مقالات مشابهة

جبهة الجولان المحتل.. خاصرة “اسرائيل” الرخوة

المشهد اليمني الأول/

 

لا شك أن القدس – قضية ومدينة – كانت وما زالت تشكل أهمية كبيرة بالنسبة للعدو الاسرائيلي، حيث يعمل جاهدًا وبكل الوسائل على تثبيت احتلاله لها، عسكريًا وأمنيًا ودينيًا وديبلوماسيًا، وشعبيًا حتى، وهو لا يعدم طريقًا أو وسيلة لذلك، مستعينًا، بالاضافة لمتابعاته وقدراته الذاتية المذكورة، من جهة بالعرب المطبعين المستسلمين أو الخونة، ومن جهة أخرى بموقف متقدم جدًا للادارة الأميركية برعاية الرئيس دونالد ترامب.

صحيح أن هذا الموقف الأميركي المتقدم في دعم “اسرائيل” فيما خص القدس، تجاوز المجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة و(النادرة عادة) فيما خص الحقوق العربية والفلسطينية، حيث قاد وادارة الرئيس ترامب، ضغطًا على السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية المرتهنة في مختلف الاتجاهات، ودعمًا ديبلوماسيًا فريدًا، تمثل في نقل السفارة الاميريكة الى القدس، واعتمادها اميركيًا، عاصمة للكيان المحتل، لكن تبين مؤخرًا، أن الجولان المحتل أهمية كبرى أيضًا بالنسبة للعدو، قد تماثل أو حتى تضاهي أحيانًا أهمية القدس.. فأين تكمن هذه الأهمية؟ ولماذا يعتبر الجولان نقطة ضعف حساسة بالنسبة العدو الاسرائيلي؟

من الناحية الديبلوماسية: أولى الأميركيون أيضًا أهمية غير بسيطة لموضوع الاحتلال الاسرائيلي للجولان، تماما كالقدس ، بداية من خلال عرقلة جميع القرارات الاممية المتعلقة بالاحتلال الاسرائيلي للجولان، وهذا مسار طويل، تناوبت عليه الادارات الاميريكة المختلفة، التابعة للحزب الجمهوري أو تلك التابعة للحزب الديموقراطي، ومؤخرًا اتخذت الادارة الاميركية (ادارة ترامب) قرارًا مماثلًا، حين اعتبرت الجولان المحتل أرضًا اسرائيلية غير محتلة، وزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لمنطقة الجولان السوري المحتل، جاءت تمامًا في هذا الاطار.

من الناحية العمرانية والسكنية: تعطي “اسرائيل” اهتمامًا كبيرًا لحركة المشاريع العمرانية والسياحية والزراعية التي تنفذها في الجولان المحتل، ويخصص الجولان بنسبة كبيرة سنويًا من التمويل في موازنة العدو، خاصة للبنى التحتية التي تجذب المستوطنين والاسرائيليين لاختيار السكن في تلك المنطقة، ومشاريع توليد الطاقة على توربينات الهواء، التي فجرت مؤخرًا اعتراضًا واسعًا من قبل المواطنين السوريين أبناء تلك المنطقة المحتلة. وهذا دليل حسي وواقعي على اهتمام “اسرائيل” بتلك المنطقة، حيث كانت تعتبر أن هذه المشاريع، التي سيستفيد منها حكمًا السوريون، سوف تخفف من تعلقهم بوطنهم وبدولتهم الأم سوريا، وتجعلهم متساهلين مع الاحتلال، الى أن يتأقلموا معه رويدًا رويدًا، الأمر الذي لم يحدث، وشكلت الحركة الاعتراضية الشرسة لهؤلاء، مفاجأة صادمة للعدو.

من الناحية العسكرية: ينشر العدو في الجولان المحتل منظومة دفاعية متماسكة جدا، من مراكز محصنة ومواقع للرصد والمراقبة والتنصت، ويستخدم جبهة الجولان المحتل ومرتفعاته الاستراتيجية، للاعتداء الدائم على الداخل السوري، مستفيدًا من ميزة المراقبة الواسعة والبعيدة، والتي تؤمنها له تلك المرتفعات، فمناورته الاستعلامية والاستخبارية، تنشط بشكل مكثف لمتابعة أي نواة أو نشاطات لها طابع المقاومة ضد وحداته، أو التحضير أو التأسيس لأية حركة مقاومة، اذا كانت مقاومة من داخل الاراضي المحتلة في الجولان، أو من الأراضي السورية المحررة، والمتاخمة للمناطق المحتلة.

