفلت من قيود “أوبك+” لأن خفط إنتاج النفـط من قبل “أوبك+” ورفع الأسعار الذي يفيد شركات الـنفط الأميركية، يلزمه أيضاً إلتزام من قبل واشنطن بمعايير معينة، ويحتم عليها التنسبق مع موسكو بما يخص إنتاجها النفطي، وإلا فالأخيرة قادرة على عرقلة أي مخططات أميركية داخل “أوبك+”، لرفع الأسعار.
لطالما كان قطاع النفـط العالمي مؤثراً ومتأثراً بالأحداث الأمنية والحروب العسكرية حول العالم. وإذا كان العام 2020 قد أرسل مؤشرات سلبية لعدم الثقة بين الدول المعنية بهذا القطاع، فإن العام المقبل سيحمل إشارات أكثر خطورة لا سيما إذا سعت تلك الدول إلى استعمال النفـط انتاجاً وتوزيعاً وسعراً، كسلاح بوجه بعضها البعض.