كل هذا الاهتمام الاسرائيلي اللافت الجولان المحتل، يأتي في سياق أهمية تلك المنطقة الاستراتيجية أولًا، ويأتي ثانية بسبب حساسية موقف العدو في احتلال تلك المنطقة، وخوفه الدائم على خسارتها، وذلك على الشكل التالي:

أولًا: شجعت الأهمية الاستراتيجية الخاصة بالجولان المحتل العدو على احتلال تلك المنطقة. فإضافة الى كون الجولان مصدرًا رئيسًا للمياه التي تحتاجها “اسرائيل” بقوة، تتميز مرتفعاته بجغرافية نادرة في منطقة الشرق الأوسط، فهي تمسك بالمراقبة المباشرة وبنار الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى، أراضيَ واسعة لأربع دول عربية: سوريا وفلسطين والأردن ولبنان، كما أنها تكشف عمق البادية شرقًا حتى العراق وشمال غرب السعودية، بالاضافة لواجهة المتوسط الشرقية وسواحل لبنان وتركيا، ومن الطبيعي أن “اسرائيل” ستحاول المستحيل للاحتفاظ بهذه الميزة الجغرافية – العسكرية الاستراتيجية، والأهم، أنها ستحاول المستحيل أيضًا، لعدم استعادة الدولة السورية تلك المنطقة، ومنع انتزاع الأخيرة تلك الميزات المهمة منها.

ثانيًا: حساسية موقف العدو في احتلاله لتلك المنطقة، تكمن في خوفه الدائم من خسارتها، وهذه الخسارة هي دائمًا واردة وممكنة وذلك للأسباب التالية:

– الجولان المحتل، ولا يوجد أي مسوغ شرعي أو قانوني يحمي احتلال “اسرائيل” للجولان السوري، وحتى القانون الدولي ومؤسساته الشرعية الدولية، أصدرت عددًا كبيرًا من القرارات التي تحجب الشرعية الدولية عن هذا الاحتلال، لكن دونالد ترامب أجاز شرعية الأرض لنفسه، ووزعها على بعض الملفات الدولية، وقايض من خلالها مع بعض الدول التطبيع مع “اسرائيل” كما حدث مع السودان والمغرب، حيث منح الأخير بديلًا للتطبيع مع “اسرائيل”، سلطةً مشكوكًا فيها على الصحراء الغربية، مخالفًا بذلك موقف أغلب الدول والمؤسسات الدولية.

– الجولان يشبه بجغرافيته وبطبيعة سكانه وأبنائه السوريين، والجنوب اللبناني، وتجربة الكيان الاسرائيلي المرة مع احتلالها للجنوب اللبناني قبل العام 2000، تجعلها تخشى أية نواة لمقاومتها في تلك المنطقة، حيث البعد المقاوم، بقدرته العسكرية والتكتية والوجدانية، والممتد من سوريا الى العراق الى لبنان وايران، قادر على أن يخلق ويدعم أية حركة لمقاومة “اسرائيل” في الجولان المحتل، ويجعل منها حركة ناجحة وقادرة على الانتصار ودحر العدو عن الجولان المحتل. واستنفار “اسرائيل” الدائم نحو أي تواجد أو تحرك أو انتشار لأي فصيل تابع أو قريب من محور المقاومة، اذا كان سوريًا أو غير سوري، خير دليل على خوفها الدائم والحساس من تلك المقاومة المنتظرة، حيث من المؤكد أنها تتحضر لتنطلق عمليًا.

من هنا، يأتي خوف وخشية “اسرائيل” من الجولان السوري، وهي محقة في نظرتها لحساسية وخطورة موقفها وموقعها في الجولان المحتل، فالتاريخ والحاضر والمنطق والواقع من جهة، وحتمية انتصار الحق على الباطل من جهة أخرى، سيجعلها تندحر حتمًا عن الجولان، وسيعود الأخير لسوريا ولأبنائه محررًا، أبيًا، منتصرًا.
_______
شارل أبي نادر